رمضان 2023.. خبز الأجداد يعين الشباب الليبي
تماشيًا مع كون شهر رمضان شهرًا للخير والرزق تجلى ذلك بوضوح في توفر المردود المالي لشباب ليبيا.
ذلك الخير وهذا المردود هو ما كان نتاج إقبال الشباب الليبي على صناعة "خبزة التنور" التي تُعد المعلم الأبرز لشهر رمضان في ليبيا وهي مصنوعة بطريقة خاصة كانت النساء فقط من تتقنها إلا أن أزمة البلاد الاقتصادية جعلت الشباب هم صانعو ذلك النوع المميز في رمضان الجاري.
ويرجع رواج ذلك النوع من الخبز لكونه من أقدم أنواع الطعام في ليبيا التي تعد من أكثر البلدان العربية التي تتمسك بتراثها القديم وهو ما شكل فرصة لدى الشباب ليكون ذلك مصدرًا للإيراد المادي لهم في بلد يرتفع فيه معدل التضخم كل عام مصحوبًا بتزايد أعداد البطالة.
وقد تجولت "العين الإخبارية" في مدينة بنغازي التي ينتشر فيها بائعو وصانعو "خبز التنور" على الطرقات العامة لتعرف القصة من بدايتها.
تلك البداية كانت مع أحد صانعي "خبزة التنور" وهو الشاب عصام الماوي الذي فضل في بداية حديثه أن يعطينا فكرة عما يصنع، قائلًا: إن "خبزة التنور والتي نسميها خبز الأجداد كونه أول طعام كان أجدادنا يقتاتونه و هو عبارة عن خبز مصنوع من مادة القمح وتعود تسميته للإناء الذي يصنع فيه وهو قدر التنور".
وأضاف الماوي لـ"العين الإخبارية" أن "لإناء التنور نفسه قصة أخرى حيث يمر بمراحل عدة بداية من جمع نوع معين من الطين أو مادة الطفلة المستخرجة من باطن الأرض والتي تعجن مع ملح في حالة الطين".
بعد ذلك، وفق الشاب الليبي: "نخلط ذلك العجين مع التبن أو شعر الماعز وذلك لإكساب الخطة متانة وقوة فهي ستوضع على النار".
حيث يضيف أنه "بعد أن تصبح تلك الخلطة جاهزة توضع في قدر كبير مصنوع من الحديد وتكون بذلك جاهزة للعمل ـ وكل ذلك يكون على شكل مجسم دائري بقطر داخلي تقريبًا واحد سنتيمتر فيما يختلف الارتفاع على ألا يقل على 30 سنتيمتر ولا يرتفع عن 40 وهو مقاس محدد يحدده قعر الحطب الذي سيوضع في الداخل بعد ذلك".
أما قديمًا يقول عصام الماوي "كان التنور يُحفر تحت الأرض بشرط أن يكون المكان طينيًا أو سبخيًا لأن هذه المواد توفر الحرارة للخبز الذي يُطمر (يُغطي) تحت الأرض في تلك الحفرة".
كل تلك المراحل وفق الماوي "في السابق كانت النساء في المزارع وخاصة العجائز منهن هن وحدهن من يصنعن ذلك".
ويقول أيضًا أن "تلك المراحل يقوم بها النساء كما أن خبز التنور يصنعنه النساء فيما يقتصر عمل الشباب على بيعها في الشارع وتلك عادة في ليبيا كل عام في شهر رمضان فقط".
أما اليوم وبحسب ما تحدث الماوي فإن "المشهد تغير تمامًا حيث أصبح الشباب هم من يصنعون خبز التنور على الطرقات بشكل مباشر وهم أنفسهم من يبيعونه".
الأزمة الاقتصادية
ويؤكد الشاب الليبي المتحدث أن "الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها ليبيا وانتشار البطالة بين الشباب هو من دفع الشباب للإقدام على ذلك".
وتابع "حتى الشباب الذين يعملون كموظفين هم أيضًا يعملون على صناعة التنور لأن المرتبات هنا تتأخر لشهرين وثلاثة" مشيرًا إلى أن "صنعة صناعة خبز التنور توفر مردودًا ماليًا جيدًا للشباب يعينهم على مصاريف شهر رمضان وكذلك عيد الفطر المبارك".
كما يؤكد عصام الماوي أن "رمضان كل عام يأتي بالخير وخاصة هذا العام بعد انتشار ظاهرة صنع الشباب لخبز التنور وهو أمر جلب لهم منفعة كبيرة مادية هم بحاجة لها وسط ما تعيشه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة".
ظاهرة تجارية
أنور محمد شلابي شاب آخر من صانعي خبزة التنور في مدينة بنغازي قال لـ"العين الإخبارية" إن "الأمر لا يرتبط بشكل مباشر بالأزمة الاقتصادية بل هي ظاهرة تجارية" وفق ما تحدث عن صنع الشباب لذلك الخبز.
وأضاف شلابي أنه صحيح ليبيا تمر بأزمة اقتصادية خانقة والشباب الليبي يعاني جراء ذلك إلا أن صنع الشباب لخبز التنور في الطرقات يعد أمر دعائي حيث يمثل ذلك شي ملفت للمشتري".
وتابع "بيع خبز التنور ينتشر في رمضان بشكل كبير جدا جدا ـ إلا أن الإقبال على الشراء من الشباب الذين يصنعونه أكبر من الإقبال على خبز التنور في أي مكان أخر".
وذلك وفق الشاب الليبي "لرغبة المشترين في اقتناء الخبز ساخن وطازج كما أن المشتري يفضل أن يشتري شي يُصنع أمامه بدل أن يشتري شي مصنوع في مكان لا يعلمه قد لا يكون نظيفًا".
ومن هنا وبحسبه "جاءت فكرة صناعة الشباب لخبز التنور على الطرقات كما أن المشترين يفضلون دعم الشباب لذلك يقبلون على الشراء من بائعي خبز التنور في الطرقات".