شهر رمضان موسم عبادي عظيم، وميدان إنساني كبير.
زاخر بالفرص الكثيرة للصائم ليلج في ميادين العبادة والخير والبر والإحسان، مؤمنا بأن هذه الدنيا ميدان تنافس وتسابق ومضمار جد واجتهاد، ولذا فهو يسعى فيها للصدارة، وبلوغ القمم، بالتزود من الأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة والقيم الإنسانية النبيلة كالرحمة والتسامح والبذل والعطاء، مستحضرا قول الله تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}، وقوله سبحانه: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض}.
ولذلك حرص العلماء منذ القدم على ترسيخ مبدأ استثمار العمر، وغرس قيم الجد والاجتهاد، وذم التكاسل والتسويف، وتعزيز روح المبادرة في اغتنام الحياة، باعتبارها ميدان عمل وغرس، قال ابن الجوزي: "من علم أن العمر بضاعة يسيرة يسافر بها إلى البقاء الدائم في الجنة لم يضيعه"، وإذا كان للعمر والحياة مثل هذا المعنى الكبير فإن شهر رمضان أفضل هذه الأزمان وأكثرها مثالية لتحقيق التنافس الإيجابي في المبادرة للطاعات والخيرات، فهو شهر الصبر والرحمة والجود والتكافل والتواصل وتجديد الصلة بالله، وما يَنتج عن ذلك من رقة القلب وتهذيب الطبع وتصحيح السلوك والتجرد من أهواء النفس والتفكير خارج صندوق الذات، وهو ما يثمر رقيا في معاملة الخالق والخلق.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم فرسان تنافس وأصحاب مبادرة للعبادات التي تقربهم إلى الله تعالى، وكذلك أصحاب مبادرة للقيم الإنسانية ووجوه البذل والعطاء، ومن الأمثلة على ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم اليوم صائما؟» قال أبو بكر: أنا، قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟» قال أبو بكر: أنا، قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟» قال أبو بكر: أنا، قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضا؟» قال أبو بكر: أنا، وهكذا كانت حياة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، نموذج مشرق للمبادرة والتنافس والبذل والعطاء، ومراعاة حقوق الخالق سبحانه وحقوق الخلق، فتأمل كيف جمع رضي الله عنه بين الصيام الذي هو من أفضل العبادات وبين رعاية حقوق الناس، والعناية بالفئات الضعيفة والمحتاجة، وتعزيز روح التكافل في المجتمع.
وقد كان أبو بكر الصديق مثالا وقدوة في المبادرة والتنافس في المجتمع، حتى قال عنه عمر رضي الله عنه: "والله ما سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه"، وهكذا يكون الإنسان جوهرة تضيء بنور قيمها الساطعة أينما حل، حتى يرتقي إلى درجة القدوة الحسنة، فيكون دافعا لتنمية أفراد مجتمعه بحسن مواقفه وجميل أفعاله، كما قال سبحانه:{واجعلنا للمتقين إماما}، أي قدوة حسنة يُقتدى بنا.
وهكذا يستثمر الصائم شهر رمضان المبارك، فيكون مبادرا للخير، مؤديا لحق الله تعالى وحقوق عباده، صاحب أياد بيضاء في المبادرات الإنسانية التي تطلقها الدولة، كما أنه يحرص على أن يكون قدوة حسنة يرتقي بنفسه وبالآخرين، ومن مجالات القدوة الحسنة في هذه الفترة الالتزام بإجراءات الوقاية من وباء كورونا الذي عصف بالعالم، فيكون الصائم مثالا يحتذى به في صيانة الأرواح ووقايتها من هذا الوباء، وحصنا حصينا لحماية السلامة المجتمعية، وبدرا منيرا لتعزيز قيم الوئام والتسامح والتراحم في المجتمع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة