احتفى تاريخ وطننا العربي بذكرى قادة عظام استبسلوا في مجابهة تحديات جد صعبة.
تتنزل في إطار تحدي الكينونة والمولد والتأسيس، وذلك في مرحلة بناء الدول إثر خروج الاستعمار الغربي.
ونعرف جميعا خصوصية مرحلة التأسيس التي هي الأصعب في جميع مراحل الحياة.
ويحفل تاريخ أوطاننا العربية أيضا بمراحل أخرى تولى فيها الأمرَ قادةٌ قد يكونون هم الأسوأ في تاريخ البشرية، ولا تزال غالبية بلدان الوطن العربي تعاني من نتائج تصرفاتهم وسياساتهم.
وليس من التجني إذا قلنا إنهم زرعوا أزمة ثقة حقيقية بين المواطن والدولة.
بيد أن أكثر ما قاموا به سلبية هو خلق النموذج السيئ الذي يقتدي بتصرفاته بقية الموظفين وهكذا تم تمجيد تصرفاتهم والاقتداء بهم من طرف مسؤولي الدولة في ممارسة الفساد وعدم الاهتمام بالمواطن.
وللأسف الشديد غدت الدولة وإمكاناتُها مسخرة لراحة القائد وإخفاء كل ما يعكر صفوه.
بعيداً عن النماذج السيئة استوقفني الأسبوع الماضي حدثان مهمان يتعلقان بقائدين عربيين يشكل الحدثان مصدر فرح وسرور للجميع سواء من يعنيهم الأمر بشكل مباشر من شعوب هاتين الدولتين أو غيرهم من الذين يعيشون قضايا شعوبهم ويفرحهم أن يسمعوا عن قائد عربي يزرع الثقة في أذهان شعبه وأنا من الطائفة الأخيرة، حيث أتعطشُ دائما لمشاهدة نموذج جديد من القادة العرب يولي شعبه اهتماما خاصا ويهتم بتفاصيل حياته ويستبد بي الفرح حدّ الجذل عند أي سانحة في ذلك المجال.
كان الحدث الأول الذي استوقفني هو مقابلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
تحدث القائد الشاب بلغة الأرقام المقنعة ساردا بهدوء وتروٍّ رؤيتَه الطموحة التي تسعى بشغف لاستغلال الفرص لتوفير جميع سبل الراحة لشعبه.
ويعلم جميع متابعي الشأن السعودي الذين يملكون اهتماما بتشكل الرأي العام أن الأمير محمد بن سلمان أصبح قدوة حقيقية للشباب السعودي، حيث غرس فيهم قيم التنافس في ميدان العلم والتعلم والاجتهاد في العمل والاهتمام بوطنهم، كما بث فيهم روح التفاؤل واستشراف المستقبل بل تعدى ذلك لبث هذه الروح في جميع الشباب العربي الذين يطمحون لتنمية بلدانهم .
وليس ذلك غريبا فالمملكة العربية السعودية تعد بلداً محورياً في خارطة وطننا العربي والإسلامي، ولا شك أن أي تقدم في السعودية سينعكس بشكل مباشر على جميع الوطن العربي، حيث الجميع يبحث عن قدوة، وحيث لن يواكب الضعيف القوي في هذا الزمن السريع، ولا يمكن للعمل العربي المشترك أن يكون دون مواكبة التقدم في الدول الأقوى في هذه المنظومة ومنها السعودية.
الحدث الثاني والمهم هو مكالمة بين الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، مع مواطنة إماراتية تعمل في ورشة لتصليح السيارات، استوقفني هذا الاتصال رغم أنه ليس الأول للشيخ محمد، حيث تعوّد الرجل أن يشجع مواطنيه على فعل الخير وخدمة وطنهم.
هذا الحدث له جانبان مهمان: الأول هو أن قائدا عربيا يتصل بأحد مواطنيه ليشجعه على العمل في ورشة صناعة السيارات.
والثاني هو أن الشيخ محمد لفت أنظار الجميع إلى أن هناك امرأة عربية في بلد نفطي غني تعمل في ورشة صناعة السيارات ليس من أجل الحصول على قوتها اليومي، بل لتكون لبنة في تقدم بلدها وتحريك عجلة الصناعة.
في الوقت الذي يعزف فيه بعض الشباب العربي في بلدان لا تملك نفس مستوى الإمارات المعيشي ويتكبرون عن العمل في تصليح السيارات ويعتبرونها مهنة دونية.
الفارق طبعا بين المثالين: "المواطنة الإماراتية والشباب المتكبر" هو القيادة، فعندما تكون القيادة قدوة في الحث على العمل والتشجيع عليه يكون المواطن لبنة صالحة في جسد الوطن وبذلك يصلح الوطن كله ..
ذكر الشيخ محمد في مكالمته مع المواطنة الإماراتية هُدى المطروشي أن القدوة هي الأساس وأن الناس تتبع القدوة منذ قيام الدنيا.
وبذلك يغرس الشيخ محمد خصلة الاقتداء في شعبه ليقول لسان حاله اتصلت بهدى لتكون قدوة لكم في العمل والجد والاجتهاد لتطور بلدكم.
أن يكون الشيخ محمد بن زايد فرحاً وفخوراً بمواطنة إماراتية تعمل في ورشة تصنيع السيارات فذلك يعني أن التفكير في هذا البلد مختلف تماما.
كما يعطي صورة ناصعة عن ذلك التطور الذي وصلت إليه الإمارات حيث التقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي، وحيث الاهتمام والاستثمار في الإنسان.
فهنيئا بقادتنا الذين يصنعون أمثلة نحتذيها على درب التقدم والنهوض والتنمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة