العراقيون ورمضان.. كورونا وغلاء أسعار والتحركات محسوبة
يعيش العراقيون طقوس الصوم ومناسك رمضان على وقع عدد من المتغيرات والظروف التي ظهرت تأثيراتها بشكل جلي مع الأيام الأولى وما سبقها من تحضيرات واستعدادات لاستقبال الشهر الكريم.
تقول سيدة عراقية تسكن العاصمة بغداد، إنها قضت أكثر من 20 عاماً في إحدى الدول الأوربية "وغالباً ما كانت تخفض الأسعار مع استقبال شهر رمضان احتراماً ومراعاة للمسلمين الذين يعيشون على أراضيها" موضحة أن "ما يجري في العراق يسير بشكل متعاكس".
أم عمار، ذات الـ50 عاماً، استعدت خلال الأيام الماضية بشراء المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية التي تدخل في "سفرة رمضان"، ولكنها عانت من ارتفاع الأسعار مما اضطرها إلى الاكتفاء بنصف القيم والتخلي عن البعض الاخر.
وعادة ما تشهد الأسواق العراقية قبيل استقبال شهر رمضان، ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى نحو 10%، إلا أن العام الحالي سجل زيادة أكبر جراء القرار الحكومي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، الذي تضمن رفع قيمة صرف الدولار أمام الدينار العراقي.
تقول أم عمار التي تعيش على راتب تقاعدي من زوجها المتوفي، تعيل خلاله 4 من الأبناء: "الصعوبات الاقتصادية تحاصر مائدة رمضان وما فاقم ذلك ظروف جائحة كورونا التي قلصت فرص الكسب والتوظيف في العراق".
وتشدد الأرملة الخمسينية، على ضرورة أن "يكون هناك سيطرة للجهات المسؤولة على ارتفاع الأسعار وعدم ترك الفقير تحت رحمة جشع التجار، وخصوصا خلال رمضان الذي اعتدنا التعامل معه ضمن تقاليد وطقوس مختلفة عن بقية الشهور".
في سوق شعبي كبير في العاصمة، يرى أبوصادق، الذي يمتلك محل لبيع البقوليات والمواد الغذائية، إن القدرة الشرائية للمواطن خلال هذا الشهر قد انخفضت مقارنة بما نشهده خلال تلك الفترات قبل أعوام.
ويشير أبوصادق، إلى أن أغلب المتبضعين بدأوا بتغير عاداتهم بالاعتماد على التسوق اليومي وليس التجهز لشهر رمضان بشكل كامل، جراء غلاء الأسعار وضعف دخل الفرد العراقي.
فيما ترى سعاد كوكز، معلمة ابتدائية، أنه رغم كل تلك التحديات المادية وحتى الصحية لكنها لا تستطيع الاستغناء عما تم الاعتياد عليه من أكلات خلال شهر الصيام.
وتشكو كوكز حال عدد من العوائل التي لا تملك مردودات مادية كافية لمواكبة متطلبات شهر رمضان، مستدركة بالقول: "البيوتات العراقية كريمة في أغناء مائدة رمضان ولكن الظروف هذا العام كانت قاسية أتمنى ألا يطول ذلك الأمر كثيراً".
ويعيش العراق أزمة مالية خانقة، جراء الفساد المستشري وانخفاض أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا التي تسببت بتسريح آلاف العمال وأصحاب المصالح.
ومنذ عقدين، ورغم أن العراق يمتلك ثاني احتياطي بالنفط على مستوى العالم وتعدد الثروات الطبيعية، إلا أن مستويات الفقر والبطالة تتصاعد بشكل كبير حتى وصلت إلى نسب "مخيفة"، بحسب مختصين.
طقوس رمضان على وقع تداعيات كورونا
رغم أن هنالك تشابه كبير في طقوس أحياء شهر رمضان في البلدان الإسلامية والعربية، إلا أن لكل منها بعض الخصائص التي يميز بعضها عن الآخر.
في العراق، توارثت العوائل العراقية بحكم الموروث الشعبي، تقاليد وعادات خاصة بذلك الشهر، حيث تبادل أطباق الطعام مع الجيران والتزاور ما بين الأقارب ما بعد الفطور.
وكذلك، حيث ساعات الليل المتأخرة وحتى وقت السحر، ترى حركة المارة والسيارات ما تزال تنبض في الشوارع، إلا أن فيروس كورونا ومتطلبات الإغلاق الصحي وشروط السلامة تترك أثارها على تلك الأجواء والطقوس.
ومنذ أكثر من شهرين، يسجل العراق ارتفاعا في معدلات الإصابة بجائحة كورنا والسلالة المتحورة، تجاوزت أرقاما قياسية خلال الأسبوع الحالي بعد أن وصلت لأكثر من 8 آلاف حالة.
تلك المتغيرات، دعت لجنة السلامة والصحة العراقية إلى فرض جملة من الاحترازات والتدابير الوقائية بينها اللجوء إلى حظر جزئي على مدار 5 أيام وحظر تام أيام الجمعة والسبت.
يستذكر علي باسل، الطقوس الرمضانية قبيل كورونا وكيف كان يتواعد مع الاصدقاء بعد أوقات الفطور والسهر والتعلل حتى ساعات السحر.
في العام الماضي، كان العراق يدخل شهر رمضان على وقع كورونا وظروف تقييد مشددة منعت المواطنين من التحرك وممارسة هواياتهم الرمضانية، واليوم يعاد الشهر بطقوس منع متشابهة كما يقول باسل.
يؤكد باسل ذو الـ36 عاماً أن "التداعيات الصحية وخصوصاً مع ارتفاع الاصابات ونسب الوفيات بالجائحة، ستؤثر بشكل كبير على معالم وهوية شهر رمضان الاجتماعية وهو ما بدى واضحاً من اول أيامه.
ويستدرك بالقول: "سأكتفي هذا العام بالتواجد في المنزل بعد الفطور ولن تكون هنالك مجالس تسامر مع الأصدقاء".
لكن الوضع ربما سيكون أقل وطأة، عند بيت أبوسامر ، حيث ينتظر أن يلتقي أولاده مع عوائلهم عند البيت الكبير في عادة جرت من سنوات بالاجتماع على مائدة رمضان.
ولكن سيكون التعلل والفطور معاً ليس لساعات متأخرة كالعادة وإنما سينتهي مبكراً بسبب إجراءات الحظر التي تبدأ عند الـ9 ليلاً في العاصمة بغداد كما يقول الابن الاكبر.
يقول سامر: "نحن وأخوتي الـ2 برفقتنا عوائلنا اعتدنا على التجمع والفطور معاً عند البيت الكبير حيث الوالد والوالدة ولن نغادر تلك العادات بسبب الجائحة وتقلبات سلالتها".