"ضباط رمضان".. رفات تنعش آمال ذويهم في القصاص من إخوان السودان
اكتشاف المقبرة يمثل بداية حقيقية للقصاص من المجرمين الذين استباحوا الدم في شهر رمضان المعظم
لم تكن "عبلة"، نجلة محمد عثمان كرار، الذي أعدمه إخوان السودان ضمن 28 ضابطا بتهمة تدبير انقلاب، تذكر تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم الذي قتل فيه والدها لصغر سنها وقتها.
لكن سرعان ما كبرت وتشكلت في مخيلتها تراجيديا الاغتيال الوحشي لـ"شهداء" رمضان، والذي سيطر حزنه على وجدان السودانيين طوال 3 عقود ماضية.
وتزداد وتيرة الحزن عند عبلة وعائلتها، كلما تذكرت عدم وجود قبر لوالدها حتى تزوره في كل يوم جمعة لتترحم عليه، كما جرت العادة لدى كثير من السودانيين، ومرد ذلك أن نظام الإخوان اغتال هؤلاء الضباط وأخفى جثثهم ومتعلقاتهم الشخصية.
ومع إعلان النيابة السودانية نهاية الأسبوع، عثورها على مقبرة جماعية يرجح وفق البيانات الأولية أنها لضباط رمضان، انتعشت آمالات عائلات الشهيد محمد عثمان حامد كرار ورفاقه، في اقتراب ساعة القصاص من جماعة الإخوان الإرهابية.
وتروى عبلة لـ"العين الإخبارية" حالة الفرح الممزوج بالحزن التي خيمت على مجلس العائلة لحظة سماعهم نبأ النيابة السودانية، والذي عدته نصرا لنضالات قادوها في سبيل الحصول على جثث "الشهداء" طيلة الفترة الماضية.
وتقول إن "اكتشاف المقبرة يمثل بداية حقيقية للقصاص من المجرمين الذين استباحوا دم والدها ورفاقه في شهر رمضان المعظم.. لقد كنا واثقون من الوصول إلى هذه النقطة".
واستدركت: "حتى إذا لم تكن المقبرة الجماعية التي عثرت عليها النيابة بعد التحاليل، لشهداء 28 رمضان، فإنها ستقود إلى اكتشاف جريمة بشعة أخرى ارتكبها نظام الإخوان البائد".
النيابة السودانية نفسها، لم تقطع بأن الجثث المكتشفة لضباط رمضان وأن الأمور قيد التحقيق والفحص المعملي لمعرفة هوية الضحايا، لكنها أثبتت بأن هذه المقبرة الجماعية لم يراع فيها الكرامة الإنسانية وهو ما يؤكد بشاعة الجرائم التي ارتكبها الإخوان بحق خصومهم السياسيين.
ولم تكن عبلة محمد عثمان كرار، تتجاوز التاسعة من عمرها لحظة تلقي العائلة نبأ إعدام والدها في يوم 24 أبريل/نيسان 1990م، غير أنها كانت تذكر أجمل 6 أشهر سبقت اغتياله قضاها معهم في المنزل بالعاصمة الخرطوم، وكأنها تنذر بلحظة الفراق الأبدي بينهم ورب الأسرة.
ويتقاسم أحمد محمد عثمان كرار، مع شقيقته الصغرى عبلة، عناء الرواية المحزنة عن ذلكم اليوم المشؤوم، الذي تداعى فيه الجميع، لا سيما أهالي شرق السودان إلى منزل المغدور مشاطرة لعائلته في الفقد الكبير، بينما كانت عناصر الإخوان تتحرش بالمعزيين في أبهى صور البطش، حسب وصفه.
ويقول لـ"العين الإخبارية": "لم يبك والدي عائلتنا فقط، لكنه أدخل الصدمة في كل السودانيين خاصة أهل شرق البلاد الذين فقدوا قائدهم الفز، وخدماته لأهالي المنطقة المهمشة".
وينحدر العميد طيار محمد عثمان كرار، من ولاية البحر الأحمر شرقي السودان، ويعد واحدا من أمهر الطياريين وهو الذي قاد طائرة الرئيس الراحل جعفر نميري أثناء قدومه من الخارج عقب إنهاء حكمه بانتفاضة شعبية في أبريل 1985م.
وجرى تعيينه حاكما للإقليم الشرقي في الحكومة الديمقراطية 1986م التي كان يرأسها الصادق المهدي وظل بعيدا عن عائلته، ليعود إليها عقب صعود نظام الإخوان للسلطة بانقلاب عسكري في 30 يونيو 1989.
ومكث مع أطفاله حتى إعدامه تلك الفترة التي ما تزال عالقة في مخيلة عبلة وشقيقها أحمد.
وهو ما ترويه عبلة لـ"العين الإخبارية" قائلة: "أذكر ملامح والدي وكيف كان يلاعبنا، فقدت حنان الأب منذ وقت مبكر وعقدت العزم للقصاص إلى والدي، وقمت بدراسة القانون خصيصا وأصبحت محامية، لاسترداد حقنا من القتلة، ونرى أن هذا الهدف أصبح قريبا".
وأضافت: "قادة النظام البائد يتمتعون الآن بكامل الحقوق في المحاكمات وأحضروا محامين للدفاع عنهم، بينما قتلوا شهداء رمضان دون مرافعات او حتى محاكمات.. هذه جريمة كبرى وسنقتص لهم".
وقاد العميد كرار، وشرفاء الجيش السوداني حركة الخلاص، لوقف انقلاب الإخوان في أشهره الأولى واستعادة السلطة للحكومة الديمقراطية، ولكن تمكن هذا التنظيم الإرهابي من الغدر بهم وإعدامهم في ليلة 24 يونيو دون أي محاكمات، وأخفى جثثهم ومتعلقاتهم.
وبحسب روايات متطابقة، فإن العميد كرار كان يتولى مهمة إسقاط الإخوان، بالسيطرة على سلاح الجو وتمكن من ذلك، وكان يصدر توجيهاته لرفاقه بعدم الاستسلام، وتلقى طعنه بسكينة البندقية من الإخواني محمد الأمين خليفة، وظل ينزف دما حتى لحظة إعدامه مع رفاقه.
ومنذ ذلك التاريخ، ظلت عائلات هؤلاء الضباط ممتنعة عن إقامة سرادق عزاء لهم، مع إقامة تأبين سنوي لذكراهم، رغم التضييق المفرط الذي مارست بحقهم السلطة البائد.
aXA6IDMuMTUuMjAzLjI0NiA= جزيرة ام اند امز