الإماراتية تهاني الهاشمي: رمضان فرصة لتجديد طاقتنا الروحانية
الروائية الإماراتية تهاني الهاشمي، تسترجع المشاهد الرمضانية بشاعرية، وتصف لمة الأهل وذكريات الطفولة
ارتبط شهر رمضان بالعديد من الذكريات التي تتشكل فى الوجدان وتُشعل الحنين لكل ما هو قديم، سواء من الطقوس الرمضانية، أو مشاهدة برامج تليفزيونية، والاستماع لأغنيات ظلت عالقة في الأذهان.
"العين الإخبارية" تسأل الأدباء والكتاب العرب عن ذكرياتهم مع رمضان وعن حكاية أو موقف لهم قبل مدفع الإفطار في رمضان، أو مكان ارتبطوا به في رمضان أو أكلة مفضلة..
الروائية الإماراتية تهاني الهاشمي، تصف المشاهد الرمضانية بشاعرية، قائلة: "صوت المآذن يملأ الأفق الفسيح، وقرص الشمس يذوب ويختفي بعيداً، في زاوية لا مرئية كقطعة البسكويت في كوبٍ من الشاي المنعنع، صوت المدفع الذي يضرب في السلم، ليتحلق بإطلاقه الأفراد، يتلاحمون في وتيرة خاشعة، دوائر بشرية تُحيطها دوائر الانتظار والترقب حول سُفر الطعام، الألسنة التي تتضرع بالدعاء راجية الغفران، بيوت الله التي يجتهد القاصي والداني على زيارتها، الخيم الرمضانية التي تُشيد خصيصاً لإفطار الصائمين، هامات التسامح والتلاحم الإنساني التي تلوح بتجلٍ مع قدوم الهلال تكون في أجلها، في تلك اللحظات التي يُسمع فيها هذا الصوت.. الله أكبر .. الله أكبر.. يُكسر الصيام وتُغسل معه الذنوب والخطايا".
تعيش الهاشمي مع تلك الذكريات حيث كانت حبات التمر تختفي حبة وراء حبة بعد أن تتخاطفها الأيادي، وتنتقل أكواب الماء لتتبادل بين هذا وذاك.
تتابع: " كانت هناك أطباق عامرة من الوجبات الشهية المتكاملة، الشوربة الطبق الذي يتوق الجميع لالتهامه لآخر قطرة، يروي العطش ويُشبع صبر المعدةِ الجائعة، فرض الصلاة والأحاديث العائلية الحميمة، حول فناجين القهوة التي تدور بروائح الزعفران والهيل والبن لتضبط أوتار الدماغ وتحث نشاطه. المائدة التي تنزل في هذا الشهر الفضيل لا تشبه مائدة أخرى، تُخفي في كواليسها الكثير من المرح والضحك والاجتهاد، كثيراً من الجهد ولُهاث الصائمين، أقراص الخمير المزينة بحبة البركة، دوائر اللقيمات المُقرمشة التي تتراقص في أطباق التقديم تحت لحافٍ لامع من العسل أو الدبس، الهريس التي يُزين حضورها الأمعاء الخالية فتُشبع وتُغني كل خواء".
وتضيف: "فوانيس صغيرة مضيئة تتفرق بين أنحاء المنزل مُعلنة وجود رمضان بيننا، صوت المذياع يصدح من حُقبة ماضية (رمضان جانا وفرحنا به.. بعد غيابه وبقاله زمان.. غنوا وقولوا شهر بطوله.. أهلاً رمضان)، شكل الهلال الذي نتفنن برسمه على دفاترنا للإعلان عن حضوره، فوازير رمضان التي تُعرض قرابة الثامنة، تجمعنا ونحن نتلاقط أنفاسنا بحركات الفنانة الاستعراضية الرشيقة وأزياءها الملونة المبُهرة، تتمايل بخفة ونشاط مع ألحان مازالت تسكن الذاكرة "شهر يسلم شهر.. لما وصلنا لأجمل شهر".
وما زالت الهاشمي تذكر همة جدها العظيمة وهو يجمع أفراد العائلة ويحثهم جميعاً لتأدية صلاة التراويح والوتر. تقول: "كنا نتحد في صفوفنا ونحن نرتدي أثواب الصلاة الطويلة، نحاول الانضباط في تأدية الصلاة بالرغم من سننا اليافعة، نتضاحك فيما بيننا، ونواصل ركوعنا وسجودنا دون أن ندرك بأن لحظات كهذه ستأخذ موقعاً لا يُمحى من الذاكرة، نتراكض في أنحاء المنزل فرحين بإنجازنا الصلوات الطويلة، فيما توضع صواني الحلويات بشتى أنواعها، نتلهف على تفحص ألوانها المتعددة وأشكالها المُتقنة، يتأخر بنا موعد النوم دون أن نُعاقب، نجتمع حول طاولات التسلية مثل المونوبلي والكيرم وأوراق اللعب، نشرب شراب التوت المركز المغمور بقطع الثلج، يترك أثره على شفاهنا العُليا كخط شارب، يتباهى كل منا بطول شاربه فيما البهجة والطمأنينة تعانق أرواحنا الصغيرة".
تختتم الهاشمي حديثها قائلة: "رمضان هو ليس مجرد شهر، هو مساحة لكل فردٍ منا لتجديد طاقاته الروحانية، هو منحة ربانية تُفتح على مصرعيها، بأبواب واسعة لا متناهية من التوبة والرحمة والعطايا والهبات، يمنحنا الفرصة لطرقها وقرعها والتعلق بأستارها، رمضان حالة من المناجاة والرجاء والتطهر، فرصة تتجدد كل عام لنكون النسخة الأفضل من أنفسنا في كل عام".