محادثات نووي إيران.. لماذا الجولة الثالثة «الأصعب»؟

مع دخول المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران مرحلة المفاوضات الفنية، اعتبرت جولة السبت «الأكثر صعوبة».
وفي ختام المفاوضات، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن «المفاوضات هذه المرة كانت أكثر جدية من سابقاتها؛ لقد أجرينا محادثات أكثر تفصيلًا، وأكثر خبرة، وأكثر تقنية.. كما سارت محادثات الخبراء على ما يرام».
جاءت هذه التصريحات بعدما أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يوم الأربعاء الماضي بأن الولايات المتحدة لا تتصور أن تقوم إيران بتخصيب موادها النووية بنفسها، بل استيراد الوقود النووي اللازم لبرنامج طاقة مدني، لكن إيران أكدت دائما أن حقها في تخصيب اليورانيوم غير قابل للتفاوض.
ورغم تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن ضربة عسكرية أمريكية وإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية في حال عدم التوصل لاتفاق، إلا أن واشنطن وطهران وصفتا الجولتين السابقتين من المحادثات النووية بأنهما إيجابيتان.
وكان من المقرر أن تشمل الجولة الثالثة مفاوضات حول تفاصيل البرنامج النووي الإيراني، وهو مجال لا يزال الخلاف فيه حادًا بين طهران وواشنطن. وفي ختام المحادثات أمس قال عراقجي: «لا تزال هناك خلافات في القضايا الرئيسية وفي التفاصيل (..) وحتى المحادثات القادمة، سنجري محادثات في عاصمتينا لمناقشة كيفية تسوية هذه الخلافات».
ومن المقرر أن تستمر المحادثات الأسبوع المقبل، وفقا لما أعلنه وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي.
وكانت إيران قد توصلت لاتفاق مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى في 2015 عرف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ورفع الاتفاق العقوبات الاقتصادية عن طهران مقابل خفض نسبة تخصيب اليورانيوم بما يضمن سلمية برنامجها النووي.
وخلال ولايته الأولى انسحب ترامب من الاتفاق عام 2018 وأعاد فرض العقوبات على إيران التي ردت بزيادة تخصيب اليورانيوم بما يقربها من صنع قنبلة نووية لكن طهران تصر على سلمية برنامجها النووي.
والشهر الماضي، وجّه ترامب رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي لإجراء مفاوضات بشأن اتفاق جديد، وأمهل طهران شهرين للتوصل لاتفاق "أقوى" من اتفاق 2015 لكن المسؤولين الأمريكيين تذبذبوا في مطالبهم خلال الشهر الماضي.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت واشنطن تطالب بتفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل بما في ذلك برنامج الطاقة المدنية أو أنها ستسمح بالأخير إذا تخلت طهران عن تخصيب اليورانيوم محليًا.
وفي وقت سابق قال ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إنه لا حاجة لإيران لتخصيب اليورانيوم بما يتجاوز ما هو مطلوب لبرنامج للطاقة النووية لكنه لم يطالب طهران بوقف تخصيب اليورانيوم كليًا أو تفكيك برنامجها النووي لكنه تراجع عن موقفه في اليوم التالي كتب على منصة إكس إن أي اتفاق نهائي مع إيران سيتطلب منها "وقف برنامجها للتخصيب والتسليح النووي والقضاء عليه".
طريق مدني وسلمي
في غضون ذلك، دعا وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث طهران إلى تفكيك برنامجها النووي بالكامل. وقال روبيو في مقابلة مع صحيفة «فري برس» إن «هناك طريقا لبرنامج نووي مدني وسلمي إذا أرادوا ذلك. لكن إذا أصرّوا على تخصيب اليورانيوم، فستكون إيران الدولة الوحيدة في العالم التي لا تمتلك برنامجًا للأسلحة، لكنها تُخصّب اليورانيوم.. أعتقد أن هذا يُثير إشكاليات».
وإذا كانت معظم الدول التي تُخصب اليورانيوم محليًا لديها برامج أسلحة نووية، فإن دولًا أخرى لا تمتلكها مثل البرازيل وألمانيا وهولندا وهي دول مثلها مثل إيران وقعت على معاهدة الأمم المتحدة لمنع انتشار الأسلحة النووية.
في المقابل، شددت إيران على حقها في تخصيب اليورانيوم، واتهمت إدارة ترامب بإرسال إشارات متضاربة. ونقلت قناة «برس تي في» الإيرانية الرسمية عن عراقجي، قوله: «برنامج التخصيب الإيراني مسألة حقيقية وواقعية، ونحن مستعدون لبناء الثقة بشأن المخاوف المحتملة، لكن مسألة التخصيب غير قابلة للتفاوض».
وحددت طهران «خطوطها الحمراء» في المحادثات، بما في ذلك «لغة التهديد» التي تستخدمها إدارة ترامب و«المطالب المبالغ فيها بشأن البرنامج النووي الإيراني».
وقالت وسائل إعلام إيرانية إنه على الولايات المتحدة الامتناع عن إثارة قضايا تتعلق بصناعة الدفاع الإيرانية، في إشارة على الأرجح إلى برنامجها الصاروخي الباليستي.
وفي الوقت نفسه، تعاملت القيادة الإيرانية العليا مع المحادثات بحذر شديد؛ ففي أول تعليق له قال خامنئي إن طهران «ليست متفائلة ولا متشائمة بشكل مفرط» بشأن المفاوضات.
كما حاولت طهران تصوير أي اتفاق نووي محتمل على أنه مفيد للولايات المتحدة، فأشار عراقجي هذا الأسبوع إلى إمكانية اضطلاع شركات أمريكية بدور في برنامج الطاقة النووية الإيراني، ووعد بعقود محتملة بقيمة عشرات المليارات من الدولارات.
اتفاق محتمل
وإلى جانب المحادثات بين عراقجي وويتكوف تبدأ الفرق الفنية بصياغة تفاصيل اتفاق محتمل حيث يقود مايكل أنطون، رئيس تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكي الفريق الفني الذي سيتألف من حوالي 12 خبيرا من مختلف الوكالات الأمريكية، وسيناقش أمورا أكثر تفصيلا مثل تخفيف العقوبات والقيود المفروضة على البرنامج النووي، وفقا لما ذكره مصدر مطلع لشبكة «سي إن إن».
وقالت تريتا بارسي، نائبة الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي في واشنطن العاصمة، إن المحادثات الفنية «صعبة؛ لأنها ستحاول معالجة القضايا التي لم تُناقش في اتفاق عام 2015»، وهذا يتطلب خبرة فنية لضمان إمكانية تطبيق هذه الأفكار المختلفة.
وأضافت أن هناك تعقيدات أخرى قد تظهر مثل المطالبة بتفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، «على غرار ليبيا»، كما تسعى إسرائيل لكنه سيناريو قالت طهران إنه مرفوض منذ البداية.