مشروع «رسوخ».. «العين الإخبارية» تكشف مرحلة جديدة بصراع السيطرة داخل الإخوان

وسط زخم الانقسامات داخل الإخوان، أحيت جبهة إسطنبول مشروع «رسوخ» من جديد كمحاولة جديدة لتثبيت شرعيتها وكسب ولاء الشباب.
ويعكس «رسوخ» مساعي الجبهة لإعادة ترتيب الصفوف وبناء قاعدة دعم جديدة إلا أنه رغم الجهود المبذولة، يواجه المشروع تحديات كبيرة، في ظل استمرار الخلافات الداخلية وتراجع التأثير التنظيمي للجماعة على الأرض.
وخلال رسالته الأسبوعية التي عُممت على أعضاء جماعة الإخوان، واطلعت عليها "العين الإخبارية" بداية شهر رمضان الجاري، قال محمود حسين، القائم بأعمال مرشد الإخوان جبهة إسطنبول، إن الجماعة ستبدأ تنفيذ برامج مشروع «رسوخ» الذي أطلقته قبل فترة طويلة بهدف نقل تقاليد وتجارب وتطبيقات الإخوان العملية لجيل جديد من الجماعة، لضمان وجود اتصال بين الأجيال والحفاظ على الثوابت والأصول الخاصة بها.
وجاء الإعلان عن بدء التطبيق الفعلي لمشروع "رسوخ"، بالتزامن مع صراع جديد قديم على شرعية المرشد داخل جماعة الإخوان المنقسمة على ذاتها، ففي فبراير/شباط الماضي بدأت جبهة لندن (صلاح عبدالحق) تروج أن رسالة مسربة وصلتها خلال الفترة الماضية وهذه الرسالة بعثها المرشد العام محمد بديع لمحمود حسين، عضو مكتب الإرشاد الوحيد في الخارج والقائم بأعمال المرشد- جبهة إسطنبول، تطالبه بالاحتكام إلى 3 شخصيات في أي قرار تنظيمي ومن بينهم حلمي الجزار، أحد ألد خصوم "حسين" والذي يشغل منصب نائب القائم بأعمال المرشد في جبهة لندن ورئيس المكتب السياسي للإخوان.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتم الترويج لهذه الرسالة المزعومة بل سبق أن طُرحت هذه الرسالة في فترة وجود إبراهيم منير في منصب القائم بأعمال المرشد قبيل وفاته في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وحينها بعث محمود حسين رسالة لأعضاء مجلس الشورى العام قال إن الجماعة تلقت رسالة بالفعل من مرشد الإخوان لكن لم يذكر فيها أي شيء يأمر فيه باتباع إبراهيم منير وجبهته أو الرجوع للشخصيات الثلاث ومن بينهم حلمي الجزار.
أما هذه المرة، فنفت جبهة إسطنبول (محمود حسين) على لسان متحدثها الإعلامي حسن صالح ورود أي رسالة من المرشد محمد بديع أو نوابه في السجون (وهم 3 نواب محمود عزت، وخيرت الشاطر، ورشاد بيومي)، وأن أي حديث عن إرسالهم رسائل بخصوص إدارة محمود حسين "محض كذب وافتراء".
ووسط هذه السجالات حول شرعية القيادة، والتي لم تنتهِ منذ بدأت عقب القبض على القائم بأعمال المرشد الأسبق محمود عزت في أغسطس (آب) 2020، جاءت رسالة محمود حسين، القائم بأعمال المرشد جبهة إسطنبول، عن بدء التطبيق العملي لمشروع "رسوخ" بمثابة مناورة جديدة هدفها سحب البساط من غريمه التقليدي صلاح عبد الحق وجبهته المعروفة إعلاميا بجبهة لندن.
رسوخ.. التقدم للخلف
وفي الحقيقة فإن المشروع الذي أعلنه محمود حسين ليس جديدا بالكامل بل أعلن عنه مرتين خلال العامين الماضيين وكان مقررا أن يبدأ في منتصف يوليو/ تموز 2024 وبالفعل بدأت المرحلة الأولى منه لمدة شهر لكن تأجل إتمامه والدخول للمرحلة الثانية التي أطلقت مؤخرا حتى نهاية العام الماضي ومع بداية العام الجاري، وهو مشروع يقوم بتعريف قواعد الإخوان بالجماعة ومواقفها وقواعد العمل التنظيمي والتأكيد على ثوابتها وممارساتها القديمة ورؤاها الحالية والمستقبلية.
وهدف المشروع، بحسب مصادر داخل الجماعة، هو تثبيت شرعية محمود حسين على حساب غريمه صلاح عبد الحق، واجتذاب شخصيات وشباب الإخوان من جبهة لندن إلى جبهة إسطنبول. ومن ناحية أخرى سيعاد خلال المشروع تنظيم وتشغيل اللجان الإلكترونية للجماعة والتي نشأت بصورة منظمة في 2015 بهدف شن حملات على وسائل التواصل الاجتماعي لترويج أفكار وروايات الجماعة ومهاجمة خصومها.
وفي الفترة الأخيرة، عقدت جبهة إسطنبول سلسلة من اللقاءات ضمن مشروع رسوخ وهي لقاءات جاءت على عجل لاستغلال الظروف الحاصلة في الجماعة من تراجع جبهة لندن، وهذه اللقاءات التي تمت في دولة إقليمية حضر أحدها محمود حسين نفسه، ومسؤول الشباب بجبهة إسطنبول أحمد عاطف، ومسؤولة قسم المرأة في الجبهة جيهان عقل، ولم يدع أحد من خارج الجماعة لحضور اللقاء المذكور.
واختارت جبهة إسطنبول (محمود حسين) شعارا للمشروع هو: (بناء- التزام- استمرارية)، وقالت إن "رسوخ" يهدف إلى التمسك بآليات التنظيم والمؤسسية، وشرعية مجلس الشورى العام، وفق تعبيرها.
جدير بالذكر أن مشروع "رسوخ" كان هدفه بالأساس تقييم أداء وعمل جماعة الإخوان خلال السنوات الماضية ومن ثم العمل على وضع رؤية جديدة للتطوير المستقبلي، وتحديد شروط وحدود المؤسسية في الجماعة وقواعد انتقال القيادة داخلها، وكذلك رصد ومواجهة الإشكاليات في مستويات القيادة المختلفة، والمطلوب من الرموز أو القادة والصف (قواعد) الجماعة، وتطوير المعالجة التربوية والتنظيمية، وتحصين أعضاء الإخوان مما يصفونه بالشبهات التي يتم طرحها ضد الجماعة، وترسيخ المنظومة والانتماء لها.
وبالفعل جرى عقد سلسلة من ورش العمل واللقاءات الوجاهية بين قيادات الجماعة والشباب من قبل مجموعة إسطنبول، وعمل دورات عبر تطبيق زووم لمن يوجدون في الدول الأخرى.
وحاضر في تلك اللقاءات مجموعة من أعضاء الهيئة الإدارية العليا (بديل مكتب الإرشاد) وأعضاء مجلس الشورى العام ومن بينهم همام علي يوسف، عضو شورى الجماعة، وطلعت فهمي المتحدث الرسمي باسم الجماعة (جبهة إسطنبول)، استمرت تلك الدروس والندوات والورش واللقاءات لمدة شهر، وكان الهدف الرئيسي منها تعزيز الولاء لقيادة الجماعة، والتأكيد على مشروعية محمود حسين باعتباره قائما بعمل المرشد، بصفته عضو الإرشاد الوحيد المتبقي خارج السجن، والطعن في شرعية جبهة صلاح عبد الحق.
وبجانب ذلك، استحضرت جبهة إسطنبول التراث الإخواني التقليدي الخاص بمرشديها وقادتها في ما يتعلق بدعوة أتباع الجماعة للصبر والثبات على الأوضاع التي تمر بها والالتفاف حول قيادة الجماعة وعدم التنازع مع قيادتها حتى تجتاز أزماتها الحالية.
"إخوان" بلا مشروع حقيقي
ومع أن هدف مشروع "رسوخ" الحقيقي كان الانطلاق لصياغة رؤية مستقبلية لإدارة الجماعة وإخراجها من أزماتها إلا أن كل اللقاءات بما في ذلك اللقاءات التي تمت خلال الأسابيع الماضية خلت من الحديث عن أي رؤية مستقبلية أو نقد حقيقي لطريقة إدارة الجماعة وأدائها خلال السنوات الأخيرة، وبقي الحديث مركزا على التمسك بمبادئ الجماعة ورفض التصالح أو التسوية السياسية مع الحكومة المصرية التي سبق وطرحتها جبهة لندن مقابل الإفراج عن سجناء الإخوان، وفق ما ذكره قادة جبهة إسطنبول (محمود حسين) في تلك اللقاءات.
كما ركز قادة جبهة إسطنبول على أن خصومهم في جبهة لندن يريدون القضاء على ما تبقى من الإخوان عن طريق الانخراط في مسار المفاوضات والبحث عن تسوية سياسية تترك الجماعة بموجبها العمل السياسي، على حد تعبيرهم، وبالتوازي مع هذا الهجوم سعت الجبهة الأولى لاستقطاب قادة من الجبهة الثانية بينهم الأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان محمود الإبياري، والمحسوب على جبهة صلاح عبد الحق (لندن) لكنها لم تنجح في ذلك حتى الآن.
وعبر الاستمرار في نفس الممارسات والتكتيكات القديمة أثبت جبهة إسطنبول- كما سبق وفعلت جبهة لندن- أنها لم تخرج عن الإطار التقليدي لجماعة الإخوان التي لا تمتلك أي مشروع حقيقي وأن بقاءها مرتبط بخضوع أعضاء وأتباع الجماعة لها دون نقد ممارساتها أو التفكير في جدوى استمرار نفس الممارسات القديمة للإخوان والتي لم تؤد إلا إلى مزيد من الفشل والتشتت.
aXA6IDE4LjIyMi4xODUuMjQzIA== جزيرة ام اند امز