رمضان كونغولي على خطوط التمرد.. وضوء بالطين وإفطار على الصدقات
على أرض قاحلة وعرة عند المنفذ الشمالي لعاصمة شمال كيفو الكونغولية تحيط عشرات الأكواخ بكوخ خشبي صغير يستخدمه المسلمون مسجدا.
هناك، وفي تلك الأكواخ الصغيرة المشيدة بالقماش المشمع، يعيش نحو 500 شخص دون ماء وطعام تقريبا، ومع حلول شهر رمضان، اتصلت أيام جوعهم بلياليهم، وهم الفارون من بطش متمردي حركة "23 مارس" أو ما يعرف اختصارا بـ"إم 23".
كانوا في السابق يعيشون في قراهم البسيطة والهادئة في مدينة غوما والقرى المحيطة بها شرقي الكونغو الديمقراطية، قبل أن تفاجئهم هجمات المتمردين وتقتل المئات منهم، وتجبر من استطاع النجاة منهم على البحث عن ملجأ آمن.
ورغم صعوبة يومياتهم المثقلة برحلات بحث روتينية عن مصادر لتأمين احتياجاتهم المعيشية، إلا أنهم يحاولون الدفع بالأمل خارج مناطق ألمهم، ومواجهة الواقع بتفاؤل لافت.
ومع غياب الشمس فوق مسجد مونيغي التابعة لغوما، والواقعة على بعد أقل من 10 كيلومترات من خطوط الجبهة، يستعد مئات المسلمين الذين شردتهم الحرب لإفطار رمضاني.
وضوء بالطين
ويقول أحد هؤلاء، ويدعى علي عساني موكامبا إمام مونيغي: "وصلت الدفعات الأولى من النازحين قبل نحو عام".
ويتابع الإمام وهو يتجول بين الملاجئ الموقتة والصخور البركانية، في حديث لوكالة فرانس برس: "هنا ليس لدينا ماء".
ويضيف "قبل الصلاة نضطر أحيانًا للوضوء باستخدام التراب أو الطين".
ويحل الليل فجأة على المخيم، وتمرر صواني الأرز والفاصوليا الحمراء من يد إلى يد على ضوء مصباح كهربائي ضعيف في "المسجد".
ويوضح عبدو جمعة بورانغا، أحد النازحين المسلمين المسنين أمام كوب من الحساء: "اليوم بفضل بعض المحسنين، حصلنا على ما نأكله للإفطار".
صار الرجل البالغ من العمر 65 عامًا معدوم الحال، على الرغم من أن الحقول التي يملكها ومنزله على بعد أقل من 20 كلم من مخيم مونيغي. لكن في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شنت حركة "إم 23" هجومًا على قريته كيبومبا.
ويقول "لقد فقدت 25 من أفراد عائلتي المقربين.. قتلوا جميعًا على يد حركة إم 23". خلال الهجوم هرب الجميع من القرية وبسبب حالة الذعر التي سادت فقد أثر أربعة من أبنائه.
وبنهاية مارس/ آذار الجاري، قدرت المنظمة الدولية للهجرة بأكثر من 900 ألف عدد الاشخاص الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم بسبب الأزمة الناجمة عن هجمات حركة "إم 23".
معاناة بسبب "إم 23"
شنت الحركة تمردا في السابق في شرق الكونغو الديموقراطية، وفي نهاية 2021 حمل مقاتلوها ومعظمهم من التوتسي السلاح مجددا وطردوا الجيش الكونغولي من العديد من مواقعه واستولوا على مدن وطرقات استراتيجية في شمال كيفو.
وتقول عائشة فورها وهي جالسة على صخرة في وسط المخيم "في عام 2012 لم أهرب عند وصول حركة إم 23". وتضيف "لكنهم اليوم باتوا أكثر وحشية، قالوا إنهم سيدخلون إلى المنازل للنهب والقتل".
فرت من "الرصاص" مع أطفالها العشرة في سبتمبر/ أيلول الماضي، ومنذ ذلك الحين يفترشون الأرض في كوخ بمونيغي.
وتقول المرأة البالغة من العمر أربعين عاما "لا مكان كاف للجميع. على كبار السن مغادرة المخيم مساء بعد الصلاة للتوجه إلى المدينة والنوم لدى عائلات مضيفة".
وفي محيط غوما، لا يزال مقاتلو حركة "إم 23 "يتمركزون على التلال.
وحركة التمرد تتحكم بمسار الأمور في المنطقة حيث تواجه الجيش الكونغولي رغم أنه أكبر عددا وأفضل تجهيزا مع قواته الجوية وآلاف جنود حفظ السلام وعسكريين من قوة إقليمية تم تشكيلها مؤخرًا ومئات من "المدربين" العسكريين الخاصين من أوروبا الشرقية.
ويقول جمعة قبل مغادرة المسجد ليلفه الظلام في مخيم مونيغي "نناشد المجتمع الدولي أن يطلب من حركة إم 23 الانسحاب ومن كاغامي (الرئيس الرواندي بول) سحب جنوده لأن معاناتنا هنا لا توصف".