اتفاق كينشاسا و«إم 23».. «مبدأ هدنة» أم اختبار نوايا؟

اتفاق مبدئي بين الحكومة الكونغولية ومتمردي «إم 23» قد يمهد الطريق نحو إنهاء سنوات من النزاع بشرق البلد الأفريقي الغني بالمعادن.
فهل يكون الاتفاق بالفعل نقطة تحول مفصلية بالمفاوضات تنتهي بإعلان هدنة؟ أم قد تحدث مفاجآت على الأرض فتؤثر حممها في الاجتماعات؟
صريحة وبناءة
في بيان مشترك مع «تحالف نهر الكونغو» وحركة «إم-23»، أعلنت الرئاسة الكونغولية، أمس الأربعاء، عن التوصل إلى اتفاق فوري لوقف القتال، خلال مفاوضات استضافتها العاصمة القطرية الدوحة.
وأكد البيان التزام الطرفين بوقف الأعمال العدائية والرفض القاطع لخطاب الكراهية، مع التزامهما الكامل بهذه المخرجات طوال فترة المحادثات.
البيان الذي بثّه التلفزيون الحكومي الكونغولي ونشره كذلك متحدث باسم الحركة المتمردة، لم يوضح ما إذا كان الطرفان يقصدان بهذا الإعلان أنهما يعتزمان الالتزام بهدنة فور الانتهاء من التفاصيل التقنية المتعلقة بالاتفاق، أم أن ما صدر عنهما مجرد إعلان نوايا.
وصدر البيان عقب سلسلة من المحادثات، ولقاء في الدوحة بين الجانبين، ورغم هذه اللغة الإيجابية، لم يتضح ما إذا كانت الخطوة تعني التزامًا فعليًا وفوريًا بوقف إطلاق النار، أم أنها تندرج ضمن إعلان نوايا قد لا يختلف عن عشرات المبادرات السابقة التي سرعان ما انهارت تحت ضغط الميدان.
اتفاقات لم تصمد
يأتي البيان المشترك بين الطرفين بعد سلسلة طويلة من الاتفاقات التي انهارت مع تجدد الاشتباكات بفعل الاصطفاف الإقليمي والتعقيدات العرقية والاقتصادية والتي تجعل من الشرق الكونغولي منطقة متجددة الصراع.
ورغم الوساطات الدولية، فإن الاتفاقات التي وُقّعت في نيروبي الكينية ولواندا الأنغولية وأروشا التنزانية انتهت كلها إلى طريق مسدود.
وانهارت تلك الاتفاقات وسط اتهامات متبادلة، حيث ترى الحكومة أن الحركة المتمردة تشكل ذراعًا عسكرية إقليمية، فيما تصر الحركة على أنّها تدافع عن حقوق مهمشة داخل بنية الدولة الكونغولية.
في الأثناء، تنفي رواندا دعمها للحركة، وتقول إن مسلحيها تصرّفوا دفاعًا عن النفس ضد الجيش الكونغولي ومليشيات أسسها مرتكبو الإبادة الجماعية عام 1994.
ويرى خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية" أن البيان رغم أنه لم يوضح التزاما فعليا وفوريا بوقف إطلاق النار، فإنه يمثل خطوة مهمة يمكن أن تحقق الأمن والاستقرار بالمنطقة، واصفين البيان بأنه إعلان حسن نوايا أكثر من كونه اتفاقا ملزما.
رمزي وسياسي
الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، الدكتور رامي زهدي، يرى أن إعلان الطرفين التوصل إلى اتفاق للعمل على وقف فوري لإطلاق النار هو خطوة مهمة على المستوى الرمزي والسياسي.
وقال زهدي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "هذه الخطوة لا تزال تفتقر إلى عناصر التنفيذ والضمانات، ويمكن وصف البيان بأنه إعلان نوايا حسنة ومرجوة ومُرجحة أكثر من كونه اتفاقًا ملزمًا، خاصة أن الصياغة تجنبت التأكيد الصريح على التزام فوري بوقف إطلاق النار".
وأضاف أن "البيان ربما يعكس عدة مؤشرات، منها ضغوط إقليمية ودولية دفعت الطرفين إلى تبني مواقف أكثر مرونة، وأيضا محاولة من الطرفين كسب الوقت أو تحسين المواقع التفاوضية، في إشارة إلى انفتاح سياسي محتمل على مسار تسوية، دون تجاوز المعضلات الميدانية والأمنية الحقيقية".
وأشار الخبير المصري إلى أن الاتفاق الحالي يأتي بعد عشرات من الاتفاقات والمبادرات السابقة التي لم تصمد طويلًا.
وقال إن "من أبرز عوامل انهيارها، غياب الثقة المتبادلة بين الأطراف، وعدم وجود آلية رقابة مستقلة وفعالة على تنفيذ وقف إطلاق النار، إضافة إلى تدخلات أطراف إقليمية".
وبحسب الخبير، فإن "التداخل بين الأجندات السياسية والاقتصادية والعرقية في إقليم كيفو (شرقي الكونغو الديمقراطية) يمثل أيضا أحد أسباب الانهيار".
قابل للصمود
الخبير المصري يرى -أيضا- أنه رغم الشكوك، فإن هناك مؤشرات قد تجعل الاتفاق أكثر قابلية للصمود مقارنةً بالمبادرات السابقة.
وقال: "ربما المختلف هذه المرة أن التحركات الأفريقية الموحدة ضمن إطار مجموعة شرق أفريقيا والاتحاد الأفريقي لدعم جهود الوساطة، وأن الضغوط الأمريكية والأوروبية المتزايدة على رواندا والكونغو الديمقراطية لخفض التوترات كبيرة هذه المرة".
ولفت إلى "التركيز الدولي على وقف زعزعة الاستقرار في وسط وغرب أفريقيا، خاصة بعد توسع النزاعات في الساحل" الأفريقي.
واعتبر أنه "لا يمكن إغفال أن تزايد تكلفة استمرار الحرب للطرفين، سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية أو على صعيد العلاقات الخارجية، يؤثر على الجميع"، مضيفا أنه من المجمل "أن تظل هذه المؤشرات الجديدة هذه المرة عوامل ممكنة وليست ضمانات".
وأوضح زهدي أن "الوضع في شرق أفريقيا والعلاقات بين كينشاسا وكيغالي لها تأثيرات غير مباشرة على المنطقة بأسرها، لأسباب متعددة".
ويوضح أن من "هذه الأسباب أن الترابط الأمني أصبح أكثر تشابكا، حيث باتت المنطقة الأفريقية الوسطى والشرقية متشابكة أمنياً، وأي تصعيد في الكونغو الديمقراطية يؤثر في أمن دول مثل (جمهورية) أفريقيا الوسطى وجنوب السودان وحتى تشاد".
كما أن "استمرار النزاع يؤدي إلى تدفقات بشرية وأسلحة نحو دول الشرق"، وفق الخبير الذي يتابع قائلا إن "علاقات كينشاسا وكيغالي تلعب دورًا محوريًا، حيث تمثل الأخيرة عاملًا حاسمًا في تهدئة أو تأجيج الصراع".
وبالنسبة له، فإن "نجاح الاتفاق قد يقلص التصعيد الحدودي، خاصة مع تدخلات محتملة من بوروندي وأوغندا أيضًا".
واعتبر أنه "إذا صمد الاتفاق وتم الالتزام به بآليات رقابة فعلية، فقد يساهم في تخفيف التوترات الإقليمية ويمنح دفعة لجهود الاستقرار على مستوى القارة".
ومستدركا: "لكنه يحتاج بالتأكيد إلى ضمانات دولية وإقليمية ملزمة، وانخراط فاعلين من خارج الإطار العسكري، مثل المجتمع المدني والكنائس المحلية، وكذلك رؤية تنموية مصاحبة تدمج المقاتلين السابقين وتعالج الأسباب الجذرية للصراع".
نقطة اختبار
في السياق نفسه، اعتبر زهدي أن "الاتفاق يشكل نقطة اختبار جديدة في مسار صعب، لكنه لا يزال يعتمد على عوامل تأثير كثيرة".
وتساءل عما إن "كانت هناك إرادة سياسية حقيقية من الطرفين، وهل ستُفعل آليات المتابعة والرقابة على الأرض، وهل سيتم ربط السلام بالتنمية والعدالة المجتمعية".
وحذر من أنه "في غياب هذه الشروط وإجابات منطقية جادة وواقعية على هذه الأسئلة، سيظل الاتفاق مجرد حلقة أخرى في سلسلة اتفاقات هشة، سرعان ما تنكسر أمام أول اختبار ميداني".
من جهته، رأى الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد تورشين أن الاتفاق يمثل "خطوة متقدمة تأتي في إطار محاولة الطرفين للسعي قدما نحو التوصل إلى تفاهمات سياسية لوقف التقدم العسكري للحركة والتراجع الكبير للجيش الكونغولي".
وقال تورشين لـ"العين الإخبارية": "رغم أن المباحثات بشكلها العام سرية، فإن الاستراتيجية التفاوضية التي تبناها الوسطاء قد تكون السبب في ذلك"، مؤكدا أنها "خطوة مهمة تعكس رغبة الوسطاء والطرفين في التوصل إلى تفاهمات مهما كانت الصيغة".
وموضحا: "إذا كانت هذه الصيغة في إطار وقف إطلاق النار أو في إطار حسن النوايا فهي خطوة متقدمة"، معتبرا أن "الخطوة هذه المرة ستساهم في خفض التوترات بمنطقة البحيرات العظمى".
كما يتوقع أن «تساهم بشكل أو بآخر في تهدئة التوترات بين الطرفين"، مشددا في الآن نفسه على أن "الخطوة -في حال تتويجها بتوقيع اتفاق سلام تضمن معالجة القضايا الخلافية-، فإنها ستقود إلى الأمن والاستقرار».
aXA6IDMuMTIuMTExLjE5MyA= جزيرة ام اند امز