«وصفة ريغان» الملهمة.. طريق الديمقراطيين للبيت الأبيض

في الولايات المتحدة، بمجرد أن تنتهي انتخابات رئاسية، تبدأ انتخابات أخرى.
وبدأ المرشحون الديمقراطيون المحتملون للسباق الرئاسي 2028 تحركاتهم.
ويستضيف حاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم، بودكاست يخاطب فيه الأصوات المحافظة لإظهار حسن نيته الوسطية، ويقوم ويس مور حاكم ولاية ماريلاند بجولات، ويلقي الخطب، ويواصل وزير النقل السابق، بيت بوتيجيج، إلقاء المحاضرات والمقابلات التي تستهدف المستقلين ويتحدث حاكم ولاية بنسلفانيا، جوش شابيرو، عن "إنجاز الأمور"، بينما تجذب النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز والسيناتور بيرني ساندرز حشودًا ضخمة في مسيراتهما ضد الأوليغاركية (هيمنة مجموعة ضيقة بالحكم).
أما نائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس فلم تقرر بعد ما الذي ستفعله في حين ينتظر العديد من المرشحين الآخرين اللحظة المناسبة لدخول المعركة وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "فورين بوليسي" التي أشارت إلى أن التحدي الذي يواجههم جميعًا هائل حيث يتعين عليهم التعامل مع عدم شعبية حزبهم عقب رئاسة جو بايدن.
ووفقًا لاستطلاعات الرأي، فإن الديمقراطيين في الكونغرس لا يحظون بالثقة أو الإعجاب وأن الناخبين يثقون بشكل أكبر في قدرة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب على التعامل مع الاقتصاد رغم ضجة التعريفات الجمركية.
وتغذي موجة الكتب الجديدة حول حملة 2024 انعدام الثقة بالديمقراطيين، في ظل تصورات بأن قادة الحزب لم يكونوا صادقين بشأن الحالة النفسية لبايدن.
ولن يكون العثور على أفضل مرشح أمرًا سهلاً مع دراسة شخصية وجاذبية المرشحين ومن منهم الأفضل في بيئة الإعلام المعاصرة ومن منهم يجذب أكبر قدر من الطاقة والحشود في التجمعات الانتخابية؟
ولكن للفوز في الانتخابات يجب أن تكون المعايير أوسع نطاقًا حيث يحتاج الديمقراطيون إلى شخص قادر على بناء تحالفات وسياسي يتمتع بفطنة استراتيجية لاختراق الخريطة الانتخابية المتحجرة من خلال تنظيم حملة انتخابية لحشد الناخبين المخلصين واستعادة الولايات المتأرجحة التي خسرها الحزب في 2024.
وبالنسبة لمرشح واجه هذا التحدي، ينبغي على الديمقراطيين النظر إلى تاريخ خصومهم فرغم تناقض مسار رونالد ريغان نحو الرئاسة عام 1980 مع المبادئ التي يمثلونها، إلا أنه يقدم خارطة طريق لما يجب فعله في السنوات القليلة المقبلة.
عندما قرر ريغان، الممثل الهوليوودي السابق وحاكم كاليفورنيا الترشح للرئاسة، كانت الولايات المتحدة في وضع كارثي فالاقتصاد يعاني من الركود التضخمي وأزمة الطاقة المستمرة أبقت الأمريكيين في طوابير انتظار طويلة للحصول على البنزين.
وفي ذلك الوقت، سادت انقسامات عميقة حول قضايا مثل العلاقات العرقية والجندرية، والقيم الثقافية، ودور السوق الحرة في ظل انعدام الثقة بالحكومة خاصة بعد حرب فيتنام وفضيحة ووترغيت كما كانت الثقة في قدرة أو شرعية السياسة الخارجية الأمريكية ضئيلة.
وبحلول وقت انطلاق الحملة، كان الاتحاد السوفياتي قد غزا أفغانستان والإيرانيون يحتجزون رهائن أمريكيين في حين كان الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر مكروهًا بشدة فأصبح في نظر الناخبين قائدًا غير فعال مما دفع الجمهوريين للتحذير من أن منحه 4 سنوات أخرى سيكون له آثار كارثية.
وبعدما شكّك البعض في أن ريغان كان متطرفًا للغاية بحيث لا يمكنه الفوز بمنصب وطني ثبت خطأهم بعدما فاز في نوفمبر/تشرين الثاني 1980، بأعلى منصب ليبدأ فترة رئاسية استمرت لولايتين، غيّر خلالهما السياسة الوطنية مع تحويل البلاد نحو اليمين.
وإلى جانب فاعليته الكبيرة أمام كاميرات التلفزيون، أنقذ ريغان الحزب الجمهوري من حطام فضيحة ووترغيت وشكّل ائتلافًا محافظًا سيستمر بعد انتهاء ولايته، في تشكيل السياسة الوطنية ولعل الأهم من ذلك هو أن ريغان ربط نفسه بالحركة المحافظة الشعبية الناشئة التي ولّدت الطاقة الكامنة وراء السياسة الجمهورية بحلول نهاية السبعينيات.
وبدلًا من تركيز نفسه داخل واشنطن وتعريف نفسه كجزء من المؤسسة، احتضن ريغان القوى من الأسفل التي كانت تُعيد تشكيل النقاشات الوطنية وتحالف مع المسيحيين الإنجيليين الذين حشدوا أنفسهم كأغلبية أخلاقية للدفاع عن القيم الثقافية المحافظة كما فتح أبوابه للديمقراطيين الساخطين.
وركز ريغان على 3 محاور رئيسية كانت قادرة على تعزيز ائتلافه بدلًا من تفكيكه وهي مناهضة الشيوعية، وتقليص حجم الحكومة، وخفض الضرائب كما كان منضبطًا من حيث إعادة النقاش إلى القضايا التي لم تكن عاملاً في دعمه الناشئ.
وهاجم ريغان الديمقراطيين لخفضهم التمويل المخصص للأمن القومي وأصر على أن سياسة الانفراج لن تنجح أبدًا لأنه لا يمكن الوثوق بالسوفيات وأكد أن الأسواق الخاصة تعمل بشكل أفضل من التنظيم الفيدرالي وقال إن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الاقتصادية هو خفض الحكومة.
ونأى ريغان بنفسه عن الأعضاء المثيرين للجدل في حزبه ورغم حذره في انتقاد "ووترغيت" أوضح أنه ليس جزءًا من النظام القديم ووقف خارج مؤسسة الحزب المنهارة، لا داخلها.
ووعد ريغان في خطاباته وإعلانات حملته بهزيمة كارتر والسياسات الفاشلة التي مثلتها إدارته وهو ما تحقق حيث فاز ريغان فوزا ساحقا في المجمع الانتخابي، 489 مقابل 49 صوتًا انتخابيًا وحصل على أكثر من 50% من الأصوات الشعبية كما فاز الجمهوريون بالسيطرة على مجلس الشيوخ لأول مرة منذ عام 1954.
كانت النتائج انتصارًا حاسمًا وهائلاً لريغان والمحافظين الأمريكيين مع اختراقهم لمعاقل الديمقراطيين حيث دفع ريغان الحزب الجمهوري نحو اليمين وتبنى أفكارا كانت تُعتبر في السابق راديكالية وربط ترشيحه وحزبه بحركة شعبية جماهيرية.
وفي 2025، يمكن للديمقراطيين أن يتعلموا الكثير من ريغان فيجب أن يكون المرشح الديمقراطي شخصًا قادرًا على تنشيط الجماعات التقدمية والليبرالية الشعبية التي تُشكل جوهر الحزب وروحه وأن يستغلّ نوع المنظمات التي منحت أصواتها لباراك أوباما في 2008 وللديمقراطيين في التجديد النصفي 2018.
وسيحتاج المرشح الناجح إلى تحديد القضايا التي يُعطيها الأولوية لتُشكّل جسورًا بين الفصائل، بدلًا من التركيز على القضايا الخلافية التي تُفاقم الانقسامات وسيتعين عليه ألا يخشى الانفصال عن مؤسسة حزبه، التي لا تحظى بشعبية كبيرة في البلاد حاليًا.
وسيكون المرشح بحاجة إلى الحفاظ على تركيز الناخبين، وعلى التهديد الذي تُشكّله جمهورية "جعل أمريكا عظيمة مجددًا" على مجالات التعليم، والأمان الاجتماعي، والاقتصاد، والسياسة الخارجية، والنسيج الدستوري الوطني.
ومن المؤكد أن المرشح الديمقراطي سيواجه تحديات لم تكن موجودة في 1980 مثل وسائل الإعلام الحالية الأكثر انقسامًا واستقطابًا إضافة إلى الحزب الجمهوري، الأكثر راديكالية، والمستعد لفعل كل ما يلزم لحماية السلطة فضلا عن تصلب التوجهات السياسية في عصر الاستقطاب مما يزيد من صعوبة تغيير توجهات الناخبين.
أخيرا، سيكون من الأفضل للحزب أن يضع معايير واضحة لتجنب التركيز على الشخصية والفرقعات اللحظية ليركز على من يستطيع تشكيل ائتلاف قادر على إيصال الديمقراطيين إلى البيت الأبيض.