مَن يحاول حرف الأمور عن مسارها بتصوير الغرب للعرب على أنه "مدينة فاضلة"، شخص مخطئ. خصوصًا فما يتعلق بما يسمى "الديمقراطية الغربية".
إذ يكمن التوضيح في هذه المسألة بأنه لا توجد ديمقراطية حقيقية في الغرب، بل ديمقراطيات يتم توجيهها، ولعلّي أخلُص إلى هذه النتيجة، مستشهدًا بآراء مفكرين غربيين كبار عن الديمقراطية الغربية.
ولقراءة مزيد عن ماهية الديمقراطية المنتقاة أو المُوجّهة، كما هي الديمقراطية الأمريكية على سبيل المثال، يجب التوقف عند شواهد مهمة.
أولا: مَن يحكم في أمريكا هي المؤسسات الصُّلبة، "الدولة العميقة"، وهناك حساسية ربما لدى معظم المثقفين العرب من استخدام هذا المصطلح، حتى لا تتأثر نظرتهم الحالمة والوردية عن الديمقراطية بمفهومها الكلاسيكي، حكم الشعب لنفسه، والذي لا وجود له واقعيًّا في أي دولة تزعم ممارسة الديمقراطية.
ثانيا: "الدولة العميقة" في أمريكا هي أجهزة الأمن والاستخبارات، وأهمها CIA، إضافة إلى الجيش ومؤسسات الأمن القومي ووزارة الخارجية، وبحسب كلام بعض المنظّرين فإن هناك وجها ظاهرا وآخر خفيا للدولة العميقة، فوجهها الظاهر هم رجالها من مدنيين وعسكريين في أجهزة الدولة، ووجهها الخفي هو مَن يحرك وجهها الظاهر من وراء ستار.
ثالثا: "الدولة العميقة" في الغرب عمومًا، وأمريكا تحديدًا، هي تحالف بين النخب في مؤسسات الدولة "ساسة وعسكر وقضاة ورجال استخبارات"، وخارج تلك المؤسسات من اقتصاديين وإعلاميين ومثقفين ورجال دين، تجمعهم مصالح مالية مشتركة، ويعملون لحماية هذه المصالح والتهرب من المحاسبة، وقد يستخدمون القمع إذا تطلب الأمر، لكنه قمع بـ"طريقة ديمقراطية".
رابعا: هل حاسبت أمريكا الرئيس "بوش الابن" ونائبه "ديك تشيني" على جريمة احتلال العراق وتدميره، رغم اعترافهما ومَن معهما بأن الاحتلال كان بسبب "معلومات مزوّرة"؟
لم ولن تتم محاسبتهما، لأنهما من أركان الدولة العميقة ونفّذا مخططاتها.
خامسا: من طرائف انتخابات أمريكا الأخيرة أن "بوش الابن" وأخاه، جيب، وديك تشيني وابنته عضوة الكونجرس، ليز تشيني، أعلنوا تأييدهم المرشح الديمقراطي بايدن ضد ترامب الجمهوري، رغم أنهم من أركان الحزب الجمهوري، الذي يمثله ترامب، بل هاجموا ترامب، كونه ينتهي وينتفي الولاء الحزبي عند تعليمات دولة المؤسسات العميقة الصُّلبة.
سادسا: لعل التعريف الأصح لهذه الديمقراطية الأمريكية هو أنها علاقة بين أهل السلطة، "البيت الأبيض والكونجرس وغيرهما من المؤسسات"، ومن يقف وراءهم من النُّخب ذات الثروة والسطوة، ربما بمعنى آخر، الديمقراطية بمعناها الكلاسيكي الحالم لا وجود لها واقعيًّا في أي دولة.
سابعا: قول وزارة الخزانة الأمريكية قبل أيام إنها لن تعطي سجلات هنتر جوزيف بايدن إذا طلبتها لجنة يترأسها الجمهوريون في الكونجرس، وستعطيها إذا طلبتها لجنة يترأسها الديمقراطيون، هو قول من الممكن ترجمته واقعيًّا بطريقة أخرى: "سنعطي سجلات هنتر لجماعة الرئيس فقط، وليس لخصومه".
ومن الطبيعي هنا أن "الديمقراطية ليست جيدة أو سيئة بطبيعتها، الديمقراطية مجرد أداة، تَذَكّر ذلك عندما يحذرونك من تدمير الديمقراطية، من أجمل وأطرف تعريفات الديمقراطية هي التي فيها يضطهد نصفُ الشعب النصفَ الآخر بحكم الفوز أو الأغلبية النسبية!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة