5 أسباب دفعت بايدن للتخلي عن دعم خط أنابيب غاز "إيست ميد"
تلقى مشروع خط أنابيب الغاز "إيست ميد" Eastmed ضربة قوية عبر سحب إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، دعمها له في يناير 2022.
وخط أنابيب الغاز "إيست ميد" البالغ طوله 1872 كلم سيتيح نقل ما بين 9 و11 مليار متر مكعب من الغاز سنويا من الاحتياطيات البحرية لحوض شرق المتوسط قبالة قبرص وإسرائيل إلى اليونان وكذلك إلى إيطاليا ودول أخرى في جنوب شرق أوروبا عبر خط أنابيب الغاز "بوسيديون" و"إي جي بي".
المشروع،الذي تم توقيع اتفاق تعاون بين قبرص واليونان وإسرائيل في يناير 2020 لتنفيذه، أحد الحلول المقترحة لتصدير الغاز المُكتشف في حوض شرق المتوسط.
لكن هذا التعاون لم يرتق حتى الآن إلى مرحلة التنفيذ؛ لأن تركيا التي تعتبر أنه جرى استثناؤها من هذا التعاون تعرقل خطوات التنفيذ.
ويجري كل هذا على مرأى من الاتحاد الأوروبي الذي يحاول الاستفادة من اكتشافات غاز شرق المتوسط، لتنويع مصادره، بانتظار اكتمال تحقيق انتقاله الطاقوي المبني على خيارات صديقة للبيئة.
تغير الموقف الأمريكي:
وفقا لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في أبوظبي، فإنه للوقوف على أسباب الموقف المُستجد لإدارة الرئيس بايدن من خط أنابيب الغاز "إيست ميد"، والذي جاء مغايراً لموقف الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب، يمكن حصر ذلك النقاط التالية:
1- جدوى اقتصادية
هناك شكوك حول الجدوى الاقتصادية للمشروع، فحسب وسائل الإعلام اليونانية، فإنه تمت الإشارة في ورقة غير رسمية أُرسلت إلى وزارة الخارجية اليونانية في منتصف شهر يناير 2022، إلى أن سحب الدعم الأمريكي لمشروع "إيست ميد" مقترن بعدم قابليته للحياة من الناحية الاقتصادية.
كما ظهرت للعلن بعض التصريحات القديمة لمساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الطاقة الحالي، آموس هوكستين، وذلك قبل أن يشغل منصبه، معتبراً فيها أن هذا المشروع غير ممكن مالياً لأنه سيُكلف أكثر مما هو متوقع، وأن الجانب السياسي للمشروع يطغى على جانبه المالي.
وتلتقي العديد من الآراء حول فكرة تخطي كُلفة إنشاء المشروع المبلغ المُخصص له في الدراسات والمُقدر بـ 7 مليارات دولار، بالإضافة إلى مبلغ سنوي للصيانة مُقدر بنحو 90 مليون دولار.
كما يعتبر البعض أن الولايات المتحدة تريد استغلال انخفاض كمية الغاز الروسي الذي يصل إلى أوروبا، لزيادة حجم صادراتها من الغاز المُسال، وبالتالي فهي لا تريد تسهيل بناء أي مشروع قد ينافس تطلعاتها.
فيما يعتبر آخرون أن قابلية الحياة من الناحية الاقتصادية ترتبط بكمية الغاز التي سيضخها هذا المشروع المزمع بناؤه، وهنا تتضارب الأرقام؛ حيث تُقدر بعض الدراسات أنه لن يؤدي إلى سد حاجة الاتحاد الأوروبي إلا بنسبة 1.5%، فيما ترى دراسات أخرى أنه يستطيع توفير 10% من احتياجاته.
وبالتالي فإن عدم وضوح الأرقام يجعل من الصعب الجزم بالجدوى الاقتصادية للمشروع.
2-أضرار بيئية
وفقا لمركز "المستقبل" تتحجج دوائر القرار الأمريكية بأن المؤسسات المالية الدولية قد أحجمت عن دعم مشاريع استخراج الوقود الأحفوري مادياً، خاصة أن الاتحاد الأوروبي ينشط في سياسة حماية البيئة والتخفيف من التلوث والتوجه نحو خيارات طاقوية أقل فرزاً للكربون.
وأظهرت دراسة أعدتها إحدى المنظمات غير الحكومية تُدعى "جلوبال ويتنس" global witness، أن استمرار عمل "إيست ميد" حتى عام 2050 سيؤدي إلى حدوث انبعاثات كربونية تساوي الانبعاثات التي تخرج سنوياً عن فرنسا وإسبانيا وإيطاليا.
وكثيراً ما يتم التطرق إلى كمية التدمير البيئي التي سيخلفها بناء خط أنابيب الغاز الذي يعتبر الأطول في البحر، وبعمق قد يصل إلى 3 آلاف متر.
3- التوتر في شرق المتوسط
يُرجح أن تغيير الموقف الأمريكي إزاء مشروع "إيست ميد"، ناتج في جزء منه عن رغبة واشنطن في خفض التوترات بمنطقة شرق المتوسط والناتجة عن الخلافات حول بناء هذا الخط، خصوصاً أن هذه التوترات تحدث بين دولتين عضوتين في حلف شمال الأطلسي "الناتو"؛ وهما تركيا واليونان.
تعتبر تركيا أنه لا يمكن تجاوزها في أي مشروع لنقل الغاز في شرق المتوسط، وهي الدولة التي تمتلك أكبر امتداد بحري فيه، خصوصاً أنه، حسب وجهة نظرها، فإن "إيست ميد" يخترق جرفها القاري.
وبالتالي فإن سحب الدعم الامريكي للمشروع، سيدفع الأطراف كافة في شرق المتوسط إلى التفكير في حلول بديلة لتصدير الغاز تكون أكثر حفاظاً على الاستقرار في هذه المنطقة.
4-تركيا
تضع بعض التحليلات عملية التراجع الأمريكي عن دعم "إيست ميد"، في خانة استرضاء تركيا، وفق الدراسة، استباقاً لأي مواجهة عسكرية قادمة قد تحدث إذا قامت روسيا بغزو أوكرانيا.
والمُلفت هنا أن هذه الخطوة تزامنت مع تصريح للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يعتبر فيها أن أي عمل عسكري قد تقوم به روسيا في أوكرانيا هو عمل غير واقعي.
كما تعتبر الولايات المتحدة أن تركيا لها حساباتها التي قد تمنعها من الدخول في إدانة أو الوقوف في وجه أي عمل عسكري روسي في أوكرانيا بشكل علني، خشية تحريك موسكو جبهة إدلب في سوريا وما يخلفه ذلك من تدفق موجات كبيرة من اللاجئين نحو تركيا قد تؤدي إلى التأثير على وضع أردوغان الداخلي، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد.
ولكن من الممكن أن تندفع تركيا لتقديم الدعم لأوكرانيا بشكل خفي، مقابل إعطاء واشنطن لأردوغان ورقة تظهر قدرته على إيقاف مخططات نقل الطاقة التي تستهدف تركيا وتقودها اليونان، مما يقوي من وضع أردوغان داخلياً.
5- الغاز الروسي
تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على إيجاد بدائل عن إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، تحسباً واستباقاً لأي عمل عسكري قد تقوم به موسكو ضد أوكرانيا.
وكانت الولايات المتحدة قد هددت بشكل واضح بأنها ستمنع تشغيل خط الغاز الروسي "نورد ستريم 2" بين روسيا وألمانيا، في حال حدوث تصعيد عسكري في أوكرانيا.
وبالتالي فإن واشنطن تعمل بشكل حثيث لإيجاد بدائل عن الغاز الروسي، حتى لا تتراجع بعض الدول الأوروبية عن دعم خيار المواجهة الغربية مع موسكو.
وفي هذا الصدد حاولت الولايات المتحدة إقناع قطر بتزويد أوروبا بالغاز المُسال، وكانت هذه المسألة أحد أبرز بنود جدول أعمال اللقاء الذي جمع الرئيس بايدن وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني خلال زيارة الأخير لواشنطن في الأيام الماضية.
بيد أن المساعدة القطرية في حالة حدوثها، لن تستطيع تأمين احتياجات أوروبا من الغاز؛ نظراً لارتباط الدوحة بعقود طويلة الأمد مع السوق الآسيوي.
وبالتالي فإن البحث الأمريكي عن خيارات أخرى مساندة يتم من خلال العمل على وصل غاز شرق المتوسط عبر المنشآت التركية، وصرف النظر عن الحلول التي قد تستغرق فترات زمنية طويلة الأمد مثل مشروع "إيست ميد".
تأثيرات متنوعة:
تتنوع التداعيات المُحتملة لتراجع الولايات المتحدة عن دعمها لمشروع "إيست ميد"، خاصة أن هذه الخطوة ستؤثر على مصالح العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين، وهو ما يمكن توضيحه في الآتي:
تغير خريطة التحالفات الإقليمية
إن سحب الدعم الامريكي لخط أنابيب "إيست ميد" ترافق زمنياً مع إعلان الرئيس أردوغان عن استعداد تركيا لاستقبال الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، في منتصف فبراير 2022، معلناً أنه من ضمن الموضوعات المطروحة للتباحث في اللقاء كيفية التعاون في الغاز الطبيعي.
وكانت العلاقات التركية - الإسرائيلية قد شهدت فترة من الجمود، وقد يكون التطور الأخير في مشروع "إيست ميد" أحد أسباب تحسنها نسبياً.
ويحاول أردوغان إقناع إسرائيل بتغيير خطة توجيه غازها التي تود تصديره إلى أوروبا، لكي يمر عبر الأراضي التركية. ولم يظهر أي رد رسمي إسرائيلي حتى الآن بشأن هذا الخيار، خاصة أن تل أبيب تندرج في تحالف قديم مع قبرص واليونان، تم ترسيخه مع توحد وجهات النظر حول كيفية تصدير الغاز إلى أوروبا، وربما يتأثر هذا التحالف في حال تخلي إسرائيل عن دعم خط "إيست ميد".
وتجدر الإشارة إلى أن اسرائيل تحاول الاستفادة من التقارب مع اليونان لتوقيع عقود لمساعدة الأخيرة عسكرياً، حيث تعتزم اليونان شراء منظومة "القبة الحديدية" من إسرائيل، وكان التباحث حول كل هذه المستجدات أحد أهم أهداف زيارة وزير الدفاع اليوناني، نيكولاوس بانابوجيوتوبولوس، إلى تل أبيب في 20 يناير 2022، ولقائه وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس.
كما أن قبرص تشعر بنوع من التخلي عنها، خاصة مع مرور ما يزيد على 10 سنوات على اكتشافات الغاز ضمن مياهها، ومع ذلك لم تتمكن حتى الآن من استثمار هذا، والبدء في عمليات التصدير. كذلك ثمة مخاوف من أن تتوسع محاولة استرضاء تركيا من جانب الولايات المتحدة إلى حد إعادة النظر في ترسيم الحدود البحرية في تلك المنطقة وتبني وجهة النظر التركية.
ظهور خيارات جديدة لنقل الغاز
تروج تركيا لخيارات أخرى لبناء أنابيب الغاز في شرق المتوسط، معتبرة أن كُلفة البناء ستخفض من 7 مليارات دولار إلى حوالي 2.5 مليار دولار في حال تم بناء الأنابيب من إسرائيل إلى تركيا، وقد تنخفض قيمة البناء أكثر إذا تم البناء من قبرص التركية إلى البر التركي؛ حيث يتم ربطه بالأنابيب المتوجهة إلى أوروبا في تركيا.
ويبدو واضحاً أن هدف أنقرة من هذا الترويج هو تحويل تركيا إلى محور للطاقة Energy Hub للتحكم في معظم إمدادات الغاز الطبيعي التي تمر من شرق المتوسط وروسيا ومنطقة القوقاز إلى أوروبا.
وهذا الخيار يقلق الجانب الأوروبي، خصوصاً مع محاولاته الحثيثة للتخلص من تبعيته الطاقوية لروسيا عبر تنويع مصادره ولكن من دون الوقوع مجدداً في المعضلة نفسها؛ أي مرور معظم أنابيب الغاز في دولة وحيدة هي تركيا، مما يهدد أمن الطاقة الأوروبي في حال حدوث خلاف مع أنقرة.
ومن جهة أخرى، يبدو الاعتماد على المرور عبر مصر خياراً أكثر واقعية وأقل تعقيداً؛ نظراً لأن مصر هي الدولة الوحيدة التي تمتلك محطات لتسييل الغاز في شرق المتوسط (محطتان) كما أنه يمكن زيادة قدرة استيعاب هاتين المحطتين، فضلاً عن أنه يمكن تحويل غاز شرق المتوسط إلى مصر عبر أنابيب صغيرة نسبياً ثم يتم بيعه كغاز مُسال إلى أوروبا عبر السفن، بالإضافة إلى أن أكبر الحقول المكتشفة في شرق المتوسط موجودة في مصر وهو حقل "ظهر".