اختبارات الحمض النووي الترفيهية.. سلاح جديد في يد العدالة الفرنسية؟
رغم أن إجراء اختبارات الحمض النووي (DNA) لأغراض ترفيهية محظور في فرنسا، فإن أكثر من مليون ونصف فرنسي خاضوا هذه التجربة عبر شركات أجنبية.
ويثير وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانان جدلاً واسعاً بعدما أعلن رغبته في تعديل القانون للسماح باستخدام هذه البيانات في حل القضايا الجنائية الغامضة، مستلهماً بذلك تجارب الولايات المتحدة.
مشروع قانون مثير للجدل
ويهدف دارمانان إلى إدخال تعديل قانوني يتيح للسلطات القضائية الاستفادة من تقنيات “علم الأنساب الجيني” لتحديد هوية مرتكبي الجرائم القديمة التي لم تُحل بعد، بحسب إذاعة "20 مينيت" الفرنسية.
وأوضح الوزير، يمكن لهذه التقنية أن تساعد في حلّ نحو ثلاثين جريمة قتل مجمدة حالياً في وحدة القضايا غير المحسومة في نانتير.
الفكرة ليست جديدة تماماً، إذ اقترحتها في الأصل النائبة عن منطقة لوار سيلفي بونيه، ودعت إلى أن يكون اللجوء إلى هذه التقنية مقيداً وموجهاً فقط لأخطر الجرائم مثل القتل والاغتصاب والاختطاف، وتحت إشراف قضائي صارم؟.
ما هي اختبارات الحمض النووي الترفيهية؟
الاختبارات الجينية المعروفة باسم "الترفيهية" أو "الأنسابية" أصبحت تجارة مزدهرة في الولايات المتحدة، وتقدم الشركات للمستهلكين مقابل نحو 119 دولاراً أدوات لجمع عينة من لعابهم وتحليلها لتحديد أصولهم الجغرافية وصفاتهم الوراثية.
وبمجرد تحميل النتائج على مواقع مثل GEDmatch أو MyHeritage، يستطيع المستخدم اكتشاف أقاربه البعيدين أو بناء شجرة عائلته.
لكن في فرنسا، تُعد هذه الممارسة غير قانونية لأنها لا تندرج ضمن الحالات المسموح بها قانوناً — أي الاستخدامات القضائية أو الطبية أو العلمية — ويُعاقب من يخالف ذلك بغرامة تصل إلى 3,750 يورو.
لماذا تهتم وزارة العدل الفرنسية بهذه البيانات؟
تمتلك الشرطة الفرنسية قاعدة بيانات وطنية ضخمة تسمى FNAEG تضم نحو 5 ملايين بصمة وراثية لأشخاص خضعوا لتحليل ADN في سياق جنائي.
لكن الوزير دارمانان يوضح أن أكثر من 50 ألف أثر وراثي في ملفات القضايا لا تتطابق مع أي سجل معروف، ما يجعل الوصول إلى الجناة مستحيلاً أحياناً.
من هنا تأتي أهمية الوصول إلى قواعد البيانات الأجنبية التابعة للشركات الخاصة، التي تحتوي على ما يزيد عن 50 مليون ملف جيني حول العالم.
وبمقارنة عينات الحمض النووي التي تُجمع من مسارح الجرائم مع هذه القواعد، يمكن — نظرياً — تحديد المجرم أو أحد أقاربه حتى وإن لم يسبق له الخضوع لأي اختبار.
تُعد الولايات المتحدة الرائدة في هذا المجال؛ إذ ساهمت “الأنساب الجينية” في حلّ أكثر من 650 قضية جنائية بين عامي 2018 و2024، وفق النائبة بونيه.
وفي فرنسا، سبق أن تم اللجوء إلى التقنية مرة واحدة فقط عام 2022 بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، ما أدى إلى تحديد هوية "مفترس الغابات"، المتورط في خمس جرائم اغتصاب بين عامي 1998 و2008.
وتقول هيئة المحامين "سيبان"، التي تدافع عن عائلة الطفلة سابين دومون المقتولة عام 1987، إن الاستعانة بهذه التقنية قد تحرّك ملفات عشرات القضايا المجمدة.
رغم الآمال الكبيرة، تُثار تساؤلات حول الخصوصية والحدود القانونية. فطلبات التعاون القضائي الدولي بين فرنسا والولايات المتحدة نادرة، ويخشى الخبراء من تجاوزات أو إساءة استخدام البيانات الجينية.
لذلك، شدد دارمانان ووزارة العدل على أن أي استخدام لهذه الوسائل سيكون خاضعاً لرقابة قضائية صارمة، ولن يُسمح به إلا في الجرائم الخطيرة جداً.
وتحذر الخبيرة ناتالي يوفانوفيتش-فلوريكورت من أن "إدخال هذه التقنية دون ضوابط قانونية دقيقة قد يشكل خطراً على الحريات الفردية"، مشددة على أن القانون يجب أن يوازن بين حق المجتمع في العدالة وحق الأفراد في الخصوصية الجينية.