بقيامها بتخفيض قيمة الدينار العراقي بنسبة 23%، تكون قد وُضعت أعباء الأزمة الناجمة عن أعمال النهب، على أكتاف العراقيين، لا على أكتاف اللصوص والعصابات التي تستغل نفوذها في النظام العراقي.
وهي تفعل ذلك ليس لتسديد العجز في ميزانية العراق، وإنما لتسديد العجز في ميزانية إيران.
السعر الرسمي للدينار انخفض من نحو 1100 دينار للدولار الواحد إلى نحو 1450 دينار للدولار. وهو ما يعني أن الموظف الذي كان يتقاضى ما يعادل 100 دولار شهريا، فإنه سوف يتقاضى 75 دولارا. بينما الذين نهبوا 425 مليار دولار من عائدات نفط السنوات بين 2003-2016 (بحسب اعترافات عادل عبد المهدي)، فقد ظلوا يرتعون بالمزيد من أعمال النهب.
ويصدر العراق أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا، الأمر الذي يوفر له دخلا سنويا يقدر بأكثر من 54 مليار دولار. كما أن معابره الحدودية توفر دخلا يقدر بنحو 5 مليارات دولار سنويا، من دون أن تشمل المعابر غير الشرعية المشرعة الأبواب على إيران. كما ظلت الحكومات المتعاقبة تستدين عشرات المليارات حتى بلغ إجمالي الديون 135 مليار دولار. فيما سجلت الميزانية الأخيرة عجزا بقيمة 65 مليار دولار. فما لم تتمكن سلطة الفساد من نهبه من العائدات النفطية مباشرة، فقد قامت بنهبه من الديون.
ويقال إن هناك 8 ملايين مواطن بين مدني وعسكري يتقاضون رواتبَ يُقدر معدلُها المتوسط نحو 600 دولار شهريا. ولكن الحقيقة هي أن عدة ملايين من هؤلاء هم موظفون وهميون. كما أن المعدل الحقيقي للرواتب أقل بكثير من ذلك، لا سيما أن موظفي المراتب العليا، الأقل عددا، يتقاضون رواتب خيالية قياسا بموظفي المراتب الدنيا وهم الأكثر عددا. ولاكتشاف الخديعة في ذلك المعدل المتوسط، فإنه يوازي رواتب الأطباء أو من في مستواهم فحسب. أما الحد الأدنى للأجور فإنه يبلغ 350 ألف دينار أو ما يعادل 318 دولارا، قبل تخفيض قيمة الدينار ليصبح بعده 241 دولارا.
ورغم أن الفساد قصة معروفة في العراق، ولا تحتاج قاضيا، فإن كل الحكومات السابقة لم تتمكن من محاكمة أي أحد من كبار الفاسدين.
وظل العراق يحتل مرتبة قريبة من القاع على امتداد كل السنوات منذ العام 2003 حتى الآن في مؤشرات الفساد العالمية، مما يدل على أن مؤسساته الخاضعة لهيمنة الأحزاب والمليشيات التابعة لإيران صنعت نظاما قائما على الفساد، ليكون مصدر تمويل خفيا لوليها الفقيه.
وعلى مر السنوات، قامت هذه الأحزاب بشفط مئات المليارات من الدولارات من خلال ما يسمى "الموظفين الفضائيين"، الذين لا وجود لهم في مؤسسات الدولة. ويقدر عددهم بنحو مليوني "فضائي"، أي أن المليشيات ظلت تنهب من خلالهم أكثر من 14 مليار دولار سنويا. وتشكل المخصصات غير الخاضعة للمراقبة لكبار المسؤولين الحكوميين والنواب وقادة المليشيات، وهذه المليشيات نفسها، جزءا من عمليات النهب المنظم، التي لا تخفى على أي مسؤول حكومي أصلا. وبحكم أن هؤلاء المسؤولين يستفيدون منها هم أنفسهم، فإن الدعوات التي يقدمونها في العادة لمكافحة الفساد، لا تعدو كونها نفاقا مجردا، بل نفاقا وقحا إلى أبعد الحدود.
وهناك أيضا العقود الوهمية لآلاف المشاريع التي لم تنفذ. وكانت تلك العقود هي أحد أبرز وسائل تهريب الأموال إلى إيران. حيث تقوم شركات مزيفة تابعة للحرس الثوري الإيراني، بالحصول على امتيازات ومشاريع، فتأخذ المال ولا تنفذ ما تعاقدت عليه، وهو ما ترك تلك المشاريع تقف خاوية على عروشها، أو مجرد أوهام على ورق.
لقد جلبت إيران إلى العراق مجموعات طائفية لنهبه وتدميره. تلك كانت هي الغاية الوحيدة من وجودها، وليس إدارة بلد أو إقامة نظام جديد قائم على أنقاض النظام السابق. فقد حل اللانظام والفوضى محل كل شيء، وحوّل مؤسسات الدولة، من أدنى دوائرها إلى أعلاها، إلى مؤسسات قائمة على النهب والتزوير والرشاوى والفساد المتبادل. ولكن ليس بدوافع الحقد أو النقمة فحسب، وإنما لتوفير منافذ تمويل خفية لإيران أيضا، تجسدها الروابط التجارية غير العادلة والتسهيلات غير المشروعة والامتيازات التي يحصل عليها "مستثمرون" وهميون يرتبطون بإيران.
عائدات العراق النفطية وحدها، تعني أن كل مواطن من مجموع نحو 38 مليون نسمة، يجب أن يحصل على أكثر من 1400 دولار سنويا، ولكن هناك 20% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، أي على أقل من دولارين في اليوم.
وفيما يبلغ معدل البطالة نحو 30%، فلقد صار يتعين على ملايين الموظفين الحكوميين أن تنخفض رواتبهم بمقدار الربع، ولكن ليس لتسديد العجز في ميزانية الدولة، وإنما لكي يدفعوا من لقمة عيشهم كلفة العجز عن مكافحة الفساد.
الشيء الضمني خلف كل ذلك، هو أن نظام الفساد الذي ظل يمول، بالخفاء، ميزانيات الحرس الثوري الإيراني، عندما وجد نفسه أمام احتمال استمرار العقوبات على إيران، لم يجد مفرا من تسديد النقص في تلك الميزانيات، على حساب مواطنين لا يعرفون إلى أين تذهب عائدات بلادهم.
الدينار العراقي صار يجب أن ينخفض لكي يدعم، بوسائل النهب والفساد، النظام الإيراني. تلك هي الحقيقة التي تسطع أكثر مما تسطع الشمس في العراق اليوم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة