لا يلامُ المواطنون البسطاء حين يدفعون ثمن الحروب الأهلية والصراعات العسكرية، إذا لاحظوا في بعض المصطلحات السياسية أو القانونية وحتى الدستورية، ترفاً لغوياً لا داعي له ولا يهمهم.
والسوريون داخل بلدهم أو خارجه يعتبرون أنشطة اللجنة الدستورية السورية المختلطة أنشطة عبثية في الغالب، بل فيها الكثير من إضاعة الوقت والخلافات البينية، فضلاً عن المراهقة السياسية كصفة تلازم أغلب المعنيين بالشأن السياسي السوري داخل المعارضة.
وقد أثارت الإحاطة الرسمية الأخيرة لمجلس الأمن من قبل المبعوث الدولي إلى سوريا جير بيدرسون الكثير من الجدل، والسبب بحسب البعض كان يرتكز إلى استعمال المبعوث الأممي مصطلح العدالة التصالحية خلال كلمته، وهو أمر غريب على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالملف السوري، كما قال بعض أعضاء اللجنة الدستورية، وفي مقدمتهم رئيسها المشترك من طرف المعارضة هادي البحرة.
لكن مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا اعترف لاحقاً بما سماه الخطأ الفني غير المقصود، واعترافه أدى إلى فضح المستور بوصف بعض أعضاء الثلث الأوسط أي المجتمع المدني، بأنهم طرحوا نقاطاً خلال الجلسة الأخيرة للجنة الدستورية تتعلق بالعدالة التصالحية، لكنهم لم يستخدموا هذا المصطلح في بياناتهم المكتوبة والشفوية.
والثلث الأوسط المسمى زوراً بالمجتمع المدني داخل اللجنة، خاضع في الغالب لأجندة وأوامر من رشحوه، وليس الثلث المعارض من اللجنة بأفضل حال من الثلث المدني.
والبيانات التي حملت عبارات المزايدة من جميع الأطراف داخل المعارضة، عكست بجلاء ووضوح حجم الشرخ الحقيقي بين ما يعيشه السوريون الذين يتألمون، وما تعيشه هذه المعارضة الإخوانية الهوى من رفاهية في التعبير، وقدرة على لي أعناق النصوص بغية إطالة الأزمة - إن لم نقل الأزمات - وليس حلها بأسرع ما يمكن.
والواقع الذي لا تزال سوريا تشهده، بعيد كل البعد حتى اليوم عن العدالة التعويضية أو العدالة التصالحية، فضلاً عن عدالة انتقالية منشودة، والأيام تثبت أن قوى الشر في سوريا من محتلين ومتطرفين ومستبدين، تعمد إلى تثبيت مفاهيم الحس الانتقامي من كل السوريين في الميدان، بغض النظر عن انتمائهم أو مواقفهم.
وفي سياق الحديث عن سوريا ونكبتها، يستشهد العقلاء فيها بما غرد به قبل أيام، أحد الرموز البارزة للدبلوماسية العربية أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية، فالرجل بحكم خبرته الواسعة أكد على عدم وجود وصفة سحرية لعلاج تراكم الأزمات التي شهدتها بعض الدول ضمن مسار ما يسمى الربيع العربي، والذي فاقم تلك الأزمات والتحديات، ولم يقدم لها الرؤية أو العلاج.
والرهان على دولة المؤسسات والقانون في سوريا المستقبل على سبيل المثال لا الحصر، لايمكن أن يصاحب أي رؤية تنموية لبلد يتطلع الإخوان فيه من خلال أجندتهم الخبيثة، إلى استنساخ التجربة الإخوانية في مصر التي أسقطتها جماهير الشعب المصري من خلال منع وقوع البلد في براثن الفكر الإخواني المتشدد والإرهابي.
ولن يصلح الحال في سوريا إلا باجتماع السوريين على كلمة سواء بينهم، يحتكمون فيها لمصلحة بلدهم دون غيره، ليساعدهم في ذلك محيطهم العربي الذي يمثل العمق التاريخي والحضاري لهم، و هناك مواقف إيجابية مشهودة ودول مؤهلة للقيام بهذا الدور السلمي التصالحي وكذلك التفاوضي، وفي مقدمتها السعودية والإمارات ومصر، بحكم العمل الدبلوماسي الدؤوب والدائم لهؤلاء الأشقاء من أجل مساعدة جميع السوريين دون تمييز.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة