لا توجد أي إثارة إعلامية في "منشور" انتقاد أحد الهاربين من أعضاء تنظيم "الإخوان المسلمين" الإرهابي إلى تركيا، للأخلاق وللقيم التي تحكم العلاقة بين أعضاء الجماعة في الغربة كونها علاقة تقوم على المصلحة.
فالنقد الذي حمله "المنشور" لم يأت بجديد علينا نحن كشعوب عربية، حيث أدركنا طبيعة عمل هذا التنظيم منذ أحداث ما سمي بـ"الربيع العربي" وبعضنا قبل هذه الفترة.
حيث فسر مسعود حامد، الموجود في إسطنبول، بمنشور له قبل عشرة أيام على حسابه في "الفيسبوك" تلك العلاقة بأنها تقوم على "مدى قدرة الشخص المادية، وقدرته في التأثير على المتنفذين في الدائرة الإخوانية، وأنه مجتمع لا يمكن أن يتراحم إلا بين الشلة الواحدة، وتغيب القيمة الأخلاقية الحقة في كل التعاملات بينهم". فلو تم مراجعة الفكر السياسي للتنظيم سنجد أن هذه هي المبادئ الأساسية التي تنظم علاقتهم بالمجتمع ولكنهم لا يصرحون بها إلا عندما يتمكنون سياسياً.
ومع أن صاحب المنشور لم يذكر الأسباب الحقيقية التي دفعته لهذا الانتقاد، إلا أن المؤشر يقول إننا إزاء حملة من الخلافات حول توزيع "الكعكة" التي تقدمها كل من قطر وتركيا. فالقاعدة التقليدية تقول: عندما يختلف أفراد العصابة على السرقة يكون الابتزاز هو أساس التعامل، فالذي يظهر أن مسعود على خلاف مع باقي المرتزقة الهاربين في إسطنبول هذه هي خلاصة المنشور ولا علاقة لذلك مع الأخلاق والقيم.
في المنشور نقاط مهمة تفسر تكوين بيئة الجماعة. النقطة الأولى: "القيم الأخلاقية" لمنتمي تنظيم "الإخوان المسلمين" فانعدام القيم والأخلاق هي صفة ملازمة لهم منذ تأسيس التنظيم. وهم عندما يرفعون شعارات براقة حول قيم الدين الإسلامي فذلك لا يتعدى كونه خطابا إعلاميا موجها إلى الرأي العام الإسلامي، وكذلك عندما ينادون بالقيم الإنسانية فهم يسعون لكسب التعاطف الدولي في أنهم يتبنون قيما ليبرالية بقصد إشاعة الطمأنينة وجذب أعضاء جدد إليهم، ولكن في حقيقة الأمر ليس كما هو ظاهر.
النقطة الثانية، التي ركز عليها الهارب الإخواني هو "مجتمع الغربة"، حيث عادة ما يكون المهاجرون في موطنهم الجديد قريبين من بعض، ويحاولون مواساة بعضهم باعتبار ذلك أحد أساليب التخفيف من آلام المهجر أو الغربة، ولكن ما نبه إليه أنه مجتمع مختلف تماما عن طبيعة التكوين الأساسي، فهو مجتمع استغلالي نفعي بالدرجة الأولى، وهذا تأكيد على أنهم "جماعة" مختلفة عن الطبيعة البشرية.
المنشور لا ينزه كاتبه ولا يمكن أن يكون انتقاد أحد أعضاء الإخوان الهاربين إلى تركيا للباقين شفاعة أو أنه أحسن منهم، فالجميع متورط في المتاجرة ضد الوطن، فقط هو أضاف تأكيدا على ما هو معروف عن سلوكهم الخسيس. كما أنه في موقف لا يجعل من الشخص المناسب أن يقيم باقي أفراد التنظيم الإرهابي، وإنما الأمر هو أن نصيبه من "الكعكة" بات أصغر مما كان يحصل عليه، أو أنه اكتشف أن نصيب الآخرين من "الكعكة" أكبر، وبالتالي أراد أن يستخدم الابتزاز الطريقة التقليدية التي يتقنها أفراد الجماعة حتى فيما بينهم.
ومع ذلك يبقى أن هذ المنشور مؤشرا على أن مساحة الاستضافة التركية بدأت تضيق على الهاربين وأن الأموال القطرية بدأت تقل، وأن معاناة الغربة السياسية التي اختاروها طالت دون فائدة، وأن سياسات "كسر العظم" بين أفراد الجماعة هي الطريقة الوحيدة للبقاء.
ليس هناك من دلائل تبشر بأن علاقة من اختاروا الغربة السياسية سيكونون سعداء، فكل القصص التاريخية تذكرنا أن الخونة هم أدوات يتم استخدامها من الدول المضيفة لمهاجمة أوطانهم الأصلية، وبمجرد ما تنتهي المنفعة يتم التخلص منهم بالتدريج، ويبدأ ذلك بتقليل حجم "الكعكة"، ثم تبدأ سياسة "تدافع الأكتاف"، حيث يتخلص الأقوى من الأضعف، ثم تأتي سياسة المضايقات وبعدها المقايضات السياسية بين المستضيف بالدول الأخرى، وكلنا يدرك إجادة أردوغان لهذا النوع من السياسات، لأنه خريج مدرسة تنظيم "الإخوان المسلمين".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة