أطلقت اللقاحات التي بدأت بعض دول العالم في إنتاجها وتوزيعها لمواجهة فيروس كورونا المستجد موجة تفاؤل واسعة حول العالم، بقرب الخروج من النفق المظلم الذي أوجدته جائحة "كوفيد-19" بعد مرور عام كامل من بداية انتشارها.
وما أحدثته من تغيّرات دراماتيكية في العالم كله على مختلف المستويات، وخسائر بشرية تجاوزت المليون وسبعمئة ألف وفاة حتى الآن.
وبينما يستعد العالم لتدشين أكبر حملة تطعيم في تاريخه مع إعلان العديد من الدول البدء في توزيع لقاحات "كوفيد19"، وإعلان دول أخرى خططها لكيفية الحصول على هذه اللقاحات وتوزيعها، بدأ العالم يعاني من فيروسات أخرى ربما تكون أخطر من فيروس كورونا نفسه، وهي فيروسات التشكيك في فعالية هذه اللقاحات وتضليل الرأي العام بشأنها؛ سواء لأسباب سياسية أو لأسباب تتعلق بالتنافس على الأرباح الضخمة التي من المتوقع أن تجنيها الشركات المنتجة من هذه اللقاحات.
وعلى الرغم من أن الاختلافات بين اللقاحات المنتجة حتى الآن تكاد لا تذكر بحسب الكثير من الخبراء المتخصصين، ومعدلات الفعالية فيها تقترب جميعها من نسبة 90 في المئة أو تتجاوزها، إلى جانب معدلات منخفضة جدا من الآثار الجانبية الشديدة، كما أظهرت ذلك التجارب السريرية أو نتائج عمليات التطعيم التي تمت في الكثير من الدول، فإن ذلك لم يمنع انتشار فيروسات التضليل والتشكيك، التي تجسدت في العديد من الصور والأشكال، من بينها التغطيات الإعلامية التي تشكك في جدوى إعطاء هذه اللقاحات أو تضخم من آثارها الجانبية المحدودة، فبعض وسائل الإعلام الغربية على سبيل المثال تميل إلى التشكيك في اللقاحات الصينية والروسية بدعوى غياب الشفافية في عملية إنتاجها وتقييم آثارها، والعكس صحيح نوعاً ما، حيث نجد هناك حملات مضادة للطعن في لقاح فايزر الذي طورته شركات أمريكية وألمانية، وإبراز مبالغ فيه لبعض الحالات التي شهدت آثارا جانبية سلبية كما حدث في حالة الممرضة الأمريكية التي أخذت اللقاح ثم فقدت الوعي، رغم أن هذه حالة فردية، مقابل آلاف الحالات التي أخذت اللقاح ولم تتأثر.
ومن هذه الصور أيضاً تشكيك بعض القادة الشعبويين في جدوى هذه اللقاحات، ومن ذلك الهجوم الذي شنه الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو على لقاح فايزر، ومزاعمه بأن هذا اللقاح يمكن أن يجعل المرأة تُنبت لحية وأن يحول شخصا إلى تمساح!! والاتهامات التي وجهتها الهيئة البرازيلية المنظّمة لقطاع الصحة "أنفيسا" قبل ذلك بأيام للصين باستخدام معايير "غير شفافة" للحصول على إقرار طارئ للقاحها ضد كوفيد-19 "كورونا فاك".
ولاشك في حقيقة أن حملات التشكيك والتضليل هذه أخطر ما يواجهه العالم اليوم للقضاء على هذه الجائحة، ولعل هذا هو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى تأكيد ضرورة التصدي لما وصفه بـ"فيروس التضليل"، وذلك في كلمة له في برلين يوم الجمعة الماضي، قائلاً: "في جميع أنحاء العالم نرى الشعبوية تتجاهل العلم وتضلل الناس.. المعلومات المضللة والخرافات ونظريات المؤامرة الجامحة في انتشار"، مشدداً على ضرورة النظر إلى اللقاحات على أنها منفعة عامة عالمية، وضرورة أن تكون متاحة بأسعار معقولة للجميع.
إن الجهود العالمية يجب أن تتحد من أجل مواجهة هذا الوباء المميت الذي يطلق الآن موجته الخطيرة الثانية التي تحصد عشرات الآلاف من الإصابات يومياً، كما ينبغي العمل على بناء الثقة في اللقاحات المنتجة وتقييمها على أساس العلم والحقائق وليس على أساس الشائعات والخرافات غير العلمية. فالعالم اليوم بحاجة إلى جميع الجهود، والاستفادة من تجارب جميع النجاحات المحققة في مجال اللقاحات للخروج من نفق كورونا المظلم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة