تؤمن الإمارات بقيم الحوار بين الثقافات والشعوب، لأن ذلك من شأنه أن يُقرِّب الحضارتين، ويفتح طريق الإبداع أمام الشباب
تتجلى الثقافة كأحد العناصر الهامة في العلاقات بين البلدين، بل وهي تطمح إلى تفعيل الاستثمار الثقافي بينهما، بفضل عراقة العلاقات التي أرسى قواعدها المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- في إرساء شراكات استراتيجية وتعاون سياسي واقتصادي متميز بين البلدين، ويتصدرها الاستثمار في الحقل الثقافي، منطلقا من إيمان الإمارات بسياسة فرنسا الإيجابية تجاه العالم العربي؛ لذلك تسعى الإمارات إلى تعزيز التعاون الثنائي ليس في المجال العسكري والاقتصادي والمالي فحسب، بل في مجالات الإبداع والابتكار والثقافة والمتاحف والآثار والتربية، لأنها تصب في مجرى العلاقات الاستثنائية بين شريكين. ويتمثل ذلك في الحوار الإماراتي- الفرنسي، الذي تضمَّن مرحلتين: الأولى تميز الحراك الثقافي الغني، تمهيدا لإطلاق المرحلة الثانية من هذا الحوار عبر سلسلة من الفعاليات الثقافية والتربوية في مجالات المعرفة والابتكار والإبداع، والتركيز على الفن والذكاء الاصطناعي، وحماية التراث المُعرَّض للخطر في العالم.
خطَت كل من فرنسا والامارات خطوات جريئة في هذا الميدان، بإقامة مشاريع استثنائية لم يكن يتصور المراقب بأنها ستكون على هذه الأهمية على الصعيد الثقافي والعلمي، بل وأعطت ثمارها بمرور الزمن، وخاصة بعد الانفتاح الإماراتي على التنوع اللغوي الذي يؤكد على ترسيخ روح التسامح والتعايش بين الحضارات.
تؤمن الإمارات بقيم الحوار بين الثقافات والشعوب، لأن ذلك من شأنه أن يقرّب الحضارتين، ويفتح طريق الإبداع أمام الشباب من خلال المشروعات الثقافية الفرنسية على أرض الامارات، منها جامعة السوربون ومتحف اللوفر في أبو ظبي، والروابط الثقافية الفرنسية "الأليانس فرانسيز" التي تأسست في 2007، وتنشر الثقافة الفرنسية، لغة وأدبا وحضارة.
إن الشواهد الواقعية الملموسة تؤكد على عمق العلاقات الثقافية بين الإمارات وفرنسا، يدعمها التبادل التجاري باعتبار الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لفرنسا في المنطق، وهي علاقات مستدامة، وغير خاضعة لأية تغييرات سياسية قد تطرأ على المنطقة، ولم تأت هذه العلاقات عن طريق الصدفة بل تقوت بمرور الزمن، بدأت صغيرة ناشئة، ومن ثَمَّ توسعت وأضحت واقعا ملموسا، وحسب الإحصاءات الأخيرة يعيش أكثر من 30 ألف فرنسي على أرض الإمارات، وهي الجالية الأكبر في الخليج، وهذا من شأنه أن يُفعِّل العلاقات الثقافية والحضارية من خلال التمازج الحياتي.
لقد خطت كل من فرنسا والإمارات خطوات جريئة في هذا الميدان، بإقامة مشاريع استثنائية لم يكن يتصور المراقب أنها ستكون على هذه الأهمية على الصعيد الثقافي والعلمي، بل وأعطت ثمارها بمرور الزمن، وخاصة بعد الانفتاح الإماراتي على التنوع اللغوي الذي يؤكد ترسيخ روح التسامح والتعايش بين الحضارات على اختلاف دياناتها وأعراقها وثقافاتها. إن الإمارات حافلة بالنشاطات الثقافية الهامة التي لا يختلف عليها اثنان، ويكفي أن يوجد في دبي وحدها نحو أكثر من 75 جاليري فن وصالات عرض، وبالتوازي، فإن باريس هي الأخرى عاصمة الفنون والآداب؛ ويكون التفاعل بينهما ثمرة من ثمار هذا التعاون، رغم تباين الحجم الجغرافي وعدد السكان بين البلدين.
يتجه التعاون الثقافي والعلمي والتقني بخطى كبيرة في الإمارات، ومن أفضل نتائجه أنه يتمحور في إطار التعليم والتربية والتعاون اللغوي والثقافي، رغم طغيان الثقافة الأنجلوسكسونية، إلا أن فرنسا باتت الآن شريكا معترفا به في هذا المجال، ويشهد على ذلك توقيع عدد من الاتفاقيات الثقافية بين البلدين، كما أصبحت الجامعات الفرنسية تستقطب الطلبة الإماراتيين أكثر من السابق.
ولا يمكن أن نهمل أيضا الإشعاع الثقافي والبعثات الفرنسية في مجال علم الآثار في الإمارات، فهي تعود إلى أعوام طويلة، وخصوصا في مجال صون التراث وإبرازه، ولعل أكبر مثال على ذلك هو احتفاء متحف الشارقة للآثار بهذا التعاون من خلال المعرض الهام "40 عاما من التعاون الآثاري بين دولة الإمارات وفرنسا"، الذي احتوى على مائة قطعة أثرية، حيث ألقت الآثار المكتشفة من قبل الفرنسين نظرة عميقة على تاريخ الإمارات، باعتبارها مركز الطرق التجارية عبر التاريخ الذي يمتد لقرابة 7500 سنة، وهذه الاستكشافات بدأت في عام 1977 في الإمارات، من خلال التعاون بين المتخصصين الآثاريين من البلدين، ويعتبر ذلك مشروعا ثقافيا وعلميا طموحا في مجال فهم التاريخ الإماراتي.
ولا نضيف جديدا لو قلنا أن ترسيخ العلاقات الثقافية بين البلدين يلقى دعم الدولة، ولا يوجد أبلغ مما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مؤكدا أن العلاقات الثقافية بين البلدين تمثل جانبا أساسيا ومهما، وتجسد الاهتمام المشترك بدور الثقافة. هناك قواسم مشتركة بين البلدين، منها: دعم روح الابتكار، ترسيخ دعائم الفنون، استكشاف الذكاء الاصطناعي، إحياء الفعاليات الفنية والأدبية والأسابيع الثقافية، حماية التراث، ومحاربة الإرهاب. إن الثقافة، بأبعادها المتنوعة، هي الحصن الذي يدافع عن القيم الإنسانية التي لا تتأثر بالتغييرات السياسية أبدا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة