لاجئون في أستراليا يهربون من مدنها الكبيرة إلى مناطقها النائية
لاجئ أفغاني يروي تجربته في اللجوء إلى أستراليا، حيث افتتح مطعماً في إحدى المناطق النائية حيث يسهل الحصول على فرص عمل لقلة عدد السكان.
"علي" لاجئ أفغاني من أقلية الهزارة يقيم في المنطقة الريفية النائية في أستراليا، حيث فتح "مطعم الصداقة الأفغانية" تكريما للاستقبال الحار الذي لقيه لدى وصوله إلى غريفيث قبل 5 سنوات.
هذا الرجل البالغ 44 عاما هو من بين عدد متزايد من اللاجئين والمهاجرين يفضلون استغلال توافر فرص عمل في مناطق أستراليا النائية التي تعرف بالإنجليزية بـ"آوتباك"، بدلا من الإقامة في المدن الكبرى مثل سيدني وملبورن حيث أسعار العقارات هائلة.
وتلمع كلمة "صداقة" المكتوبة بأحرف حمراء فوق رأس الطاهي فيما الزبائن يتوافدون تجذبهم إلى المكان رائحة لحم الغنم المشوي.
هذا أول مطعم أفغاني في غريفيث الواقعة على بعد 6 ساعات بالسيارة عن سيدني في قلب منطقة زراعية, ويقدم المطعم أطباقا بعيدة كل البعد عن الفطائر والبطاطا المقلية التي عادة ما تتوافر في هذه المناطق النائية.
ويقول علي وهو أب لثلاثة أطفال لوكالة فرانس برس: "أنصح كل أصدقائي ولا سيما الأفغان منهم أن يأتوا إلى غريفيث لأنها مضيافة جدا".
وهو لا يفصح عن كامل اسمه لحماية أفراد عائلته الذين لا يزالون في أفغانستان, ويؤكد "يمكن إيجاد عمل هنا لأن عدد السكان قليل".
أستراليا بلد مهاجرين بامتياز, فقرابة نصف سكانها البالغ عددهم 25 مليونا ولدوا في الخارج أو أن أحد والديهما ولد في الخارج.
وتستضيف البلاد نحو 14 ألف لاجئ سنويا تضاف إليهم أحيانا أعداد أخرى في إطار برامج استثنائية مثل استقبال 12 ألف عراقي وسوري أخيرا.
مرتفع جداً
مطعم الصداقة الأفغانية بغريفيث في 28 سبتمبر 2018. وقد فتح اللاجئ الأفغاني, علي, هذا المطعم في منطقة أسترالية نائية بعيدا عن المدن الكبرى، لكن سياسة أستراليا الصارمة جدا حيال المهاجرين بطريقة غير قانونية والحوادث العنصرية المسجلة جعلت سمعتها غير حسنة حيال المهاجرين من غير البيض.
ويفيد معهد "لووي" للأبحاث أن شعور الاستياء من المهاجرين ارتفع بشكل صاروخي مع أن عدد الوافدين المحدد ب190 ألفا سنويا، بقي مستقرا.
فللمرة الأولى أظهر الاستطلاع السنوي للمعهد في العام 2018 أن أكثر من نصف الأستراليين يعتبرون أن عدد المهاجرين "مرتفع جدا" في مقابل 40 % في 2017.
وأدى اعتماد الطبقة السياسية المحافظة بعض مواقف اليمين المتشدد في هذا الخصوص، إلى إضفاء طابع عادي على بعض الأحكام المسبقة, وقد زاد الوضع سوءا مع ركود الأجور والكلفة المرتفعة للعقارات في المدن الكبرى على ما يفيد خبراء.
في المقابل تعاني مدن الداخل الأسترالي من نقص في اليد العاملة وفي السكان.
ويريد وزير السكان والمدن آلن تادج إرغام المهاجرين الجدد على السكن لسنوات عدة في منطقة ريفية لتخفيف الضغط عن المدن الكبرى.
وحملت المعارضة بشدة على هذا الاقتراح الأخير معتبرة أن هذه السياسة غير قابلة للتطبيق ومشددة على أن المهاجرين سيواجهون صعوبة في التأقلم مع المجتمعات الريفية.
إلا أن جوك كولينز الباحث في جامعة سيدني للتكنولوجيا يرى عكس ذلك. وهو يتابع أوضاع 250 عائلة وصلت أخيرا من العراق وسوريا وأفغانستان. وقد عبر عدد كبير منها عن موقف إيجابي من تجربة الإقامة في بلدات نائية مثل توومبا على بعد ساعة ونصف الساعة عن بريسبان على ما يؤكد.
قصة نجاح
يقول كولينز إنه ينبغي توافر بيئة مؤاتية لضمان نجاح هذا الأمر، أي على "المدينة بذل الجهود لاستقبال المهاجرين" مع توفير فرص عمل ووجود عائلات أخرى مرت بتجربة مماثلة.
ويضيف: "الكثير من المدن في المناطق والأرياف تخسر سكانها ولا سيما الشباب منهم. ويمكن للهجرة أن تعوض هذا النقص".
وتوضح جوان فيتزباتريك التي تساعد نحو 80 لاجئا أفغانيا في مدينة ليتون المجاورة أن الاندماج الناجح "بحاجة إلى كثير من المساعدة والدعم".
وتعتد مدينة مينغولا الصغيرة الواقعة عند الحدود بين مقاطعتي كوينزلاند ونيو ساوث ويلز بأنها نجحت في ذلك, وكانت هذه المدينة تضمحل تدريجا بسبب تشيّخ السكان. وهي استقبلت لاجئين من شرق أفريقيا كانوا يقيمون في مناطق ريفية وواجهوا صعوبات في العيش في سيدني.
وتشهد نيل الواقعة على بعد أربع ساعات من ملبورن التجربة نفسها مع مرحلة انتعاش بعدما أقنع مربو بط أفرادا من أقلية كارين في بورما بالمجيء إليها, وبعد 8 سنوات على هذه الخطوة، تشهد المدينة ازدهارا ويشكل المهاجرون الجدد 10 % من سكانها الألفين.
ويشدد جاك أرتشر من معهد أستراليا الريفية على أن "هذه المدن كانت تتراجع وباتت اليوم تسجل ازدهارا", وهو يدعو إلى إستراتيجية وطنية حول هذا الموضوع بدلا من مبادرات منفردة تسجل حاليا.
في غريفيث يعزز اللاجئون الذين يخوضون غمار الأعمال، سوق العمل. فعلي مثلا يوظف لاجئا آخر ومهاجرا من ماليزيا.
ويشكل علي جسرا أيضا بين الريف والمدينة. فقد أتى زوجان ثلاث مرات من سيدني لتناول الطعام في مطعمه رغم الرحلة التي تستغرق ست ساعات. ويوضح "يأتيان من أجل الحساء يعشقانه جدا".