إعادة سفير إيطاليا للقاهرة انفراجة بأزمة ريجيني
قرار إيطاليا إعادة سفيرها للعاصمة المصرية قد يؤشر لعودة الدفء للعلاقات بين القاهرة وروما.
قررت إيطاليا، يوم الإثنين، إعادة سفيرها لدى مصر، جيامباولو كانتيني، إلى القاهرة في خطوة بدت كإنفراجة لأزمة بدأت قبل نحو عام ونصف بشكوك وتحقيقات حول مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني بالعاصمة المصرية في يناير 2016.
"بوابة العين" تعيد رصد التوترات التي شابت العلاقات المصرية الإيطالية منذ ظهور قضية مقتل ريجيني على الساحة وتداعياتها وصولا إلى القرار الإيطالي بإعادة السفير.
بداية القضية
في الثامنة مساء 25 يناير 2016، كان جوليو ريجيني الطالب الإيطالي بجامعة كامبريدج متجها من محطة مترو الإنفاق (البحوث) قاصدا ميدان باب اللوق بالقاهرة عندما اختفى أي أثر له.
عثرت أجهزة الأمن المصرية على جثة ريجيني ملقاة في أول طريق "مصر- إسكندرية" الصحراوي بمدينة 6 أكتوبر، ونقلت إلى مصلحة الطب الشرعي بقرار من نيابة الجيزة؛ لبيان سبب الوفاة.
وتمكنت قوات الشرطة بالجيزة من كشف هوية الشاب، بعد فحص عدد من بلاغات التغيب الموجودة في نطاق المديرية، واتصلت الشرطة بصديق المجني عليه والمقيم معه في منطقة الدقي، وتعرف على هوية صديقه.
أثار الحادث ضجة إعلامية على المستويين الإيطالي والمصري، واستغلته الكثير من المنابر المعادية لمصر للإيقاع بين البلدين اللذين تجمعهما علاقات دبلوماسية وتجارية وجغرافية وطيدة.
وجاءت تقارير المصادر الأمنية أن جثة ريجيني ليس بها طعنات، وأنه مصاب بكدمات وسحجات في مختلف أنحاء جسده، وتوجد عليه آثار تعذيب، مؤكدة أنها عثرت على جثة الشاب "نصف عارٍ".
الرد الإيطالي وسحب السفير
عقد السفير الإيطالي بالقاهرة، حينها، ماتسيريو ماساري، اجتماعًا طارئا في مقر السفارة، لمتابعة تداعيات حادث وفاة الطالب الإيطالي، ممتنعا عن إبداء أي تعليق إلى حين تبين تفاصيل الأمر.
الترويج للقضية بوصفها إهمالا أمنيا أو تجاوزا في حق طالب يحمل الجنسية الإيطالية، هو ما اضطر الحكومة الإيطالية إلى استدعاء سفيرها في مصر في إبريل/نيسان 2016؛ للتعبير عن قلقها إزاء وفاة مواطن من رعاياها في القاهرة.
فيما ظهر أصدقاء وعائلة ريجيني في عدة وسائل إعلامية، مظهرين الكثير من مشاعر الحزن والفقد، وموجهين الاتهامات للجميع بما فيهم الحكومة الإيطالية.
وطالب وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني، نظيره المصري سامح شكري، ببذل أقصى جهد لمعرفة مصير ريجيني، وتقديم أية معلومات متاحة.
وكان وفد من رجال الأعمال الإيطاليين بقيادة وزيرة الصناعة في ذلك الحين فيديريكا جيدي، قد قطع زيارته للقاهرة، وعاد إلى بلاده عندما اكتشفت جثة ريجيني في فبراير/شباط.
من هو ريجيني:
طالب دكتوراه إيطالي في قسم السياسة والدراسات الدولية جامعة كامبردج، كان متقدما كطالب لدرجة الفلسفة في كلية جيرتون في كامبردج، ويبحث في اتحادات العمال المستقلة.
نشأ ريجيني، المولود في 15 يناير/كانون الثاني 1988 في فيوميتشيلو، بلدة في مقاطعة أوديني شمال شرق إيطاليا.
ويقول نعي ريجيني على الموقع الإلكتروني لجامعة كمبريدج، إنه "سعى لفهم كيفية تغير قطاع العمل في البلاد في سياق العولمة الاقتصادية والارتباطات الأوسع بالمؤسسات الدولية".
التحقيقات:
على الرغم من الاتهامات التي انهالت على مصر بضلوعها في اختفاء ومقتل ريجيني، نفى وزيرا الداخلية والخارجية وجود أي علاقة للأجهزة المصرية بحادثة مقتل الطالب الشاب.
وتابع النائب العام المصري المستشار نبيل صادق التحقيقات للوقوف على ما يهدئ من روع أهل القتيل وأصدقائه، وأصدر بيانات عديدة مشتركة من النيابة العامة المصرية ونيابة الجمهورية لدى محكمة روما الإيطالية، بشأن التحقيقات.
وفتحت السلطات المصرية الأبواب لمسؤولين إيطاليين للتأكد من مجريات التحريات والاطلاع على أوراق القضية ومتابعة التطورات المحتملة لها.
وإذا كانت التحقيقات لم تستدل على الفاعل الحقيقي وراء الحادث، إلا أن الجانب الإيطالي أدرك نزاهة التحقيقات المصرية، وقدم أكثر من مرة الشكر على التعاون المشترك والإيجابي لفك غموض اختفاء ومقتل ريجيني.
الأمر الذي أعلى من أصوات تذكر بعمق وطبيعة العلاقة بين البلدين، وتنادي بعودة السفير مرة أخرى إلى القاهرة.
مطالبات بعودة السفير
فقد طالب العديد من الصحف ووسائل الإعلام الإيطالية بعودة السفير الإيطالي مجددًا إلى القاهرة، حيث سلطت صحيفة "كورييرى ديلا سيرا" الإيطالية، الضوء على إلقاء القبض على سائح إيطالي قتل مدير فندق بالبحر الأحمر بعد مشاجرة كبيرة، وقالت إن هذا الحادث سبب آخر لإعادة سفير روما إلى مصر.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومة الإيطالية قالت إنها تتابع قضية مقتل السائح الإيطالي "ليوناردو إيفان باسكال" لمصري، وقالت إنه في حال وجود السفير الإيطالي بمصر كانت عملية التواصل بين إيطاليا ومصر أسهل بكثير من ذلك".
وفي السياق نفسه، واصلت النخبة الإيطالية ودوائر روما الرسمية وشبه الرسمية ضغوطها على الحكومة لإقرار عودة السفير الإيطالي لدى القاهرة، لما تمثله العلاقات المصرية-الإيطالية من أهمية كبرى للتنسيق في الملفات الإقليمية والدولية على حد سواء.
ومع دخول الشراكة الاستراتيجية بين الحكومة المصرية وشركة (إيني) النفطية لإدارة مشروع حقل ظهر، يتوقع مراقبون أن تكون الشركة بمثابة البوابة التي يعود من خلالها السفير الإيطالي جيامباولو كانتيني إلى القاهرة.
ذلك بخلاف اضطراب الأوضاع داخل ليبيا التي تؤثر بطبيعة الحال على إيطاليا ويجعلها في حاجة ماسة إلى التنسيق مع القاهرة لحضورها القوي على مائدة الوساطة الليبية-الليبية.
وقال لورينزو ديلاي، عضو بمجلس الشيوخ الإيطالي، ورئيس مقاطعة ترينتو، في تصريحات نشرتها وكالات الأنباء الإيطالية واللاتينية، في وقت سابق: "نحن بحاجة إلى إعادة فتح سفارتنا، وإعادة السفير جيامباولو كانتيني على الفور، لأهمية مصر الاستراتيجية، ورعاية مصالح الإيطاليين والمصالح الأوروبية في المنطقة".
وأكد ديلاي أن رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ نيكولا لاتوري، طالب لعدة أشهر بإعادة كانتيني إلى القاهرة، مشيرا إلى أن مصر لها دور حاسم في اللعبة الجيوسياسية في ليبيا، وأيضا بالنسبة للهجرة، بالإضافة إلى الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، واستقرار المنطقة.
واستنكر ديلاي عدم وجود تمثيل دبلوماسي منذ مارس 2016، بعد أزمة مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، مؤكدا أن الحادث ليس له أي علاقة بغياب السفير في مصر، نظرا لوجود مصالح أخرى مشتركة تحتاج إلى وجود السفير.
خطأ يجب تداركه
وكان النائبان عن تكتل "فكرة شعب وحرية" المساند للحكومة، كارلو جوفاناردي، ولويجي كومبانيا، قد اعتبرا أن استدعاء السفير منذ البداية خطأ يجب تداركه، معترفين بأن "سحب السفير من مصر العام الماضي كان له أثر في تراجع دور إيطاليا في ليبيا".
فيما قالت صحيفة "إيطاليا تشياما إيطاليا" إن "عدم وجود سفير لروما في القاهرة، له دور كبير في تقليص دور إيطاليا في العديد من القضايا المهمة، ليس فقط في مصر بل في المنطقة بأسرها".
وأضافت أنه "على الرغم من أن قضية ريجيني مهمة، إلا أن هناك العديد من القضايا التي لها القدر نفسه من الأهمية بين البلدين، كما أن وجود دبلوماسي إيطالي في البلد ذاته سيسهل عملية التحقيقات والبحث حول القضية، فوجود سفير في القاهرة مهم للغاية من حيث الأمن الإقليمي والمحافظة على التدفقات الاقتصادية والتجارية".
واختتم دي بياجو تصريحاته: "أعتقد أن الوقت قد حان لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر، مع الحفاظ على الالتزامات حول قضية ريجيني، وعدم الخلط بين مستويات العملية الدبلوماسية".
ومنذ استدعاء السفير في إبريل 2016، وما تلا ذلك من تغييرات إقليمية ودولية تدفع روما بطبيعة الحال إلى مزيد من التنسيق على الدول التي تشاركها البحر الأبيض المتوسط، أكد العديد من المراقبين حاجة الحكومة الإيطالية الماسة لقنوات اتصال مفتوحة على كل المستويات مع القاهرة في العديد من القضايا والملفات.
وبخلاف التنسيق الاستخباراتي والأمني الذي تفرضه الطبيعة الجغرافية لمصر وإيطاليا، يرتبط البلدان بعلاقات مصالح مشتركة يستوجب معها وجود تمثيل دبلوماسي كامل.
زيارة بابا الفاتيكان
كانت زيارة بابا الفاتيكان البابا فرانسيس الأخيرة للقاهرة مناسبة ملائمة لتزايد الأصوات المطالبة بعودة السفير الإيطالي لدى القاهرة من داخل روما، حيث دعا الدبلوماسي الإيطالي أنطونيو زاناردي لاندي مستشار دبلوماسي سابق للرئيس الإيطالي، ورئيس منظمة "أنترسوس"، الحكومة الإيطالية، إلى إعادة السفير الإيطالي لدى القاهرة جيامبولو كانتيني في أسرع وقت ممكن.
وأكد الدبلوماسي السابق أنه "ليس من المنطقي أن يجري البلدان حوارا عبر وسائل الإعلام.. مصر تعد لاعبا رئيسيا في عمليات إعمار دول منطقة المتوسط".
خطوة للأمام
اليوم قررت إيطاليا إعادة السفير "جيامباولو كانتيني" للعاصمة المصرية، وعلقت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية على القرار، قائلة إن هذا القرار "خطوة للأمام" في قضية مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني والعلاقات بين البلدين.
وأشارت الصحيفة إلى أن مكان سفير روما في القاهرة فارغ منذ أكثر من عام، بسبب قضية مقتل الشاب الإيطالي، إلا أن العلاقات بين مصر وإيطاليا تطورت بشكل جيد في الفترة الأخيرة، فالسلطات المصرية أثبتت لإيطاليا تعاونها للوصول لحقيقة القضية.
فيما قال وزير خارجية إيطاليا أنجيلينو ألفانو: "إرسال السفير كانتيني للقاهرة جاء ليكون محاورا موثوقا للاتصالات مع السلطات المصرية، وتعزيز التعاون القضائي، ومن ثم البحث عن حقيقة مقتل الطالب الإيطالي، بالإضافة إلى رعاية المصالح الوطنية في مصر ومجتمعنا في هذا البلد".
aXA6IDE4LjIyNi4xNy4yNTEg
جزيرة ام اند امز