مع تطورات أزمة أوكرانيا ازداد التفكير والقلق العالمي، والغربي خصوصا، في أزمة إمدادات الطاقة وارتفاع أسعار النفط.
فهناك معاناة بارزة منذ أشهر عدة داخل الولايات المتحدة تتعلق بأسعار النفط، وهي بالأساس ناتجة عن سياسات الرئيس "بايدن"، ورغم محاولاته المختلفة لتخفيض هذه الأسعار -باللجوء مثلا للمخزون الاستراتيجي- فإنها باءت جميعا بالفشل.
إن أي انقطاع في إمدادات الغاز الروسي لأوروبا، سواء بعقوبات أو بحرب أو بقرار روسي، سيرفع أسعار النفط بشكل كبير، كون أوروبا تعتمد على إمدادات الغاز الروسي اعتمادا شبه كُلي.
أما على مستوى النفط، فالسعودية من أكثر دول العالم امتلاكا لهامش ضخم في فائض إنتاجها النفطي، وبالتالي لديها قدرة على لعب دور فاعل في توازن أسعار النفط عالميا بلا شك، وهو ما تقوم به المملكة منذ سنوات طويلة، كما حققت سياساتها النفطية مؤخراً -مع زملائها في "أوبك بلس"- نتائج مُرضية للغاية في هذا الشأن.. لكن السعودية رفضت طلبا أمريكيا برفع إنتاجها من النفط، نظراً لالتزاماتها المسبقة مع دول "أوبك بلس"، ونظراً أيضاً لعدم استعدادها للإضرار بمصلحة الدول المنتجة للنفط حال انهيار الأسعار، كما حصل في العقد الماضي، بسبب ما يُتوقع من تأثيرات لأزمة أوكرانيا حال تفاقمها، وهذا أمر يبدو واردا بشكل كبير.
أكثر ما يُتوقع أن تقوم به المملكة تجاه هذه المسألة هو البقاء على موقفها وكمِّها الإنتاجي الحالي حتى تتضح صورة ما ستتجه إليه الأحداث في أوكرانيا وتأثيراته دوليا.
في المقابل، تعمل إدارة "بايدن" على استعجال توقيع اتفاق نووي مع إيران، ظنًّا منها أن عودة طهران لسوق النفط ستلبي الاحتياجات المتزايدة عالميا، وهنا وجب أن نتذكر أن إيران تقوم أصلاً بتصدير ما يقرب من مليوني برميل نفط يومياً -رغما عن العقوبات الأمريكية- إضافة لما يُباع من نفط إيراني في السوق السوداء، علاوة على أن قدرات إيران على رفع الإنتاج النفطي العالمي محدودة للغاية بسبب قِدم وتواضع البنية التحتية النفطية لديها.
ومع ظهور أزمة أوكرانيا على السطح بحثت إدارة "بايدن" عن مصادر أخرى لتمويل أوروبا بالغاز، عِوضا عن روسيا، حال تفاقمت الأزمة الأوكرانية إلى مواجهة واشتباك عسكري، وكان من بين البدائل الاتجاه إلى قطر، التي بدورها أعلنت أنها "لن تتمكن بمفردها من تلبية جميع الاحتياجات الأوروبية من الغاز"، وذلك لأنها مرتبطة بعقود توريد لا يمكنها الإخلال بها دون موافقة مسبقة من المستوردين، وعلى رأس هؤلاء المستوردين بالطبع الصين.
أما الغاز الإسرائيلي، فلا يُعتقد بأنه من الناحية الكمّية والتقنية سيكون قادراً على تغيير واقع الاحتياجات الأوروبية حال حدوث أي تطورات في أزمة أوكرانيا.
كذلك فإن الموقف الإسرائيلي من أزمة أوكرانيا كان محبِطاً فيما يبدو للرئيس الأوكراني، ما أدى إلى استدعاء السفير الإسرائيلي في كييف على خلفية موقف إسرائيل "المتفادي" لأي تعارض مع روسيا، لكن ذلك كان أمرا متوقعا نظراً للعلاقات الاستراتيجية الكبرى بين إسرائيل وروسيا، والتي توطدت منذ قدوم "بوتين" للسلطة بأمور كثيرة، من بينها مثلا ضمان تأمين الحدود الإسرائيلية مع سوريا.
الأزمة مستمرة على ما يبدو، ولا يلوح في الأفق حتى الآن أي حلول أو تنازلات أو تفاهمات.. ولا شك أن هذه الأزمة تأتي في مرحلة انتقالية للقوى الدولية، خصوصاً الولايات المتحدة والصين، وأن مصير هذه الأزمة سيترك أثراً بالغاً على السياسات الدولية في المرحلة المقبلة، وستتأثر دول الشرق الأوسط بتلك المتغيرات تأثراً مباشراً، ولكنه قد يكون متفاوتاً من بلد إلى آخر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة