صدى إعلامي وسياسي واسع رافق إعلان المملكة العربية السعودية وإيران، يوم الجمعة الماضي، قرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.
وقد جاء هذا التفاهم بعد سنوات من التذبذب في العلاقات.. وبالتالي فإن الانتقال من وضع الخلاف إلى حالة التفاهم والتوافق على ضرورة تحسين العلاقات وتجاوز الخلاف بالحوار، يؤكد أن التفاوض يظل هو السبيل الأنجح والأوحد الذي ينبغي على كل دول العالم أن تسلكه لضمان واقع مستقر آمن ومستقبل أفضل للبشرية.
نذكّر هنا بأن هذه الرؤية الداعمة للتعايش الإنساني والتفاهم بين الشعوب والحوار بين الحكومات والمسؤولين، تشكل جوهر ومضمون رؤية دولة الإمارات، حيث باتت هذه المفاهيم والمبادئ أساسا راسخا لتوجهاتها الخارجية ومرشدا لبوصلة علاقاتها مع العالم.
التقارب والتفاهم بين السعودية وإيران سيصب مباشرة وبقوة في صالح شعبَي البلدين، وكذلك شعوب الشرق الأوسط ككل دون استثناء.. ولكنه أيضا سيثير حفيظة بعض الأطراف ذات الأهداف السلبية والمصالح الضيقة.. والتي اعتادت الاستفادة من عدم استقرار المنطقة، بل تتكسب على حساب مصالح الشعوب وأمنها.
التعجيل بترجمة هذا التفاهم وتجسيده عمليا بإعادة العلاقات الدبلوماسية وتفعيل الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية المجمّدة منذ ثماني سنوات تقريبا يظل الضمانة الحقيقية لسد الباب أمام أي محاولة يائسة لزعزعة الاستقرار، ثم الانتقال مباشرة نحو تطوير العلاقات وتوسيع نطاق التفاهمات لتتحول إلى تنسيق مشترك في القضايا والملفات الإقليمية ذات الصلة، والتي تلعب البَلَدان فيها أدوارا مهمة لارتباطها بمصالح حيوية للجانبين.
وعلى خلاف الأجواء العالمية التي يخيم عليها التوتر، فإن التقارب السعودي-الإيراني يحظى بميزة كبرى يتفرد بها وتجعل منه حدثا غير مسبوق.. فكل التفاهمات الإقليمية لا بد أن تستند إلى غطاء أو ظهير عالمي من القوى الكبرى.. لكن الميزة هذه المرة هي أن ذلك الظهير تمثل في الشريك الصيني.. وهي المرة الأولى تاريخيا، التي تنخرط فيها الصين بشكل مباشر في ملف سياسي بالشرق الأوسط.. بل في أي قضية سياسية خارج مجالها الحيوي المباشر.
فطوال العقود الماضية كانت بكين تتمسك دائما بالمدخل الاقتصادي فقط في إدارة علاقاتها الخارجية، خصوصا الثنائية، وتنأى بنفسها دائما عن أي تحركات أو استحقاقات سياسية.
وحيث إن العملاق الصيني أصبح بالفعل قوة عظمى، فإن تغيير منطلقات السياسة الخارجية الصينية وأدواتها ليس منفصلا بالمرة عن حالة السيولة الغالبة على النظام العالمي والتوازنات القائمة والمتغيرة بين القوى الكبرى فيه من جانب، وبالتالي مصالح وتحالفات كل من هذه القوى الكبرى مع القوى الإقليمية في الشرق الأوسط من جانب آخر.
إن رعاية الصين للتفاهم بين الرياض وطهران ليست مدفوعة برغبة الصين في لعب دور سياسي في قضايا المنطقة فحسب، وإنما تعني أيضا أن دول المنطقة تبحث عن مسارات مختلفة وتتطلع إلى قوى دافعة جديدة لحل وتسوية الأزمات المنتشرة في أنحاء الإقليم، ما يشير إلى أن المنطقة مقبلة على مرحلة مراجعات لتحالفاتها التقليدية السابقة، وربما إعادة تشكيل تحالفات وعلاقات، ليست فقط الإقليمية، بل أيضا بين دول المنطقة والقوى الكبرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة