قَتَلة في المدارس.. لماذا قد يرتكب ابنك "أبشع الجرائم"؟ (خاص)
فُجِع الجزائريون على وقع جريمة بشعة ارتكبها تلميذ في المرحلة المتوسطة بحق معلمته ريحانة بن شية، عندما تربّص بها وطعنها في ظهرها.
وقعت الحادثة في مدرسة "الشهيد عماري السعيد" ببلدية تاكسلانت في ولاية باتنة شمال شرق البلاد، بعد أن هدد التلميذ معلمته بالقتل لطردها له من الفصل.
وبحسب وسائل إعلام محلية، تحيّن التلميذ لحظة خروج المعلمة من المدرسة، وقفز من أعلى السور وسدد طعنة نافذة بالخنجر في ظهرها قبل نقلها إلى المستشفى.
وماجت وسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر بمقاطع فيديو توثق لحظة الطعن، وصور الأداة المستخدمة "خنجر"، مع تعليقات تدين الواقعة وتطالب بتوقيع أقسى عقوبة على الطالب.
من جهته، سلّم والد التلميذ المتهم ابنه للسلطات، وهو الآن محتجز على ذمة التحقيق، فيما انتقل وزير التربية الوطنية في الجزائر عبدالحكيم بلعابد إلى ولاية باتنة للاطمئنان على صحة المعلمة.
ومن داخل المستشفى، وجهت المعلمة ريحانة بن شية رسالة طمأنة إلى الجزائريين، مؤكدة أنها بخير وصحتها تتحسن يوماً تلو الآخر، داعية الجميع إلى مساندتها: "قفوا معي فما أنه إلا عينة صغيرة عنكم".
واستطلعت "العين الإخبارية" آراء تربويين وأطباء نفس للوقوف على الأسباب والدوافع وراء ارتكاب هذه الجريمة وغيرها على أيدي الطلاب، وكيف يصل تلميذ إلى حد طعن معلمته بخنجر وتهديد حياتها.
في البداية، قال الطبيب النفسي المصري محمد عبدالمنعم، إن كل "مجتمع يخضع لتأثير ثقافته، فالشعب الإيطالي يعرف بأنه منفتح، فيما يشتهر الشعب السوداني بالطيبة ورقة القلب، أما الثقافة المجتمعية في الجزائر فلا زالت قبلية، وتسود فيها فكرة الثأر".
"مراهقة مبكرة"
وأضاف عبدالمنعم لـ"العين الإخبارية": "هذا هو الأساس الاجتماعي في الجزائر، وبالتالي من الوارد أن نجد طالباً في المرحلة الابتدائية وعمره لم يتعد 10 سنوات يقدم على تصرفات وسلوكيات عدوانية، وهذا نتاج الانفتاح العالمي والعولمة وسهولة الوصول إلى الإنترنت بين المراهقين".
وأشار إلى أن سن المراهقة تراجع ليبدأ من 10 سنوات، قائلًا: "لم نعد نتنظر التغيرات الهرمونية على المراهق في عمر 13 سنة، ولكن الطفل أصبح يدخل مرحلة المراهقة في سن 10 سنوات، وهذا يرجع إلى الكم الهائل من المدخلات التي يتعرض لها يومياً".
وحمّل عبدالمنعم، وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة وألعاب الفيديو الجانب الأكبر من المسؤولية، قائلًا: "الفن والألعاب أصبحت عبارة عن عنف وقتال، وأشهر لعبة في العالم الآن هي (بابجي وكول أوف ديوتي)، وهي ألعاب قتالية في معظمها، وغالبية الأفلام العالمية تُظهِر مشاهد دموية وقتالاً، والأفلام العربية كذلك".
وتابع: "كل هذه المدخلات تولِّد العنف داخل الطفل، وتكرِّس داخله صورة البطل الذي ينتزع حقه بذراعه"، مشيراً إلى أن "الطالب طعن معلمته ربما بدافع الانتقام، هذا إذا لم يكن الطفل مريضاً نفسياً، ولكن إذا كان يعاني من اعتلال نفسي -والأطفال في عمر 10 سنوات قد يعانون من الفصام - فربما دفعته هلاوسه إلى ذلك"، مؤكداً صعوبة تفسير دوافع التلميذ من جريمته دون إخضاعه للملاحظة.
"من زرع حصد"
وانتقل الطبيب النفسي للحديث عن المعلمة المجني عليها، قائلًا: "مَن زرع حصد، وهذا التلميذ لن يتولَّد بداخله كل هذا العنف من فراغ، فمن الممكن أن يكون قد تعرّض لكمّ كبير من العنف في المنزل أو المدرسة، وربما تعرَّض للتنمر من معلمته، وقد يكون الدافع هو الرغبة في الانتقام من تعنت معلمته إذا كانت تضيّق عليه وعلى زملائه".
ورأى عبدالمنعم أن التلميذ "ضحية" رغم أنه الجاني في هذه الواقعة، موضحاً: "هذا الطالب ضحية ثقافة مجتمعية، وضحية والديه، وضحية المدرسة والإنترنت ووسائل الإعلام، وإذا كان مريضاً بالفصام فهذا يعني أنه ضحية الإهمال الأسري وتراجع الرعاية النفسية اللازمة له ولأقرانه".
أما الخبير التربوي المصري إبراهيم البري فيقول: "هذه الحوادث لم تكن موجودة في فترة الستينيات أو السبعينيات، لكن يبدو أن هناك مستجدات في عصرنا الحالي بفعل الانفتاح الرهيب لثورة المعلومات والإنترنت وتعرّض الأطفال لها، وهذه كلها عوامل تؤثر على سلوك الإنسان".
"خلل أسري"
وأضاف لـ"العين الإخبارية": "لا أظن أن يقدِم طالب على هذا التصرف ويكون ناشئاً في بيت يقوم على احترام الكبير واحترام المعلم، وهذا يدل على خلل في الأسرة، بالإضافة إلى المستجدات العصرية ومشاهد العنف والفيديوهات الغريبة على الإنترنت، وهذه اعتبرها من مساوئ التكنولوجيا الحديثة"، داعيًا إلى ضرورة "التنشئة الجيدة للطفل وتعظيم دور الأسرة والبيت والمدرسة".
وتحدث البري عن المعلمة ريحانة بن شية، قائلًا: "من وجهة نظري، إذا كانت المعلمة قريبة أكثر من الطلاب لم تكن لتتعرض لهذا الحادث، وهذا مستحيل إلا إذا كانت هناك مسافة كبيرة وفجوة بينها وبين الطلاب، ومن الضروري تقريب المسافات، وللأسف التعليم في هذه الأيام يعاني من مشكلات كثيرة، في الجزائر وغيرها من دول المنطقة العربية".
واختتم قائلًا: "تراجع دور المدرسة بسبب غياب الطلاب يعمّق هذه الفجوة ويبعد المسافات بين الطلاب ومعلميهم، ويؤدي إلى تفاقم المشكلات وتراكمها، ومن ثم نجد مشكلات تجر أخرى، لذا ينبغي للمعلم أن يستوعب طلابه ويحتويهم نفسياً وهذا دور المعلم التربوي".
خبرة المعلم
من جهته، يقول لطفي السيد، الموجِّه في وزارة التربية والتعليم المصرية، إن "الطلاب في مرحلة المراهقة التي تبدأ بعد سن العاشرة يتسمون بالتهور، وهي مرحلة حساسة في حياة الإنسان، وهذه الحادثة تؤشر على وجود مشكلات في أسرة الطالب".
وأضاف السيد لـ"العين الإخبارية" أن المعلم يجب أن يكون قريباً من طلابه: "والمعلم صاحب الخبرة يقدر على التعامل مع جميع الطلاب باختلاف مستوياتهم الاجتماعية والنفسية، وتكون لديه طريقة للتعامل مع الطالب الانطوائي، وأخرى للتعامل مع الطالب مفرط الحركة، وعندما يكون المعلم خبيراً ومتمكناً يكون قادراً على تجاوز هذه الأمور".
وتابع: "كل هذه الأمور يدرسها المعلم في كليات التربية، وبالإضافة إلى ذلك لا بد من تدريب المعلمين على طرق معاملة الطلاب والاطلاع على كل ما هو جديد في أساليب التعليم"، مشيراً إلى أن هذه الحوادث تقع بكثرة في الحضر مقارنة بالريف: "طبيعة الريف في جميع دول العالم تؤدي إلى استواء نفسي لدى الأطفال".