شهد سوق النفط العالمي خلال الفترة الماضية ارتفاعا في سعر برميل النفط مع استقرار ملحوظ في الوقت ذاته.
ويمكن أن نعزى هذا الارتفاع مع الاستقرار إلى عدة عوامل مرت بالسوق.
وربما يكون من أهم هذه العوامل ارتفاع الطلب على النفط الخام نتيجة التفاؤل ببدء عملية التطعيم باللقاحات المضادة لفيروس كورونا، إضافة إلى خطط الإنعاش الاقتصادي المستندة إلى إنفاق ضخم في أهم البلدان المستهلكة للنفط، وعلى رأسها خطة الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، والخطة التي أقرتها أوروبا الموحدة.
العامل الثاني المهم هو الانخفاض الملحوظ في مخزونات النفط التجارية لدى البلدان المستهلكة الرئيسية الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية. وربما تكون الولايات المتحدة التي تصدر بيانات دورية خير دليل على ذلك. والواقع أن المخزون في الولايات المتحدة قد استمر في الانخفاض حتى بلغ متوسط هذا المخزون في خمسة أعوام وهو المستوى الذي تعتمده أوبك+ كمؤشر على استقرار السوق وذلك خلال الأسبوع المنتهي يوم 19 فبراير. ولكن في الأسبوع التالي أي خلال الأسبوع المنتهي في يوم 26 فبراير ارتفع هذا المخزون بمقدار كبير غير معهود.
حيث ارتفعت مخزونات الولايات المتحدة التجارية "أي بدون الأخذ في الاعتبار الاحتياطي الاستراتيجي من النفط الخام" بمقدار 21.6 مليون برميل لتبلغ 484.6 مليون برميل وهو ما يجعل هذه المخزونات ترتفع بنحو 3% عن متوسط هذه المخزونات على مدى خمس سنوات. ويرجع هذا إلى العاصفة الجليدية التي ضربت خليج المكسيك وولاية تكساس على وجه التحديد التي تضم بعض من أهم الحقول المنتجة، وبعض من أهم المصافي في الولايات المتحدة. فقد وصلت المدخلات من النفط الخام للمصافي في الولايات المتحدة إلى 9.9 مليون برميل في المتوسط خلال الأسبوع المنتهي يوم 26 فبراير، وهو ما يقل بنحو 2.3 مليون برميل عن متوسط الأسبوع السابق الذي كان بدوره منخفضا نتيجة للعاصفة الجليدية التي ضربت ولاية تكساس وأثرت على إنتاج النفط الخام، وأوقفت العديد من المصافي عن العمل. وعملت المصافي خلال الأسبوع المشار إليه بطاقة تبلغ 56% فقط من طاقتها التشغيلية الإجمالية.
علاوة على هذا فقد زادت خلال هذا الأسبوع الواردات من النفط الخام لتبلغ 6.3 مليون برميل يوميا، أي بزيادة تبلغ 1.7 مليون برميل عن الأسبوع السابق عليه أي المنتهي يوم 19 فبراير.
ونتيجة لانخفاض تشغيل المصافي انخفضت مخزونات البنزين الإجمالية بنحو 13.6 مليون برميل لتصبح أقل من متوسطها خلال خمس سنوات بنحو 3%، وانخفض المخزون من المقطرات بمقدار 9.7 مليون برميل ليصبح أقل بنسبة 2% عن متوسط خمسة أعوام. وهبطت أيضا المخزونات من البروبان/البروبلين بمقدار 2.2 مليون برميل وتعد بذلك أقل بنسبة 17% عن متوسط مخزونات خمسة أعوام. وفي الإجمال هبطت المخزونات التجارية من النفط الخام والمنتجات بمقدار 2.8 مليون برميل خلال الأسبوع.
الزيادة الكبيرة إذا في مخزونات النفط الخام التي حدثت خلال الأسبوع المنتهي يوم 26 فبراير تعود إلى الظروف غير العادية التي ألمت بأوضاع المصافي والواردات، وهي ظروف غير معتادة ومراجعة الأرقام الماضية تشير إلى أنه لا بد من زيادة تشغيل طاقة المصافي خلال الأسابيع المقبلة، بما يعني اتجاه المخزون للانخفاض مرة أخرى أو الحفاظ على مستوى مرتفع من الواردات في الولايات المتحدة وهو ما يرفع من مستوى الطلب في السوق ويحافظ من ثم على استقرار إن لم يكن زيادة فعلية في الأسعار.
ونتيجة أيضا للعاصفة الجليدية فقد انخفض إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة لفترة من الوقت بمقدار 4 ملايين برميل يوميا، وهو ما ساعد ولو لفترة محدودة من الوقت على ارتفاع وتماسك الأسعار.
يمكن الإشارة أيضا إلى مستوى الالتزام الجيد بحصص الإنتاج وسقف الإنتاج من قبل دول تحالف أوبك+، صحيح أن بعض الدول تجاوزت مستوى الحصة المحدد لها، لكن دولا أخرى لم تستطع إنتاج المستوى المحدد لها مثل أنجولا على سبيل المثال. أضف لهذا كله مستوى الخفض الطوعي في مستوى إنتاج المملكة العربية السعودية أكبر مصدر عالمي للنفط بمقدار مليون برميل يوميا على مدى شهري فبراير ومارس وما أضافه من استقرار في السوق العالمي.
وربما تكون أهم العوامل التي ساهمت في ارتفاع الأسعار والاستقرار النسبي في السوق خلال الفترة الأخيرة، هو عدم اندفاع منتجي النفط الصخري الأمريكي إلى زيادة إنتاجهم رغم ارتفاع الأسعار إلى ما يفوق 60 دولارا للبرميل.
إذ تجد أوبك+ أن إدارة عرض النفط في سوق الخام العالمي أكثر يسرا هذا العام، مع عدم اندفاع منتجي النفط الصخري لرفع إنتاجهم خاصة بعد أن تجاوز سعر برميل النفط 60 دولارا. ولم يرفع منتجي النفط الصخري إنتاجهم لأن معظم المنتجين الكبار تعهدوا بالتركيز على انضباط رأس المال وزيادة محسوبة في نشاطات الحفر مع هدفهم بإعادة رأس مال أكثر للمستثمرين بدلا من حفر آبار جديدة.
وترى هيئة معلومات الطاقة الأمريكية ومنظمة الأوبك أن الإنتاج النفطي الأمريكي هذا العام بما في ذلك النفط الصخري سيكون أقل مقارنة بعام 2020.
فتتوقع منظمة الأوبك في تقريرها الشهري "التقرير الشهري لسوق النفط" عن شهر فبراير أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي سيهبط بمقدار 140 ألف برميل يوميا في عام 2021، أي من 7.3 مليون برميل يوميا في عام 2020 إلى 7.16 مليون برميل خلال العام الحالي. ويقدر أن إنتاج النفط الصخري قد شهد أكبر انخفاض ضمن إنتاج مكونات سوائل النفط المختلفة في الولايات المتحدة في عام 2020، فهبط بمقدار 450 ألف برميل يوميا مقارنة بعام 2019 حسب تقديرات أوبك.
وتتوقع هيئة معلومات الطاقة الأمريكية في تقريرها حول التوقعات قصيرة الأجل عن شهر فبراير أن يبلغ الإنتاج الأمريكي الإجمالي من النفط الخام نحو 11 مليون برميل يوميا في المتوسط خلال العام الحالي، هابطا مما يقدر بنحو 11.3 مليون برميل يوميا في عام 2020 وحوالي 12.2 مليون برميل يوميا في عام 2019، كما قالت الهيئة أنه من المنتظر أن يرتفع الإنتاج الإجمالي خلال العام القادم إلى 11.5 مليون برميل يوميا.
وكان أحد ممثلي أوبك قد أبلغ وكالة "رويترز" بأن عملية انضباط رأس المال في صناعة النفط الصخري الأمريكي سوف تساعد تحالف أوبك+ على إدارة عرض النفط في سوق النفط العالمي دون القلق من تصاعد الإنتاج النفطي الأمريكي، ولكنه أضاف "لا أعتقد أن هذا العامل سيكون دائما".
ويرى البعض أنه يمكن لارتفاع سعر برميل النفط أن يغوي المنتجين الأمريكيين بضخ المزيد من النفط خاصة من قبل الشركات الخاصة "أي غير المساهمة العامة" التي تعتمد على الحفر لتنمية أعمالها. مع ذلك يظل معظم المحللين يتوقعون الحذر في جانب إنتاج النفط الصخري الأمريكي، ولكن كلما كان سعر النفط أعلى، كلما كان الإغواء أكبر للشركات على هجر تقييد الإنتاج.
وعلى الرغم من أن البعض بات يتوقع ارتفاع أكبر في الأسعار بحيث يبلغ سعر برميل نفط برنت نحو 70 دولار خلال الربع الثاني من العام، و75 دولارا خلال الربع الثالث كما يرى بنك جولدمان ساكس، فإن الحذر واجب خاصة مع إمكانية زيادة الإنتاج الأمريكي وعودة الإنتاج السعودي إلى كامل الحصة المحددة مع بداية شهر أبريل. أضف إلى هذا أننا سندخل في وقت صيانة المصافي في الكثير من الدول المستهلكة، قبل أن يحل موسم الصيف الذي يزداد فيه الطلب تقليديا على الوقود.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة