كنائس عدن.. شواهد على روح التسامح في مدينة السلام
على مدى قرابة قرنين من الزمان ظلت مدينة عدن اليمنية رمزاً للتنوع الثقافي والتعايش الديني والإنساني.
وساهم الموقع الجغرافي للمدينة على خطوط الملاحة الدولية في جعلها نقطة التقاء عالمية، كونها محطة توقف و"ترانزيت" لسفن التجارة القادمة من الشرق والغرب.
ومع توافد ثقافات مختلفة من كل أنحاء العالم، تواجدت في مدينة عدن معتقدات وديانات استوطنت فيها عقوداً طويلة، خاصة في فترة ما بعد الاحتلال الإنجليزي للمدينة منذ عام 1839.
وعلى رأس تلك المعتقدات كانت الديانة المسيحية، التي ما زالت معالمها الدينية قائمة إلى اليوم، تشهد وتؤكد مدى التعايش الديني الذي عاشته مدينة عدن.
كنائس عدن
عدن التي اشتهرت بانفتاحها وتنوعها الاجتماعي يعدها المؤرخون المدينة اليمنية الوحيدة التي احتضنت كنائس مسيحية، بحكم التواجد الإنجليزي فيها.
وما زالت مباني الكنائس موجودة في أماكن متفرقة من عدن حتى وقتنا الحاضر، لتؤكد أن المدينة ما زالت تحمل بذور التعايش.
ورغم أن ما بقي من تلك المعالم لا يمارس اليوم أي نشاط ديني، إلا أنها تبقى شواهد على فترة ذهبية من عمر وتاريخ المدينة.
ومن تلك الكنائس التي بُنيّت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، كنيسة “سانت أنتوني”، في منطقة التواهي “جنوب عدن”، التي ما زال بنيانها قائماً إلى اليوم.
ويرجع مؤرخون تاريخ بنائها إلى عام 1863 لأداء الجنود البريطانيين في عدن طقوسهم الدينية، وكانت الملكة فيكتوريا ممن تبرعوا لبنائها، وظلت تقوم بمهامها حتى العام 1970، بعد ثلاث سنوات من الجلاء البريطاني في عام 1967.
ومن الكنائس الأخرى التي لا تزال قائمة في عدن، كنيسة “سانت ماري جاريسن” والتي بدأ بناؤها عام 1867، على تلة جبل في منطقة كريتر وسط عدن، واستخدم المبنى خلال خمسينات القرن الماضي كمقر للمجلس التشريعي “البرلمان”، ولا يزال قائماً.
وكذلك كنيسة “سانت جوسيف” وهي من أقدم الكنائس، في عدن، إذ تم بناؤها عام 1850، في منطقة كريتر أيضا، وتتبع البعثة الكاثوليكية الرومانية.
كما تم بناء عدد من الكنائس في الفترة الزمنية نفسها لكنها لم تكن بأهمية الكنائس المذكورة سابقا، ومن هذه الكنائس كنيسة سانت أندروز، القريبة من مطار عدن وقاعدة الطيران الملكي البريطاني بمنطقة خورمكسر.
بالإضافة إلى “كنيسة البادري" الموجودة أمام مسجد أبان في كريتر، وكنيسة الجنود البريطانيين في منطقة صلاح الدين غرب عدن، حيث كانت تلك المنطقة قاعدة عسكرية إنجليزية.
تعايش لا محدود
الباحث المتخصص في تاريخ عدن، بلال غلام، يؤكد أن عدن من ضمن مدن قليلة على مستوى العالم عرفت التعايش الإنساني والتسامح الديني بين مواطنيها.
وقال غلام في مقالات رصدتها "العين الإخبارية" إن الفترة التاريخية التي تجلت فيها مظاهر التعايش، كانت خلال التواجد الإنجليزي في عدن، حين كانت المدينة مقصدا لمختلف الجنسيات والأديان، والدليل على ذلك بناء الكنائس والمعابد اليهودية والهندوسية إلى جانب المساجد والقباب والأضرحة الإسلامية.
وخرجت بريطانيا من عدن سنة 1967، بعد احتلال دام نحو 130 عاما، لكن الكنائس ما زالت متواجدة في عدن إلى اليوم، رغم ما تعرضت له من تهديدات ومخاطر؛ نتيجة استهدافها من قبل التنظيمات المتطرفة المناهضة للتعايش والقبول بالآخر.
aXA6IDE4LjExOS4yMTMuMzYg جزيرة ام اند امز