الشخصيات المعروفة في الحكومة السابقة ابتعدت عن المشهد كلّياً ولم يتكرر أي اسمٍ من وزرائها في الحكومة الجديدة
أُعلن قبل أيام عن تشكيل حكومةٍ جديدة في لبنان يترأسها الأكاديمي حسّان دياب وهي الأولى منذ الاحتجاجات التي تشهدها كلّ مناطق البلاد.
واندلعت الاحتجاجات منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي إثر فرض الحكومة السابقة التي استقال رئيسها سعد الحريري بعد أيامٍ من تلك الاحتجاجات، ضرائب إضافية على البنزين والتبغ، إلى جانب استحداث ضريبة أخرى تتعلق باستخدام تطبيقات المكالمات الهاتفية على شبكة الإنترنت.
ومع ذلك، فإن تشكيل الحكومة الجديدة بعد نحو ثلاثة أشهر من استقالة الحريري على خلفية الاحتجاجات والاعتصامات التي شهدها عموم مناطق لبنان نتيجة مطالبة المحتجين بإقالة الرموز السياسية المُتعارف عليها في البلاد منذ عقود، لم يغير شيئاً من الواقع، فمعظم الوزراء الحاليين في هذه الحكومة الجديدة يتشاركون الموالاة بالتساوي لكبرى الأحزاب الرئيسية الّتي توزع السلطة فيما بينها في لبنان كأسهمِ شركةٍ خاصة.
وهذه الأمور كلها تضع الكرة في مرمى الحكومة الجديدة لا سيما أنها وصفت نفسها على أنها "فريق إنقاذ"، ينتظر اللبنانيون أولى خطواته لاختبار جدّيتها
ورغم أن المتظاهرين اللبنانيين كانوا يطالبون منذ الربع الأخير من العام الماضي، دون استثناء، بإقالة كلّ الطبقة السياسية الّتي تسيطر على البلاد وفق محاصصةٍ طائفية معروفة منذ سنواتٍ طويلة، إلا أن هذا لم يحصل.
وصحيح أن الشخصيات المعروفة في الحكومة السابقة ابتعدت عن المشهد كلّياً ولم يتكرر أي اسمٍ من وزرائها في الحكومة الجديدة، لكن الأحزاب التي كانت تقود وتشارك في الحكومة السابقة والمستقيلة وضعت في الواجهة شخصياتٍ غير معروفة ومحسّوبة عليها في حكومة "التكنوقراط" الجديدة، لتتحكم بها عن بُعد، كما لو أن هذه الحكومة جهاز "تلفزيون" ووزراءها "ريموت كونترول" في يد قادة تلك الأحزاب.
ويبدو أن هذه الأحزاب الرئيسية في لبنان فشلت في امتصاص غضب المتظاهرين من خلال حكومة الـ"ريموت كونترول"، فاللبنانيون سرعان ما عادوا للتظاهر في ساحات بلادهم مرة أخرى رافضين حكومة "التكنوقراط" الجديدة، وهم يطالبون كذلك بتحسين ظروف معيشتهم في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يواجهونها خاصة مع تراجع قدرتهم الشرائية.
لذلك أمام الحكومة اللبنانية الجديدة الكثير من التحديات والعقبات، وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية وازدياد البطالة وكذلك الفساد، ناهيك عن تأمين الخدمات الأساسية للسكان بحجمٍ معقول كالمياه والكهرباء وترميم الطرقات والجسور وغيرها، وكذلك يقع على عاتق هذه الحكومة مسؤولية التأكيد على استقلاليتها ونزاهتها لمواطنيها.
وهذه الأمور كلها تضع الكرة في مرمى الحكومة الجديدة لا سيما أنها وصفت نفسها على أنها "فريق إنقاذ"، ينتظر اللبنانيون أولى خطواته لاختبار جدّيتها. ودون نجاح الحكومة في هذا الامتحان الكبير ستستمر الاحتجاجات في البلاد ومعها ستتفاقم الأزمة الاقتصادية، لا سيما أن المصارف الخاصة والحكومية في لبنان تعيش ما يُشبه الإفلاس وسط عدم وجود مخزونٍ كافٍ لديها من العملة الأجنبية.
ويضاف إلى هذه التحديات والعقبات التي تواجهها الحكومة الجديدة داخل لبنان المشاكل مع الخارج، فالبلاد يسيطر عليها موالو إيران إلى حدٍّ كبير، ويشاركهم في ذلك مؤيدو الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب أن بعض الوزراء السابقين مثل جبران باسيل وتّروا العلاقات السياسية بين بيروت وعدة دولٍ عربية.
وبالتالي، المسؤوليات كبيرة أمام حكومة "التكنوقراط" وتنقسم بين ما يحتاج المعالجة داخلياً وما هو بحاجة لحلول خارجياً، وفي كلتا الحالتين الأمر لن يكون سهلاً والخاسر حتماً هو اللبناني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة