من الفرص إلى التحديات.. كيف ترسم الطاقة المتجددة ملامح مستقبل المناخ؟

تُوضع الكثير من الآمال على الطاقة المتجددة للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، خاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
استخدم البشر مصادر الطاقة المتجددة قبل آلاف السنين، لكن مع ظهور الوقود الأحفوري، توجه الاهتمام به في الصناعات، ومن هنا انطلقت الثورة الصناعية التي أطلقت في الغلاف الجوي مليارات الأطنان من الغازات الدفيئة، ما قاد في النهاية إلى تسارع التغيرات المناخية، وارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية إلى أن تجاوز 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة في عام 2024. وفي سبعينيات القرن العشرين، انتعش الاتجاه نحو الطاقة المتجددة مرة أخرى؛ تزامنًا مع الحراك البيئي الذي دعا إلى الحفاظ على صحة الكوكب.
وفي عام 1994، تم اعتماد "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي" (UNFCCC)، والتي دعت للانتقال العادل، والتحوّل نحو مصادر الطاقة المتجددة بدلًا من الوقود الأحفوري، بهدف التخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة، وبالتالي التخفيف من آثار التغيرات المناخية. وانطلقت "مؤتمرات الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية" (COPs)، والتي ناقشت وشجعت على التحوّل الطاقي العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة.
- الهند تحطم الأرقام في عالم الطاقة المتجددة.. لكن الفحم ما زال الملك
- الطاقة المتجددة تتحرك دون ضجيج.. قصة الانتصار الخفي على الوقود الأحفوري
وفي عام 2015، خرج "اتفاق باريس"، من مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته الحادية والعشرين (COP21)، والذي هدف إلى الحد من ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية عند 1.5 أو 2 درجة مئوية بحد أقصى بحلول 2030، وبرز التحوّل إلى الطاقة المتجددة كأبرز الحلول لتحقيق هذا الهدف، باعتبار أنّ انبعاثات مصادر الطاقة المتجددة أقل بكثير مقارنة بالانبعاثات الناتجة عن احتراف الوقود الأحفوري. وهذا يعني أنّ الطاقة المتجددة من أبرز الحلول لمكافحة التغيرات المناخية، لذلك يهتم العالم اليوم بتطويرها والاعتماد عليها.
تطورات من أجل المناخ
هناك العديد من أشكال التطور في مجال الطاقة المتجددة؛ فوفقًا للوكالة الدولية للطاقة (IEA)، ارتفعت نسبة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء عالميًا حتى وصلت إلى 30% في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 46% بحلول العام 2030. وهذا مؤشر جيد. وفي هذا الصدد، يقول هشام عيسى، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، لـ"العين الإخبارية" أنّ "التطورات في مجال الطاقة المتجددة تمثل من بين أهم الفرص والتحديات في نفس الوقت لمستقبل المناخ العالمي. يمكن القول باختصار أن الطاقة المتجددة أصبحت بالفعل عاملًا مؤثرًا، وإن لم تكن كافية حتى الآن، ولكن الاتجاه إيجابي". من جانبه، يرى الدكتور "جواد الخراز"، مدير الشبكة المتوسطية للطاقة النظيفة، ومنسق مبادرة تيراميد أنّ "التطورات في مجال الطاقة المتجددة تمثل أحد أبرز العناصر الفاعلة في تشكيل مستقبل المناخ العالمي، حيث أصبحت الطاقة الشمسية والرياح والطاقة المائية عماد التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون".
وهناك العديد من المؤشرات التي تدعم اتساع نطاق انتشار الطاقة المتجددة، منها:
1- انخفاض التكاليف
وفقًا لموقع (Our World in Data)؛ فقد انخفضت تكلفة الطاقة الشمسية الكهروضوئية بنسبة 90% خلال العقد الماضي، بينما انخفضت تكلفة طاقة الرياح بنسبة 70%، في حين انخفضت تكلفة البطاريات بأكثر من 90%، ويأتي هذا في ظل انتشار الطاقة المتجددة، وزيادة الإنتاج التراكمي، ووفقًا لقانون رايت؛ فإنه من المنطقي أن تنخفض تكلفة التكنولوجيا تزامنًا مع زيادة الإنتاج التراكمي لتلك التكنولوجيا. لذلك؛ فقد انخفضت التكاليف بنحو 20% في كل مرة تتضاعف فيها السعة التراكمية العالمية. وعلى مدار 4 عقود، تحوّلت الطاقة الشمسية من كونها أحد أغلى مصادر الكهرباء إلى الأرخص. وبحسب الدكتور "هشام عيسى"؛ فانخفاض تكاليف إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح قد "جعل الكثير من المشاريع المتجددة تنافسية أو أرخص من الطاقة من الوقود الأحفوري في كثير من المناطق، بالإضافة إلى التحسن في كفاءة المكونات، التخزين، الشبكات الذكية، والتوسع في البنية التحتية، كلها عوامل تدعم تسريع عملية الانتقال".
2- قدرات الطاقة المتجددة العالمية
وفقًا للوكالة الدولية للطاقة (IEA)؛ فمن من المتوقع أن ترتفع الإضافات السنوية لقدرات الطاقة المتجددة العالمية من 666 غيغاواط في عام 2024 إلى ما قد يصل إلى 935 غيغاواط في العام 2030، وهذا نتيجة الانتشار الواسع للطاقة المتجددة وانخفاض تكاليف توليدها مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى التي تعتمد على الوقود الأحفوري، ما يدعم البلدان النامية، والاقتصادات الناشئة؛ خاصة في القارة الأفريقية التي تمتلك إمكانات هائلة لتوليد الطاقة المتجددة على أراضيها، في الوقت الذي لا يحصل فيه ما يزيد عن 600 مليون مواطن أفريقي على الكهرباء.
ويقول الدكتور هشام عيسى لـ«العين الإخبارية» إنّه "في 2024، كانت الزيادة في قدرة توليد الكهرباء من المتجددة قياسية، بتركيب مئات الجيجاوات الجديدة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ولاسيما فى الدول النامية حيث التكلفة الأقل نسبيًا، ودول الجنوب التى تزيد فيها معدلات سطوع الشمس". ويتابع: "وفى هذا الصدد فإن منظمات مثل IRENA تشير إلى أنه إذا استمرت هذه المعدلات فإن الهدف المعلن من الجهات الدولية (مثلاً ما تم التعهد به في مؤتمرات المناخ) قابل للتحقيق، وإن كان الزمن ضاغطًا جدًا".
من ناحية أخرى، يرى الدكتور "جواد الخراز" أنّ هذا النمو في قدرات الطاقة المتجددة الذي شهده العالم في 2024 "ليس مجرد إحصائية؛ إنه يعني انخفاضًا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى 4.2 تريليون دولار سنويًا بحلول 2030، بالإضافة إلى خلق 16.2 مليون وظيفة في قطاع الطاقة النظيفة".
ويتابع الخراز، قائلًا للعين الإخبارية: "كما أننا في مبادرة تيراميد التي تهدف إلى تحقيق 1 تيراواط من الطاقات المتجددة في أفق عام 2030 في المنطقة المتوسطية، نأمل أن يساهم ذلك في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 500 مليون طن متري. وبالتالي فإن الطاقات المتجددة عنصر فاعل في مستقبل المناخ في منطقة البحر الأبيض المتوسط وفي العالم".
3- انبعاثات أقل
يُطلق احتراق الوقود الأحفوري كميات هائلة من انبعاثات الغازات الدفيئة المتسببة في تفاقم الاحتباس الحراري، لذلك، تأتي الطاقة المتجددة كبديل أقل انبعاثًا للغازات الدفيئة، ما يساهم في دعم جهود خفض الانبعاثات ودعم استراتيجية التخفيف التي يتخذها العالم كحل لمكافحة التغيرات المناخية. ويقول الدكتور هشام عيسى لـ«العين الإخبارية» إنّ هناك إبطاء في زيادة الانبعاثات بل ومكاسب أولية "فعلى الرغم من أن الانبعاثات العالمية لا تزال ترتفع، إلا أنّ هناك أدلة على أن النمو في الطاقة المتجددة قد خفّف من معدل الزيادة. مثلًا، تقرير من الوكالة الدولية للطاقة يقول إن التقنيات النظيفة مثل الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية ساهمت في أن تكون الزيادة في الانبعاثات أقل مما كانت ستكون لو لم يكن هناك نمو في هذه التقنيات".
تحديات!
ولا يخلو الأمر من التحديات؛ فهناك العديد من المعوقات التي تواجه قطاع الطاقة المتجددة، ليصبح أكثر فاعلية في مواجهة التغيرات المناخية، ويوضحها الدكتور هشام عيسى كالتالي:
1- هناك نمو متجددة كبير في الطلب العالمي على الطاقة، ومستمر في الارتفاع؛ بسبب التوسع السكاني، التصنيع، الرقمنة، التبريد في فترات الحرارة المرتفعة، إلخ. وهذا يجعل أن الطاقة المتجددة غالبًا تلبي زيادة الطلب، لا دائمًا تستبدل المصادر الأحفورية بالكامل.
2- في بعض الدول، الشبكات أو البنية التحتية لا تكفي لاستيعاب الطاقة المتجددة (مثلاً عند تقلب الإنتاج من الشمس أو الرياح). لذلك؛ فهناك حاجة لتخزين الطاقة، تحسين الشبكة، وتعزيز مرونة تشغيل محطات الأحفورية حين الحاجة.
3- الطاقة الشمسية والرياح غير مستمرة، وهذا يتطلب وجود أنظمة تخزين (بطاريات على نطاق كبير) أو بدائل مثل الطاقة المائية أو الغاز كمساعد عند الحاجة. وتكوين هذه الأنظمة مكلف وفي بعض الأماكن بطيء التنفيذ.
4- هناك تأثير للأحداث العالمية السياسية، مما أدى إلى لجوء بعض الدول للعودة إلى استخدام والتوسع فى الوقود الأحفوري، وانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس أيضًا، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الإقبال على الطاقة المتجددة.
ويختتم الدكتور "جواد الخراز" حديثه، قائلًا لـ«العين الإخبارية»: "ومن منظوري كخبير في الطاقة والمناخ، الطاقة المتجددة ليست حلًا جزئيًا، بل هي "محرك السلامة" للمناخ، كما وصفتها الأمم المتحدة، حيث يمكن أن تغطي 65% من احتياجات الكهرباء العالمية بحلول 2030، وتقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي يشكل 73% من الطاقة الحالية. ومع ذلك، يتطلب الأمر دمج الذكاء المناخي والتنويع لمواجهة التحديات مثل التقلبات الجوية، كما أكدت منظمة الأرصاد العالمية (WMO). في النهاية، الطاقة المتجددة هي السبيل لتحقيق أهداف اتفاقية باريس، وستكون محور الاستثمارات البالغة 2.1 تريليون دولار في 2024، مما يعزز الاقتصاد الأخضر والأمن الطاقي العالمي. إنها ليست خيارًا، بل ضرورة لمستقبل مستدام".