باتت محاولات إيران في تصدير ثورتها وتثبيت حضورها، التهديد الأبرز في ترتيب المخاطر التي تهدد الدول العربية.
لم تكن تطورات ومتناقضات المشاهد السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة العربية، وتحديداً النطاق الجيوسياسي في الجزيرة العربية أكثر وضوحاً مما هو عليه اليوم، حيث إن فكرة إعادة ترتيب أولويات ومصادر التهديد باتت تتركز باتجاه العاصمة طهران وخيوط مليشياتها في المنطقة التي لا تتوانى عن تنفيذ مخططها عبر ثورة التدمير.
المشهد الأحدث اليوم هو مشهد العاصمة صنعاء وهي في حالة قبح يسيطر عليها الخوف والمرض والفقر والبرد، يعكس نموذج قرون الظلام والكهنوت الذي خططت له ثورة الخميني 79، ليكون نموذجا للعواصم العربية المستهدفة.
الحوثيون في اليمن حقيقيةً ليسوا سوى شيعة الشوارع، كما وصفهم أحد قيادات إيران التي تدرك أن الحوثي يسعى للتدمير بالفطرة، بادعاءات المظلومية والإقصاء بداعي الحق الإلهي في الحكم، فتكلفة ولائهم غير عالية، بهذه النظرة الدونية التي يرتضيها الحوثيون، تتعامل إيران مع قضية اليمن باعتبارها الخطر الذي يمكن أن تمثله على دول مجلس التعاون الخليجي والأمن القومي العربي.
كثيرون يعتقدون أن حضور إيران في المشهد اليمني حديث لم يتجاوز العقد على الأكثر منذ بدء حروب الحوثيين مع الدولة عام 2004، وهذا غير صحيح، حيث امتدت هذه العلاقات وامتدادها لأكثر من ثلاثة عقود، من خلال النموذج اليمني لمحاكاة الثورة الإيرانية، إلا أن تطور الدعم الإيراني للحوثيين، ظهر فجأة عقب أحداث ثورات الربيع العربي في فبراير 2011، وتمثل ذلك في أشكال مختلفة كان الدعم السياسي في مقدمتها، حيث قدمت إيران أشكالاً مختلفة من الدعم الذي واكب احتياجات الحوثيين ومتطلباتهم مع كل تقدم كانوا يحرزونه في طريقهم لإسقاط مؤسسات الدولة وغزو المحافظات اليمنية.
وأسهم تنامي الدعم الإيراني السياسي للحوثيين - عبر الزيارات المتعددة التي قامت بها قياداتهم الدينية والشبابية التي كانت تتلقى التأهيل السياسي والعقائدي، الذي من خلاله كانت تؤثر في المتعاطفين داخل اليمن، وأسهم ذلك في تغليب إيران والحوثيين لمصالحهم على الاختلافات الدينية بين المذهبين الزيدي والجعفري الاثنى عشري في بناء علاقات وثيقة بين الطرفين، تقوم على المصلحة والاعتبارات الأيديولوجية؛ لذا سعت إيران إلى استنساخ نموذج آخر في اليمن على غرار حزب الله في لبنان، يكون بمثابة يدها وحليفها في شبه الجزيرة العربية، وبؤرة لنشر المذهب الشيعي.
باتت حالة النهم في إسقاط العواصم العربية وتصفية رموزها، عادة وتقليدا دمويا يحرص عليه أتباع إيران في المنطقة، وهذه حقيقة أجزم -بإيمان كبير- أن دولاً عربية تدرك خطورتها وتعمل على كبحها وتجاوز تهديدها للأمن القومي العربي، وصولا إلى تحقيق حالة الحفاظ على سيادة الدول العربية.
في حين ركزت الجهود الإيرانية في علاقتها مع الحوثيين، منذ منتصف التسعينيات وحتى عام (2004)، على النشاط الفكري والدعم المالي، وظهرت في هذه المرحلة ملامح نشر المذهب الاثنى عشري الجعفري، الذي تزامن مع توسيع نشاطات تنظيم الشباب المؤمن بزعامة حسين الحوثي؛ حيث بدأت مكتبات زيدية تبيع كتبًا ومنشورات اثنى عشرية، وظهرت مرئيات وصوتيات وشعارات الاثنى عشرية بين صفوف الحركة، وأحيوا الاحتفالات والمراسيم الاثنى عشرية التي لم يعرفها اليمن، وزادوا عدد المنح والمقاعد الدراسية في الجامعات الإيرانية والحوزات الدينية والمخصصة لأتباع الحوثي، وذلك ما أشبع مئات الطلاب بالفكر الاثنى عشري.
بينما تمثل الدعم المالي في تمويل المراكز التدريبية، والمخيمات الصيفية، في فترات متقدمة وتجهيزها لجذب الشباب إلى أنشطتها الثقافية المشبعة بالفكر الخميني، وقد حققت تلك المراكز النجاح المطلوب، فزادت أعدادُ المقبلين عليها بأعداد كبيرة.
في المقابل ظهر الدعم العسكري الإيراني للحوثيين مع بداية المواجهات المسلحة بينهم وبين الدولة في عام (2004)؛ حيث عثرت الحكومة اليمنية في ذلك الوقت، وأثناء تمشيطها مواقع الحوثيين، على أسلحة إيرانية الصنع، وذلك في بداية مواجهتها للدولة، وحتى وسائل التعبئة المعنوية للحوثيين كانت من إنتاج إيراني، مثل أفلام عن الحرب العراقية-الإيرانية، وأفلام إيرانية عن مقتل الحسين، كما أمدتهم طهران بمدربين من الحرس الثوري كانوا على رأس التدريب في المناورات القتالية التي كان الحوثيون يقيمونها بين فترة وأخرى.
في المحصلة، باتت محاولات إيران في تصدير ثورتها وتثبيت حضورها، التهديد الأبرز في ترتيب المخاطر التي تهدد الدول العربية، على الأقل على دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى ما يبدو، فإن العزيمة التي انطلق منها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة دعمًا للشرعية اليمنية؛ كانت رسالة بقدرة دول التحالف على مواجهة هذه التهديدات، إلا أن الشاهد الحقيقي هو التمادي الفج للتهديد الإيراني بإثارة المتناقضات واللعب على الخلافات وهذا ما يمكن أن تشكله من زعزعة للأوضاع في المنطقة.
كل هذه تفاعلات لا يمكن الحسم بجدليتها في إطار تدخل الأطراف غير العربية في صراعات المنطقة، وهو ما أسهم في إعادة ترتيب مصادر التهديد؛ والذي أصبح فيه "تحجيم الدور الإيراني" هو الهدف الأساسي بالنسبة للدول العربية، وخصوصاً فيما يتعلق بالمليشيات والجماعات الشيعية المسلحة والمتطرفة المدعومة من إيران كـ"حزب الله، والحوثيين، والحشد الشعبي، وغيرها".
وفي اليمن، يبدو أن مصادر التهديد أصبحت كثيرة؛ فالحوثي المدعوم من إيران ينطلق بحالة إرهاب فريدة لم تشهدها المنطقة في تصفية خصومه، وصولاً بهم لتصفية وقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح دون أن يؤثر ذلك في التوجهات الأممية أو مواقف الدول الغربية، وذلك مؤشر خطير بأن تصرفات وتوجهات عمل الحوثيين الإرهابية تلقى حالة رضا عبر واقع الصمت الحاصل لتجاوزاته في اليمن وتأثيره الخطير على الأمن القومي للمنطقة.
والحقيقة التي باتت جلية عبر واقع رصدنا للتحولات السياسية والعسكرية التي تشهدها اليمن والخليج والمنطقة العربية، أن مواجهة الأطماع الفارسية في اليمن والعديد من الدول العربية لا بد أن يقابلها حد بنفس الطريقة والآلية، ونحن دون مبالغة في مرحلة نكون أو لا نكون، حيث باتت حالة النهم من إسقاط العواصم العربية، وتصفية رموزها عادة وتقليدا دمويا يحرص عليه أتباع إيران في المنطقة، وهذه حقيقة أجزم بإيمان كبير أن دولاً عربية تدرك خطورتها وتعمل على كبحها وتجاوز تهديدها للأمن القومي العربي، وصولا إلى تحقيق حالة الحفاظ على سيادة الدول العربية وإنهاء تجاوزات التدخلات الخارجية في شؤونها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة