يصنف الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن بأنه أكثر الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاسة الولايات المتحدة ارتكابا للهفوات وزلات اللسان وأكثرهم إساءة لصورتها.
فالرئيس بايدن فشل في تنفيذ كل ما وعد به على الصعيد الداخلي لجهة دفع عجلة الاقتصاد الأمريكي نحو التعافي بعد جائحة كورونا، كما أسهمت سياساته الخارجية إلى تراجع الدور الأمريكي في الكثير من القضايا التي كانت الولايات المتحدة صاحبة الرأي المسموع فيها.
وإن كنت لن أخوض الآن في تلك الإخفاقات البايدنية، فإنني سأتناول ما ذهب إليه عدد من النواب الجمهوريين الذين أطلقوا إجراءات مساءلة للرئيس جو بايدن والتحقيق في 12 دليلا متعلقا بفساد الرئيس وعائلته، لاسيما المتعلق بنشاط نجله هانتر التجاري.
وجلسات المساءلة التي بدأها الجمهوريون، الخميس، 28 سبتمبر/أيلول الماضي، برئاسة رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي، تهدف في نهاية المطاف إلى عزل الرئيس الأمريكي بايدن.
فقد أعلن زعيم الأكثرية الجمهورية مكارثي توجيه اللجان "في مجلس النواب ببدء تحقيقات رسمية في وجود أسباب موجبة لعزل بايدن"، واعتبر مكارثي أن الرئيس بايدن قد "كذب" على الشعب الأمريكي بشأن أعمال نجله التي أثارت الكثير من الجدل في الخارج، إبان شغل بايدن لمنصب نائب الرئيس في عهد الرئيس باراك أوباما.
وإطلاق التحقيقات والمساءلة ستسمح للنواب الأمريكيين بجمع الأدلة التي تدين بايدن وفق ما كشفته مصادر تشريعية في مجلس النواب الأمريكي، خصوصاً في ظل تواتر معلومات أن نواب الحزب الجمهوري كشفوا عن مزاعم صنفت بالخطيرة وتتمتع بمصداقية عالية بشأن سلوك الرئيس بايدن، غير أن البيت الأبيض قال إنه لا يوجد أساس لهذا الإجراء.
وفيما يتعلق بالتهم التي يتهم الجمهوريون الرئيس بايدن بها، وهي التربح المالي أثناء توليه منصب نائب الرئيس في عهد الرئيس أوباما، وذلك من خلال تسهيل المشاريع التجارية الخارجية لنجله هانتر، غير أن الديمقراطيين يرون أن التحقيقات والمساءلة التي يقودها الجمهوريون من أجل محاولة عزل الرئيس بايدن إنما هي محاولة لصرف الأنظار عن الاتهامات والمشكلات القانونية الموجهة للرئيس السابق دونالد ترامب، خصوصاً وأن ترامب يواجه 4 لوائح اتهام جنائية تتزامن مع إطلاق السباق الرئاسي في العام 2024.
وفي تفاصيل الجلسة الأولى يقول مصدر تشريعي أمريكي إنها كانت جلسة استماع أولى للجنة الرقابة في مجلس النواب الأمريكي ومراجعة الأدلة التي عمل النواب من الحزب الجمهوري على جمعها والتي تتناول المشاريع والصفقات التي حققها ونفذها هانتر بايدن خارج الولايات المتحدة.
والجدير بالذكر أن التحقيقات وجمع الأدلة المرتبطة بفساد الرئيس بايدن وعائلته انطلقت قبل 8 أشهر، والتحقيق نجح حتى الآن في إحضار سجلات مصرفية عائدة لتلك المشاريع والصفقات وبلغ عددها أكثر من 12 ألف صفحة، إضافة الى تفريغ شهادات استغرقت ساعات من مقربين ومساعدين لهانتر بايدن بحضور محققين من الشرطة الفيدرالية، فالاتهامات حين تجمع ترسم صورة لثقافة قائمة على الفساد، وفق توصيف رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي.
هذا وجرى خلال الجلسة الأولى الاستماع إلى 3 شهود وجرت مناقشتهم بالأدلة التي قدمها الجمهوريون، واللافت أن هانتر بايدن كان قد خضع على مدى السنوات الماضية لعدة تحقيقات، ولكنها لم تسفر عن أي اتهامات جدية وفق ما يقوله نواب الحزب الديمقراطي، لكن هذا الأمر لم يثن رئيس مجلس النواب مكارثي عن توجيه طلب لثلاث لجان في مجلس النواب وهي السلطة القضائية، والرقابة، والنقل والمواصلات، من أجل تولي التحقيق والمساءلة، إضافة إلى فتح تحقيق لعزل بايدن على خلفية تغطيته التعاملات التجارية لعائلته.
ويكشف القانونيون أن هذا التحقيق لا يشكل تلقائيا مقدمة للمساءلة، إلا أنه يمهد الطريق لذلك ، وسط معلومات عن إساءة استخدام السلطة والعرقلة والفساد من قبل الرئيس بايدن، وكان لافتاً ما صرح به الرئيس السابق دونالد ترامب، إذ أعرب عن اعتقاده بأن ضغط بعض الجمهوريين من مؤيديه ضد بايدن، بمثابة انتقام من إجراءات عزله التي تمت في العام 2019 على خلفية الزعم أنه ضغط على الرئيس الأوكراني للتحقيق مع بايدن ونجله إضافة إلى شخصيات من الحزب الديمقراطي، إضافة الى عزله في العام 2021 على خلفية أعمال الشغب التي وقعت في مبني الكابيتول هيل في 6 يناير/كانون الثاني واتهام ترامب أنه يقف خلفها.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الدستور الأمريكي ينص على أن الكونغرس يمكنه القيام بعزل الرئيس في حالات "الخيانة أو غير ذلك من الجرائم والجنح الكبرى"، ويرى مصدر تشريعي أمريكي أنه وفي حال أدت التحقيقات إلى دعوات جادة لعزل الرئيس جو بايدن، فإن ذلك سيفرض على اللجنة القضائية في مجلس النواب إلى صياغة مواد المساءلة، ومن ثم ستتم العملية على مرحلتين: في الأولى، يجري أعضاء مجلس النواب تصويتا بأغلبية بسيطة على مواد العزل التي تفصل التهم الموجهة للرئيس، حيث يناقش مجلس النواب مواد المساءلة هذه بأغلبية الأصوات اللازمة لتمرير كل مادة.
وفي حال تم إقرارها تجرى محاكمته في مجلس الشيوخ، ويتبعها تصويت لاحتمال إقالة الرئيس من منصبه، حيث يتمتع مجلس الشيوخ بالقدرة على إدانة وعزل أي شخص من منصبه، وهو المجلس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون وبالتالي يرى المصدر التشريعي صعوبة في إقدام الديمقراطيين على إدانة الرئيس بايدن، علماً بأنه لم يسبق أن عزل أي رئيس من منصبه، حتى عندما كانت هناك محاولتان لعزل دونالد ترامب قام مجلس الشيوخ في المرتين بتبرئته.
إذا عزل بايدن رغم إخفاقاته دونه عقبات ولكن بالتأكيد نحن أمام سباق رئاسي محموم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة