لم ولن ينتهي السجل الوحشي لتنظيم داعش الإرهابي، فهذه حقيقة من الحقائق التي لن تغيرها الأيام والسنون مهما تعاقبت.
فما عرضته قناة "سكاي نيوز عربية" في برنامج السؤال الصعب الذي تقدمه البارعة فضيلة السويسي في حلقة استضافت فيها سيبان خليل وهي الفتاة التي كانت وفي القرن الحادي والعشرين سبية من السبايا، لم تكن الشاهدة الشجاعة التي قدمت تحتاج إلى أكثر مما فيها من المأساة والبؤس بل والفجيعة إن كان لهذا المصطلح بقية أثر يمكن أن يثار في هكذا شهادة، أسواق للسبايا والبقية من اغتصاب وانتهاك وتعذيب تبقى تفاصيل لكل الفجيعة.
الوحشية التي قدمها "داعش" ومن قبله تنظيم القاعدة وغيرهما من الجماعات الأصولية لم تأتِ من العدم ولن تنتهي دون إقرار بأن هنالك إرثاً في التراث العربي والديني يتطلب أكثر من مجرد مراجعات، الدموية المفرطة موجودة في كتب التراث ولا يمكن لأحد إنكار وجودها كما غيرها من الموجودات التي منحت هذه الجماعات استباحة المسجد الحرام في مكة بحادثة جهيمان العتيبي عام 1979، ظهور تنظيم داعش في سوريا والعراق بعد أن اهتزت الأنظمة الوطنية قدم الحقيقة المخفية في عوالم التراث وما يحتويه.
فتاوى التكفير ليست بالطارئة مع الانفلات الذي شهدته المنطقة العربية خلال مرحلة ما يسمى "الصحوة الإسلامية"، جماعة الإخوان أنتجت من كتب التراث الديني تأصيلاً للحاكمية كما كثير من المنتجات التي استخلصتها وقامت بنشرها، المراجعة الدينية التي ظهرت بعد أن نشر تنظيم داعش مقاطع القتل الوحشية لم تصل عملياً إلى أن تشكل القطيعة مع الموروث العربي والديني فقضية التجديد بقيت معلقة دون أن تصل إلى النقطة التي يمكن معها النظر إلى أن الصفحة الدموية قد طويت بالفعل.
تجميد قضية تجديد الخطاب الديني رغم الحوادث المهولة التي توالت من بعد الألفية بداية من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 وتفجيرات لندن ومدريد وحتى ما نال المنطقة العربية من عمليات إرهابية، لم يفرز غير مراجعة محصورة في دوائر معيّنة، الإشارة إلى قضية تجديد الخطاب الديني دون تحقيق تصحيح في محتوى الموجودات داخل كتب التراث لن تغير شيئاً من وقائع الحال وهذا ما حصل تماماً فبمجرد هزيمة تنظيم داعش ظهر التنظيم مرة أخرى في دول الساحل الأفريقي، وكما انهزم تنظيم القاعدة أعاد تكوين نفسه في بوكو حرام.
من الأجدر أن تطرح القضايا كما هي فلا شيء أهم وأكثر إلحاحاً من قضية تجديد الخطاب الديني حتى وإن أظهرت مؤسسات وأفراد لهم تأثيرهم ممانعتهم فهذا لا يعني القبول بإهمال القضية، الشمولية يجب أن تتناول جميع جوانب الدين، بما في ذلك العقيدة والفقه والأخلاق، من المهم أن يتضمن الخطاب الديني المتجدد تقديم إجابات دينية للقضايا المعاصرة، مثل حقوق الإنسان وتغير المناخ والذكاء الاصطناعي ومدنية الدولة الوطنية بنظامها القانوني العلماني.
التيارات الراديكالية لن تتوقف بالمطلق عن استخلاص مسوغات بقائها من أكوام مهولة من كتب تراث تعاقبت عليها الأزمنة، الأصوليون لن يكونوا يوماً منحازين إلى المفهوم الوطني، معادلة قطعية يجب القبول بها فهي حقيقة كاملة فلا يمكن للمؤمنين بالشمولية أن يقبلوا الأوطان بديلاً، إذن لمَ لا يكون قراراً بالقطيعة مع الماضوي الديني؟ فكل ما يتحدث به الدواعش جاءوا به من موجودات الكتب القديمة، الكل أبدى أسفه واستنكاره لما وقع للإيزيديين من اضطهاد ووحشية كما أن الكل يعلم بالخراب الاقتصادي والسياسي لموجة عشرية الإخوان غير أن هؤلاء الكل وهم يشاهدون شهادة الوجع من سيبان خليل هل يدركون حجم المسؤولية التي عليهم القيام بها حيال قضية تجديد الخطاب الديني وتطهير الإسلام مما يعلق عليه من جرائم كراهية وهو منها براء؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة