شرعية بقاء الدول في عصرنا هذا يعود إلى أن شرعية الدول تتمحور حول قوة وسلامة وضعها الاقتصادي
ظاهرة الثورات العربية التي يسميها البعض (الربيع العربي) أفرزت نتائج في منتهى الأهمية، فحواها سقوط جميع أنظمة الجمهوريات في المنطقة وبقيت (جميع الأنظمة الملكية) أو شبه الملكية، ووقفت الملكيات صامدة أمام رياح التغيّر والاضطرابات والفتن, ولا يمكن أن نعتبر هذه الظاهرة من قبيل الصدفة، وإنما لها بالضرورة ما يبررها، خاصة فيما يتعلق بالعقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن الواقع المنظور يثبت أن جميع الدول في منطقتنا التي تحولت من النظم الملكية إلى الأنظمة الجمهورية جميعها بلا استثناء فشلت فشلاً ذريعاً
قد يقول قائل إن شرعية بقاء الدول في عصرنا هذا يعود إلى أن شرعية الدول تتمحور حول قوة وسلامة وضعها الاقتصادي، فعلماء السياسة المعاصرين يجعلون القوة الاقتصادية واستمرار نموها سبباً كافياً لبقاء وازدهار الدول، وأقرب مثال على ما أقول هو (الصين) غير الديمقراطية.. فالصين تستقي بقاءها وقوتها من وضعها الاقتصادي المتين، وقدرة هذا الاقتصاد على النمو بشكل شبه مستمر، على الرغم من أنها عند التدقيق والتمحيص دولة شمولية قمعية، لا تمت للحريات بل للنظم الديمقراطية بصلة.
ولو طبقت هذه النظرية على الدول العربية لأصبت قدراً كبيراً من الحقيقة، فالنظم الملكية في منطقتنا التي صمدت في وجه رياح التغيير التي اجتاحت دول المنطقة ابتداءً من 2011 وحتى الآن هي الأنظمة الملكية، فقد صمدت جميعها بلا استثناء في وجه رياح التغيير، في حين أن الأنظمة الجمهورية اهتزت وسقطت، أو هي في طريقها للسقوط.
قد يعزو البعض السبب إلى امتلاك هذه الدول ثروات بترولية ضخمة كانت بمثابة السياج الذي حماها من السقوط، بينما تفتقر الجمهوريات إلى سياج صلب كهذا، وهذا غير صحيح على إطلاقه وإن كان عنصراً مساعداً، فبعض الجمهوريات مثل العراق وليبيا والجزائر حباها الله بثروات بترولية ضخمة وغيرها من الثروات.. غير أنها لم تحمها من الاضطرابات والسقوط، والدخول في بحار من الدماء والفتن، لا تكاد تنتهي إلا وتبدأ ثانية، كما لم يكن ذلك يعود إلى غياب الديمقراطية كما يزعم البعض وتفشي الحكم الشمولي، فقد أثبتت الصين أن الديمقراطية لا علاقة لها بارتفاع معدلات التنمية في جميع المجالات.. أضف إلى ذلك أن تجربتي العراق ولبنان والاضطرابات والسقوط الضخمة التي تكتنفهما تخرجان قضية (الديمقراطية) من الحسبان، على اعتبار أن تلكما الدولتين ديمقراطيتان، يضاف إلى ذلك أن دول الخليج المجاورة لها حققت معدلات نمو وأمن واستقرار وانفتاح على العالم المتفوق أضعافاً مضاعفة لما حققته هذه الدول في مجال النمو، ناهيك عن الأمن والاستقرار، ولم تدّعِ واحدة من تلك الدول يوماً أنها دول ديمقراطية.
وأنا على يقين لا يخالجه شك أن الدول العربية التي كانت أنظمتها ملكية وعصفت بها الانقلابات العسكرية في العقود السابقة لم تكن لتصل إلى هذا المستوى من الأمراض الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لو أنها بقيت ممالك لا جمهوريات، وأتذكر هنا طرفة ذات مدلول رواها أحد الأصدقاء الليبيين، يقول: كانت الأسرة السنوسية تتولى حكم ليبيا، وكان آخر ملوكها يُسمى الملك إدريس، وصادف موكبه مظاهرات مناوئة ترفع شعار كتب عليه (إبليس ولا إدريس)، فسأل أحد مرافقيه: ماذا يرددون؟.. فقال له يقولون (إبليس ولا إدريس) فرفع يديه وقال: اللهم آمين، ويبدو أن الله استجاب دعوته، وحكم ليبيا رجل في هيئة إبليس، هو معمر القذافي.
المثال الثاني وربما الأدق هو إيران، ووضعها المتطور والمزدهر أيام الشاه محمد رضا بهلوي ووضعها المتأزم وانحطاطها، إضافة إلى الفقر والعوز الذي يعيش فيه الإنسان الإيراني اليوم المغلوب على أمره.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن الواقع المنظور يثبت أن جميع الدول في منطقتنا التي تحولت من النظم الملكية إلى الأنظمة الجمهورية جميعها بلا استثناء فشلت فشلاً ذريعاً.
إلى اللقاء..
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة