استقالة "حتّي".. هل ينفرط عقد حكومة لبنان على وقع تدخلات حزب الله؟
استقالة "حتّي" ستكون بداية لاستقالات وزارية متتالية، ونحو 3 أسباب وراء قراره بقلب الصفحة.
بعد الاهتزازات المتتالية لحكومة لبنان من الداخل وتهديدات من قبل مكوناتها بالاستقالة مرارًا، جاءت الضربة القاصمة اليوم بانسحاب وزير الخارجية ناصيف حتّي، لتنذر بقرب سقوط التشكيلة التي لم تنجح بعد 7 أشهر في تحقيق أي إنجازات ترضي الشارع.
وبعد إعلان "حتي" في حديث تلفزيوني أنه سيتقدم باستقالته، التقى رئيس الحكومة، حسان دياب، مسلما إياه نص الاستقالة قبل أن يخرج من دون الإدلاء بأي تصريح.
وفيما لم يدخل "حتي" في تفاصيل أسباب استقالته فإن الجملة الأخيرة، التي ختم بها بيان الأسباب، تختصر الكثير، عبر قوله "لقد شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد اسمه لبنان، فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة، إن لم يجتمعوا حول مصلحة الشعب وإنقاذه، فإن المركب لاسمح الله سيغرق بالجميع".
المراقب لمسار الأحداث وما نقل في الإعلام اللبناني عن مقريبن منه، يبدو واضحا أن قرار "حتّي" الذي لم تنجح كل المحاولات لثنيه عن اتخاذه، ارتبط بأحداث عدة وسياسات لا تشبهه.
وشغل "حتّي" سابقا منصب سفير لبنان والمتحدث باسم جامعة الدول العربية في فرنسا والمندوب المراقب الدائم للجامعة لدى منظمة اليونيسكو.
وعند تشكيل حكومة دياب كان محسوبا ضمن الوزراء الذين أتى بهم النائب جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية ميشال عون)، الذي بدأت علاقته به تهتز شيئا فشيئا على خلفية التدخل السياسي في عمله كوزير خارجية.
وفيما تشير المعلومات إلى أن استقالة "حتّي" ستكون بداية لاستقالات وزارية متتالية، فإنه يبدو واضحا أن قراره جاء بعد تراكمات جعلته يتخذ القرار بقلب الصفحة.
وأبرز هذه الأسباب، وفق مراقبين، أنه وبدلا من أن يتولى مهمة التواصل مع الدول العربية انطلاقا من منصبه كوزير خارجية للبنان، أوكلت المهمة إلى مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم المقرب من مليشيا حزب الله وحركة أمل، الذي قام بجولة قبل أسبوعين شملت لقاءات مع مسؤولين عرب.
وفيما كان يشدد الدبلوماسي المخضرم على ضرورة المحافظة على علاقات لبنان الجيدة مع المجتمع الدولي، أتى الشهر الماضي قرار من أحد القضاة المحسوبين على حزب الله ضد السفيرة الأمريكية لدى لبنان، دوروثي شيا، بمنع وسائل الإعلام المحلية والأجنبية العاملة في البلاد من إجراء أي مقابلة معها.
وهو ما أدى إلى إرباك في لبنان، حاول "حتّي" احتواءه، عبر "استدعائه السفيرة" التي أعلنت بعد لقائه أن الصفحة طويت، ليعود بعدها ويعلن القاضي المعني بالقرار محمد مازح استقالته.
وجاءت زيارة وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى بيروت الأسبوع الماضي لتزيد الأمور تعقيدا.
وتحديدا عبر تعاطي دياب معه غير الدبوماسي وما تردد في لبنان أنه قال له "لا أقبل أن أتلقى تعليمات من أحد"، ليعود بعدها ويقول إن الوزير الفرنسي لديه نقص في المعلومات عن الإصلاحات التي أنجزتها الحكومة.
كل ذلك ومع زيادة الأمور تعقيدا في لبنان على مختلف الأصعدة، صدر عن حتي كلام لافتا حول حياد لبنان وإبعاده عن المحاور، في حديث تلفزيوني، الخميس الماضي، ترددت معلومات أنها لم تمرّ مرور الكرام أيضا بالنسبة إلى مليشيات حزب الله.
وقال: "جئت إلى الحكومة تحت عنوان "العملية الإصلاحية"، وأتحاور مع وزير الخارجية الفرنسي بشكل دائم، ولم تصدمني الحكومة ومن دون الإصلاح "لا يمكننا أن نقلع".
وأضاف: "طرحت موضوع الحياد الإيجابي منذ 14 عاماً، وأدعو إلى حوار وطنيّ فعليّ للاتفاق على أسس تشكّل قاعدة كي تكون لنا سياسة خارجيّة تحمي لبنان قدر الإمكان".
وأكد على أن "البلد مقسوم والحياد من حيث المفهوم القانونيّ غير ممكن للبنان، وما أقصده بالحياد الايجابيّ هو ألا نكون في محور معيّن كدولة لكن هذا لا يمنعنا من اتخاذ موقف معيّن في قضية".
واعتبر أن "لبنان هو الأقلّ تأثيراً والأكثر تأثّراً في مشاكل المنطقة، ونتحوّل تدريجاً من دولة في طريقها إلى الفشل إلى دولة فاشلة".
وتابع: "نريد الحفاظ على القرار 1701 الذي ينص على وقف العمليات القتالية بين تل أبيب وحزب الله، والمصلحة الوطنية أن يكون هناك استقرار في الجنوب".
ولفت إلى أن "فرنسا دولة صديقة وموقف لودريان خلال زيارته إلى لبنان ليس جديداً، ولم نقم بما يجب القيام به حتى الآن، وعلينا الإسراع بالإصلاحات، ويجب أن نولي أهمية لرأب الصدع في علاقاتنا مع الدول العربية".
أما في بيان استقالته الذي ارتكز على كلام عام، فقال حتي: "لبنان اليوم ينزلق للتحول إلى دولة فاشلة لاسمح الله".
ودعا الحكومة إلى "إعادة النظر في العديد من السياسات والممارسات من أجل إيلاء المواطن والوطن الأولوية على كافة الاعتبارات والتباينات والانقسامات والخصوصيات".
وبانتظار التداعيات التي ستتركها استقالة "حتي" على الحكومة مع توقعات بتوالى الاستقالات، بدأ الحديث عن بحث لإيجاد بديل له، على أن يتولى زميله وزير البيئة والتنمية الإدارية، دميانوس قطار، مهمة الخارجية مؤقتا، إلى حين تعيين خلفا له.
وفي هذا الإطار، قال مسؤول الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور لـ "العين الاخبارية" إن استقالة حتي "تشكل اهتزازا كبيرا في صورة الحكومة ووضعها وتضيف مشكلة إلى مشكلاتها التكوينية المتعلقة بانعدام قدرتها على الإصلاح وفشلها في مواجهة الأزمة المالية وعدم قدرتها على إخراج ابلاد من الوضع المأساوي الذي يعانيه".
ولا يستبعد جبور أن تشكل الاستقالة عدوى باتجاه استقالات أخرى، مؤكدا أن "موقع وزارة الخارجية ليس تفصيلا، إنما هو وجه الحكومة أمام المجتمع الدولي، وبالتالي تشكل ضربة قوية تضاف للضربات الأخرى التي تلقتها الحكومة نتيجة ممارساتها".
وأكد على أن "عمق الاستقالة أنها رسالة من وزير أساسي في الحكومة بأنها غير منتجة وغير فعالة وبالتالي تشكل خطوة على طريق استقالة الحكومة ونهايتها".
وفي 11 فبراير/شباط الماضي، صادق البرلمان اللبناني على حكومة دياب على وقع احتجاجات وحراك شعبي أمام مقر المجلس رافضا لها لكونها لا تحقق مطالب رفعوها بتشكيلها من اختصاصيين ومستقلين.
ولاقت حكومة دياب رفضا من المعارضة السياسية والشارع المنتفض على حد سواء، واستمرت الاحتجاجات المطالبة باستقالته.
وجاء تكليف دياب بعد حوالي شهرين ونصف الشهر على الانتفاضة الشعبية التي أدت إلى استقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي رفض بدوره القبول بإعادة تكليفه ما لم تكن حكومة تكنوقراط.
وبدأت الاحتجاجات الشعبية في لبنان 17 أكتوبر/تشرين الأول للمطالبة بتشكيل حكومة إنقاذ من التكنوقراط وإجراء انتخابات نيابية مبكرة وخفض سن الاقتراع إلى 18 عاماً ومعالجة الأوضاع الاقتصادية واسترداد الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين.
aXA6IDMuMTQ1LjM4LjY3IA== جزيرة ام اند امز