خوفا من "أوكرانيا جديدة".. "الحياد" فرصة لبنان الأخيرة
أصبح الابتعاد بلبنان عن مأساة مشابهة لسيناريو أوكرانيا هو الشغل الشاغل للنخبة بهذا البلد وأن يكون التغيير داخليا وليس مفروضا من الخارج.
ساعات حاسمة كانت هي عمر مؤتمر الحياد اللبناني، الذي جمع نخبة من مفكري هذا البلد والعالم ومراكز الأبحاث الإقليمية والدولية لبحث أهمية تطبيقه في بيروت.
مؤتمر مميز عقد برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي، وحمل رسائل دعم لهذا الخيار من عضوين في الكونجرس الأمريكي، ورسالة دعم عربية إماراتية وجهها رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالمجلس الاتحادي الإماراتي الدكتور علي النعيمي.
وتركزت محاور المؤتمر حول طبيعة التعديلات المنتظرة بالقوانين اللبنانية لضمان إقرار الحياد، والضمانات الإقليمية والدولية لتحقيق هذا المبدأ، وأهمية عقد مؤتمر دولي وتطبيق القرارات الدولية، وصولا للحديث عن قدرات الجيش اللبناني وكيفية تحويله لمنظومة دفاعية.
مؤتمر دولي للبنان
ورحب المشاركون في مؤتمر الحياد بمطالب البطريركية المارونية عقد مؤتمر دولي من أجل لبنان، يسعى إلى تنفيذ مقررات مجلس الأمن الخاصة بلبنان كاملة وليس على مراحل، وحل قضية اللجوء الفلسطيني والسوري، ويساعد في إعادة تكوين السلطة والدولة المدنية والتدقيق المالي والجنائي الكامل.
واعتبر عدد من المشاركين أن الوضع الدولي أصبح مهيأ أكثر لقبول حياد لبنان، خاصة بعد الحرب الأوكرانية والحديث علانية عن فرض الحياد على كييف تماماً كما جرى في فنلندا بعد الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة.
وأكدوا أن حياد لبنان أصبح ضرورة والعمل للوصول إلى مجتمع تعددي يحفظ حقوق المجموعات الحضارية وينادي باقتصاد منتج.
وأوضحوا كذلك أن لبنان ليس متروكاً بل إن ازدهاره سُرق نتيجة حروب الآخرين على أرضه وخسر الحياد نتيجة السماح للأجانب بالتدخل في شؤونه ما أوصله إلى الخط الأحمر في الواقع الاقتصادي والاجتماعي.
الإنقاذ الكبير
وخلال المؤتمر، تحدث المطران سمير مظلوم ممثّلا عن البطريرك بشارة الراعي، عن أنّ “فكرة الحياد التي يطرحها البطريرك الماروني ليست جديدة، بل هي ملازمة لكيان لبنان الحديث منذ نشأته، ومرافقة لتاريخه في كل مراحله".
وأضاف: "هذا التاريخ يعلمنا أنه في كل مرة ابتعد اللبنانيون عن الحياد عرضوا كيانهم ووجودهم للخطر.. والمطلوب الآن ليس إدخال فكرة الحياد إلى النظام اللبناني بل استعادتها بعد أن فقده أبناء هذا البلد بسبب تعدد انتماءاتهم الخارجية”.
مظلوم أشار إلى أن "العودة إلى الحياد يرى فيها الراعي مدخلا لعملية إنقاذ كبرى وشاملة يشارك فيها بحزم وحسم المجتمع الدولي".
ورأى أن المطالبة بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان ليس استجداء لتدخل الخارج في شؤونه، بل هي حق له كونه عضوا مؤسسا في منظمة الأمم المتحدة وفي جامعة الدول العربية، والهدف منه تطبيق القرارات الدولية التي تمنع تدخل بعض الدول الإقليمية في شؤونه، وتساعده على استعادة سيادته وحقوقه كاملة.
ونبه إلى أن “البطريركية المارونية لعبت دورا أساسيا في نشوء فكرة لبنان كوطن للتعددية والعيش المشترك، وواكبته في مساره التاريخي منذ انطلاقته"، متسائلا: هل تستطيع هذه البطريركية أن تتنكر لهذا التاريخ وتتنازل عن هذا الدور؟
تعزيز التعايش
وشهد المؤتمر مداخلة لرئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالمجلس الوطني الاتحادي الإماراتي، الدكتور علي النعيمي، أكد فيها أن حياد لبنان يمثل ضرورة ليس فقط بالنسبة إلى لبنان إنما للمنطقة بأسرها".
وقال: "نبني في الإمارات جسور من المحبة والاحترام بغض النظر عن الطوائف والأديان.. نحن بحاجة إلى أن نرى بيروت منصة للمنطقة لتعود إلى ما كانت عليه كواحة سلام للمنطقة".
ودعا النعيمي إلى تبني رؤية وبرامج تتلاقى مع أهداف المؤتمر "فنحن بحاجة إلى مبادرات تعزز التعايش في المنطقة"، مؤكدا أن مصلحة اللبنانيين واحدة وهي في الحفاظ على المصالح العليا للبلاد بعيدا عن المزايدات والاختطاف الخارجي.
وشدد على دور القيادات الدينية في جمع الكل تحت مظلة القيم السامية المشتركة التي تبني جسور من الثقة والاحترام والمحبة بين مختلف البشر.
اتفاق الطائف
وعلى هامش المؤتمر، قال النائب اللبناني المستقل نعمة فرام إن نجاة لبنان من "مصير الزوال" يعتمد على الالتزام بتطبيق اتفاق الطائف.
وأضاف أن لبنان بإمكانه العودة إلى اعتماد سياسة الحياد من أجل استعادة دوره السابق.
واتفاق الطائف هو اتفاق شمل الأطراف المتنازعة في لبنان وأقر في مؤتمر استضافته السعودية في سبتمبر/أيلول 1989 في مدينة الطائف، منهياً الحرب الأهلية اللبنانية وذلك بعد أكثر من 15 عاماً على اندلاعها.
ويعتمد اتفاق الطائف الهوية العربية والانتماء العربي كأساس للعيش المشترك.
وأوضح فرام أن أطرافا لبنانية أخذت البلد إلى محور لا يشبهه وهذا أمر مدمر أوصلنا إلى هذه الحالة، محذرا من الاستمرار بهذا الأمر لأنه سيؤدي بهذا البلد إلى الزوال.
وأشار إلى الدور الذي يلعبه حلفاء إيران في لبنان ما أدى إلى شبه قطيعة مع محيطه العربي، ودفعه إلى التخلي عن حياده الذي كان ضمانا لدور بيروت في المنطقة.
وشدد فرام على أن لبنان لا يعود إلى مكانته إلا عبر استعادة حاضنته ووجهه العربيين وعلاقاته محيطه الطبيعي، لافتا إلى أن هذا الأمر ليس صعبا بل يتحقق بمجرد العودة إلى تطبيق اتفاق الطائف بدقة.
بدوره أكد رئيس "حزب الوطنيين الأحرار" كميل شمعون أنه لا يمكن تطبيق الحياد في لبنان في ظل وجود سلاح حزب الله، داعيا المجتمع الدولي للضغط على إيران للوصول إلى إنهاء وجود هذا السلام.
وقال شمعون في حديث لـ "العين الاخبارية": "الحياد ضرورة بالنسبة إلى لبنان إنما في الوقت الحاضر قد يكون تحقيقه صعبا بعض الشيء كما أن تطبيقه يحتاج لبعض الضغوط الدولية وتحديدا تجاه إيران لأن العقبة الأساسية في هذه القضية هي السياسة الإيرانية بالشرق الأوسط".
وفيما اعتبر شمعون أن حزب الله وسلاحه يهددان السلم الأهلي اللبناني، أضاف: "لذا نقول لا بد من ممارسة المزيد من الضغوط على طهران لأن الحزب باعتراف مسؤوليه لا يتلقى أوامر إلا من إيران وهذا ما يقرّ به مسؤولوه".
من هنا شدد شمعون على أنه لا يمكن "تطبيق الحياد في ظل استمرار وجود سلاح حزب الله الذي يجب أن يكون بيد الشرعية اللبنانية والجيش".
أما مستشار الرئيس اللبناني الأسبق ميشال سليمان الكاتب والمحلل السياسي بشارة خيرالله فرأى فوصف الحياد بأنه "ضرورة استراتيجية"، قائلا: "يجب اتخاذ إجراءات من السلطة والقوى اللبنانية تحقيقها للوصول لمرحلة الحياد".
وأضاف لـ"العين الإخبارية: "أبرز هذه الأسس هي تطبيق القرارات الدولية وتطبيق ما اتفق عليه بالحوار الوطني أثناء مرحلة رئاسة ميشال سليمان وسمي إعلان بعبدا الذي دعا للحيادو عندما نطبق هذه الشروط يمكننا عندها الوصول إلى تطبيق الحياد في الأمم المتحدة ومجلس الأمن".
وأكد أن لبنان الرسمي اليوم ذهب إلى محور دمر لبنان (إيران وأذرعها) لكن الشعب لا يريد المحور الجهنمي التدميري ولن يتم الاستسلام له.
كانت العاصمة اللبنانية بيروت قد احتضنت السبت، فعاليات مؤتمر "استعادة الحياد" الذي رعاه البطريرك الماروني، بشارة الراعي ونظمته اللجنة الدولية لأجل لبنان والاتحاد المسيحي العالمي، وتركز على مخاطر السلاح خارج الدولة وفوائد الحياد للبنان.
aXA6IDMuMTI5LjI0OS4xNzAg جزيرة ام اند امز