استئناف العلاقات السعودية الإيرانية.. الجميع رابحون
مكاسب بالجملة يحققها اتفاق السعودية وإيران على استئناف علاقاتهما الدبلوماسية، تصب جميعها في صالح دعم أمن واستقرار وازدهار المنطقة.
اتفاق تضمن خارطة طريق متكاملة تضع أسس "مستقبل مشرق" للبلدين والمنطقة، تقوم على تعزيز التعاون الدبلوماسي والسياسي والأمني والاقتصادي والعمل على تعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.
وبعد 7 سنوات من إعلان السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، توصل البلدان، اليوم الجمعة، إلى اتفاق، برعاية صينية، يقضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.
سياسة حكيمة
خطوة مهمة تترجم على أرض الواقع سياسة وتوجهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، الحكيمة الهادفة لدعم وأمن واستقرار المنطقة، وتصفير الخلافات.
ولطالما وصفت القيادة السعودية إيران بأنها "جارة للأبد"، وأكدت أهمية التعاون معها، شريطة تغيير سلوكها.
وسبق أن قال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، خلال الخطاب الملكي السنوي أمام مجلس الشورى في ديسمبر/كانون الأول 2021، إن إيران دولة جارة للمملكة، ونأمل أن تغير من سياستها وسلوكها السلبي في المنطقة، وأن تتجه نحو الحوار والتعاون.
في السياق نفسه، قال الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، في تصريحات له في مارس/آذار الماضي، عن إيران: "إنهم جيراننا، وسيبقون للأبد، ليس بإمكاننا التخلص منهم، وليس بإمكانهم التخلص منا، لذا فإنه من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سُبل لنتمكن من التعايش".
وكشف آنذاك عن مناقشات جارية بين البلدين للوصول لسبل التعايش، معربا عن أمله الوصول "لموقف يكون جيدًا لكلا البلدين، ويشكل مستقبلًا مشرقًا للسعودية وإيران".
أيضا فإن رعاية الصين لهذا الاتفاق المهم يأتي تتويجا للسياسة السعودية الحكيمة بتعزيز العلاقات مع الصين والتي توجت باستضافة السعودية ديسمبر/كانون الأول الماضي 3 قمم مع الصين، هي القمة السعودية الصينية، والقمة الخليجية الصينية الأولى "قمة الرياض الخليجية الصينية للتعاون والتنمية"، والقمة العربية الصينية الأولى "قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية"، بمشاركة الرئيس الصيني شي جين بينغ.
كذلك فإن رعاية الصين لهذا الاتفاق المهم يرسل برسالة مهمة للمنطقة والعالم عن الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه الصين في دعم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وساطة تؤكد أن تعددية الأقطاب في العالم أصبحت أمرا لا رجعة عنه، وأن السعودية نجحت في بناء شراكات استراتيجية متوازنة مع أقطاب العالم واستثمارها لدعم أمن واستقار المنطقة وتعزيز التعاون لمواجهة التهديدات والتحديات الجديدة.
كما أسهم بدعم تلك الخطوة -بشكل غير مباشر- دبلوماسية بناء الجسور الإماراتية الساعية لتعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة، والتي أثمرت تقدما ملموسا على طريق العلاقات بين الإمارات وإيران، بعد إعادة أبوظبي في أغسطس/آب الماضي سفيرها سيف محمد الزعابي إلى طهران بعد 7 سنوات من إعلانها تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إيران وسحب سفيرها بطهران تضامنا مع السعودية.
كذلك كان لجمهورية العراق وسلطنة عمان دور بارز في التوصل لهذا الاتفاق عبر استضافتهما جولات الحوار التي جرت بين السعودية وإيران خلال عامي 2021م - 2022م، في رسالة واضحة على الدبلوماسية الحكيمة للبلدين الداعمة للأمن والاستقرار.
وكانت السعودية قد أعلنت في 3 يناير/كانون الثاني 2016 قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران إثر اعتداءات على سفارة الرياض في طهران وقنصليتها في مشهد.
واستضافت العراق وسلطنة عمان جولات مباحثات بين الرياض وطهران عامي 2021 و2022، لبحث قضايا عالقة بين الجانبين لتمهيد الأجواء لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، قبل أن تتوج تلك المباحثات بإعلان عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين برعاية صينية اليوم الجمعة.
اتفاق مهم
وبوساطة صينية، أعلنت المملكة العربية السعودية وإيران التوصل إلى "اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران".
ويتضمن الاتفاق " تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".
واتفق الجانبان أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.
كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة في 22 / 1 / 1422هـ، الموافق 17 / 4 / 2001م والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة بتاريخ 2 / 2 / 1419هـ الموافق 27 / 5 / 1998م.
وأعربت كل من السعودية والصين وإيران في بيان مشترك عن حرصهم على "بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي".
جاء التوصل لهذا الاتفاق بعد مباحثات بين الجانبين جرت في بكين خلال الفترة من 6 - 10 مارس/آذار الجاري.
وانطلقت المباحثات استجابةً لمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ بدعم الصين لتطوير علاقات حسن الجوار بين المملكة العربية السعودية وإيران، وبناءً على الاتفاق بين الرئيس شي جين بينغ وكل من قيادتي المملكة العربية السعودية وإيران، بأن تقوم الصين باستضافة ورعاية المباحثات بين المملكة العربية السعودية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ورغبة منهما في حل الخلافات بينهما من خلال الحوار والدبلوماسية في إطار الروابط الأخوية التي تجمع بينهما، والتزاماً منهما بمبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، والمواثيق والأعراف الدولية.
وقد أعرب الجانبان السعودي والإيراني عن تقديرهما وشكرهما لجمهورية العراق وسلطنة عمان لاستضافتهما جولات الحوار التي جرت بين الجانبين خلال عامي 2021م - 2022 م.
كما أعرب الجانبان عن تقديرهما وشكرهما لقيادة وحكومة جمهورية الصين الشعبية على استضافة المباحثات ورعايتها وجهود إنجاحها.
خارطة طريق متكاملة
تضمن البيان خارطة طريق متكاملة لعلاقات أخوية مستدامة بين السعودية وإيران، تتضمن أسسا تقود لـ"مستقبل مشرق" للبلدين والمنطقة، حال تم الالتزام بما تم الاتفاق عليه.
فعلى الصعيد الدبلوماسي، اتفق البلدان أن يعقد وزيرا خارجيتهما اجتماعاً لتفعيل استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.
وكون الشق الأمني والاقتصادي يعزز الجانب الدبلوماسي، ويؤسس لعلاقات مستدامة ، فقد اتفق البلدان على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة إبريل، نيسان 2001م والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة مايو/ آيار 1998م.
وإلى جانب تحديد مجالات التعاون كان من الأهمية إعادة التأكيد على مبادئ وتوجيهات عامة بشأن السياسة الخارجية للبلدين كضمان لنجاح الاتفاق، يأتي على رأسها "احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية"، و"بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي".
مكاسب عديدة
تطبيق بنود الاتفاق على أرض الواقع، يعني تحقيق مكاسب بالجملة للبلدين والمنطقة والعالم، من أبرزها:
- تحسين العلاقات بين البلدين سيسهم في خفض أجواء التوتر في المنطقة وحل القضايات العالقة عبر الطرق الدبلوماسية وترسيخ مفاهيم حسن الجوار، الأمر الذي سيسهم في دعم أمن واستقرار المنطقة.
- عودة العلاقات بين البلدين ستسهم في تقريب وجهات النظر في القضايا المتباينة، وترجيح الحلول الدبلوماسية السلمية لأزمات المنطقة وعلى رأسها الأزمة اليمنية.
- ستسهم تلك الخطوة في دعم الاستقرار في العديد من الدول التي كانت تتأثر بخلافات البلدين.
لبنان وبارقة الأمل
ومن أبرز تلك الدول لبنان، حسبما أكد وزير خارجيتها الدكتور عبدالله بوحبيب، الذي قال في تغريدة عبر حساب وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان: "إن اتفاق السعودية وإيران، على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، ستترك أثرها الإيجابي على مجمل العلاقات الإقليمية في المرحلة المقبلة".
وأضاف أن لبنان لطالما دفع في تاريخه وحاضره أثمان الخلافات الإقليمية، وعليه ينعقد الأمل بأن تساهم هذه الخطوة في تعزيز ركائز الأمن والاستقرار بالمنطقة، وتوطيد التعاون الإيجابي البناء الذي سيعود حتما على دول المنطقة وشعوبها والعالم بالمنفعة.
- سيسهم مناخ حسن الجوار في استقطاب المزيد من الاستثمارات للمنطقة، بما يسهم في نشر الرخاء والازدهار في دول المنطقة.
- ترسل تلك الخطوة رسالة أمل للعالم حول أهمية تعزيز الحوار وإرساء السلام في توقيت يموج بالصراعات، لا سميا على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت عامها الثاني، وتلقي بتداعياتها على العالم أجمع.