ارتبط الدقي الآن بحزب الأمة، الذي يقوده حكيم المطيري، الكويتي الذي لا تختلف أفكاره عن أفكار «القاعدة» أو «داعش».
لقد شاهدت قبل بضعة أيام تغريدة لـ«حزب النهضة»، أكبر حزب سياسي إسلامي في تونس، يظهر فيها زعيم الحزب راشد الغنوشي، وهو مجتمِع مع أليستير بيرث، الذي أعيد تعيينه مؤخراً وزيراً للشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث.
وخلال عملي في وزارة الخارجية والكومنولث ببريطانيا، عملت عن كثب مع أليستير، وأكنّ له الاحترام والتقدير، كما أنني أحترم الغنوشي، الذي جلست وتحدثت معه مطولاً في تونس خلال صيف عام 2014؛ وذلك عندما كنت أعمل على كتابة مراجعة عن «الإخوان المسلمين» للحكومة البريطانية.
ومن قبيل الصدفة، شاهدت مقابلتين تم تصويرهما مؤخراً مع أحد القادة الإسلاميين. الأولى كانت مقابلة أجرتها مؤسسة بروكينجز مع علي البيانوني، المراقب العام السابق لـ«الإخوان المسلمين» في سوريا، والمعارض السياسي الإسلامي المقيم بالمنفى في لندن؛ حيث أجرى معه المقابلة اثنان من أبرز الباحثين في مجال الإسلام السياسي، وهما: شادي حامد، وويل ماكانتس.
وكانت المقابلة الثانية، التي تعود إلى عام أو أكثر، عبارة عن مناقشة طويلة وحيوية تتطرق لعدة محاور، أجراها الناشط الإسلامي الفلسطيني المقيم بالمنفى عزام التميمي مع الإماراتي حسن الدقي، الذي كان عضواً بارزاً بـ«جماعة الإصلاح ومجلس الشورى الدولي» لجماعة «الإخوان المسلمين». ويرتبط الدقي الآن بحزب الأمة، الذي يقوده حكيم المطيري، الكويتي الذي لا تختلف أفكاره عن أفكار تنظيم «القاعدة» أو تنظيم «داعش»، كما قيل إنه يقدم الدعم المالي لـ«أحرار الشام»، التي تعد واحدة من أكبر الميليشيات الإسلامية في سوريا.
في العام الماضي، كانت هناك تقارير تشير إلى أن «حركة النهضة» تعيد تشكيل نفسها؛ لتصبح حزباً سياسياً طبيعياً، وتتبرأ من صلتها بجماعة «الإخوان المسلمين». لقد كانت حركة ذكية؛ لكن لا يزال من غير الواضح ما يعنيه ذلك بالضبط، خصوصاً بالنظر إلى مكانة الغنوشي البارزة في دوائر جماعة «الإخوان المسلمين».
لقد طُرحت على البيانوني مجموعة من الأسئلة المستأنسة على غرار «هل تود أن تخبر المشاهدين عن إنجازاتك؟»، في حين كان الدقي يتحدث مع إسلامي سني آخر متعاطف مع الخطاب الإسلامي. وهذا ما دفعني للتفكير بالهدف والفائدة المرجوة من المشاركة الغربية مع الإسلاميين السياسيين. لطالما كان ذلك الأمر سؤالاً صعباً؛ نظراً لطبيعة الإسلام السياسي الذي هو في أحسن الأحوال أيديولوجية اجتماعية ثورية. وكان هذا الأمر يثقل كاهل الدبلوماسي جيمس هيورث دان وزملائه في السفارة البريطانية في القاهرة في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.
وأصبح هذا الموضوع قضية شائكة في السنوات الخمس الماضية في أعقاب «الربيع العربي»، مع ظهور اختلافات جوهرية بين الأعضاء الرئيسين في الدول وغيرها من الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة على هذه النقطة بالتحديد.
ومعظم محادثات الحكومة البريطانية مع «الإخوان المسلمين» و«حزب الله» و«حماس» والحوثيين وحتى إيران خلال السنوات الأخيرة كانت من باب اعتقادنا بأننا نستطيع التأثير على تفكير الإسلاميين السنة والشيعة على حد سواء. وفي البرلمان الماضي، حثت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني في تقريرها حول الإسلام السياسي و«الإخوان المسلمين»، وزارة الخارجية على التعامل مع الإسلاميين السياسيين وتشجيعهم على تبني معتقدات أكثر ليبيرالية.
سأكون سعيداً في حال صححت لجنة الشؤون الخارجية معلوماتي؛ لكنني لا أستطيع التفكير بمثال واحد استطاعت فيه الدبلوماسية الغربية من تغيير موقف أي حزب إسلامي سياسي.
لكن قراراتنا العلنية بالتعامل مع جماعة «الإخوان المسلمين» بعد عام 2000 والدخول بمحادثات دبلوماسية مع الجناح السياسي لـ«حزب الله» في عام 2008 لم تسفر عن أي تغيير في تفكيرهم. وبدلاً من ذلك كنا نعيد صياغة قراراتنا لتفادي رد فعل سلبي من «حزب الله» في لبنان؛ حيث فشلنا بإدانة عمليات الاغتيال الفظيعة التي قام بها التنظيم لتصفية خصومه مثل اغتيال وسام الحسن، رئيس شعبة المعلومات التابع للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، في عام 2012، واغتيال محمد شطح، الدبلوماسي ووزير المالية السابق، في عام 2013.
ومرة أخرى، فإن محاولاتنا العرضية لتغيير تفكير أحمد الفرطوسي، زعيم ميليشيا شيعية متشددة و«حزب الله» اللبناني، وعلي موسى دقدوق، كبير قادة «حزب الله» ومستشار كبير لقائد «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، قد فشلت جميعها.
لقد رأيت هذا السيناريو من قبل؛ حيث يقول الناس في بعض الأحيان إننا بحاجة إلى تحديد المعتدلين داخل هذه المنظمات، وفصلهم عن زملائهم الأكثر تطرفاً. ومرة أخرى، أقول: إنه لا يمكنني التفكير في مثال واحد يشير إلى أن ذلك قد حدث فعلاً.
إنه من النادر فعلاً أن نرى ما يسمون بالمعتدلين يمثلون جوهر أي تنظيم إسلامي، وفي الصراعات نرى أن أجنحتهم المسلحة تهيمن على المشهد. وعلى أي حال، فإن معظم الجماعات الإسلامية من جماعة «الإخوان المسلمين» وما بعدها لديها تاريخ بطرد، وليس استيعاب الإصلاحيين. وغالباً ما يكون رفض الانخراط مع هذه الجماعات هو الخيار الأكثر تأثيراً.
وأخيراً، هناك قضايا اللغة، فالإسلاميون يستخدمون خطابات مختلفة بصورة سيئة لجماهير مختلفة، فقط شاهد تغطية فضائية «الجزيرة» بالعربية والإنجليزية للأحداث الكبيرة في المنطقة، وكمثال ممتاز فإن حتى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم رصدت هذا، والأهم من ذلك الواقعة التي أطلق عليها من قبل أحد المعلقين بـ «فقه المفاهيم» وهذا كان يعرف بالالتباس في القرن الـ 17.
لقد وجدت عدة نماذج من هذا النوع عندما سألت بعض «الإخوان المسلمين» أو إسلاميين آخرين شرح معنى الدول المدنية في إطار الشريعة أو الديمقراطية الإسلامية، كلاهما مفهومان شائعان، ولكن الإسلاميين يحيطون أنفسهم بالغموض بغية إخفاء نواياهم.
** نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة