أحاول في هذه الكلمة أن أتقمص شخصية المواطن القطري الشقيق، أن أكتب عن معاناته ولكن على لسانه، وبرأيه وقوله في هذا المقال.
أحاول في هذه الكلمة أن أتقمّص شخصية المواطن القطري الشقيق، أن أكتب عن معاناته ولكن على لسانه، وبرأيه وقوله في هذا المقال، بعد أن تعذّر عليه أن يبوح بآلامه، وأن يتحدث عن همومه، وأن يقول شيئاً يعبّر فيه عن آهاته، فمثلنا أن وطنه القطري مسروق من الخريطة الخليجية، ومنزوعة السلطة في البلاد من أصحاب الحق وهم المواطنون، لتُعطى للمقيمين من غير القطريين، فهو لا دخل له بما يجري في وطنه الحبيب، ولا يعرف شيئاً إلا في حدود ما تلقّنه له وسائل الإعلام القطرية، وتلك الوسائل الإعلامية المأجورة، حيث التضليل والأكاذيب، واختراق الروايات والقصص غير الصحيحة، وتغييبه عمّا عدا ذلك من ممارسات بالغة الخطورة، وشديدة التعقيد.
هذا المواطن القطري الذي يتميز بالأصالة، وحب الوطن، والإخلاص لدول المنطقة، ويتمسك بالثوابت التي ورثها أباً عن جد في احترام الجار، والتعاون معه، وعدم الإساءة إليه، هو هذا المواطن الذي وجد نفسه مقهوراً من تصرفات النظام، متألماً لأنه لا حيلة له في معالجة الأمر، فالقرار ليس بيده، والتصرف عند غيره، والخداع هو ما تروّج له السلطة لتمرير نزواتها وعبثها بأساليب فيها من المراوغة والحيل والتضليل ما جعل كل مواطن قطري يتململ من الوضع المأساوي الذي يمر به الآن، دون أن يفيق ذات يوم على حلول تنقذه من مأساته، أو تحرره من قيوده، أو تضعه على عتبة مستقبل أفضل، ونحو مبادرات تشكل نهاية لهذه التصرفات غير المسؤولة من شيوخ قطر ومن لف لفهم، ما جعله يفقد كمواطن حتى حقه في التعبير الحر عن رأيه في مشكلة بهذا الحجم الذي تمر بها بلاده.
كانت دول الخليج مطابقة لما عناها الشاعر (أنا الخليجي وافتخر) وبين هذه الدول الخليجية قطر الحبيبة قبل أن تُسلب إرادتها، وتحوّل إلى الضفة الأخرى من الخليج، واليوم (أنا القطري ولا افتخر)، فقد خسرنا كقطريين كل شيء، الأشقاء والجيران والتاريخ، وكل ما صنعناه لنكون قطريين في دولة ذات سيادة، ودولة معتبرة لدى أشقائنا، وذلك بتأثير من القوى المعادية، ولا نستطيع أن نجهر بآرائنا، أو نعبر عن مكنون ما تختزنه نفوسنا من ألم وآهات، فقد حُكم علينا أن نكون على الهامش، وبُدئ يُنظر إلينا باحتقار، ويتم التصرف بمقدرات الدولة بحسب ما يصل إلى السلطة من توجيهات ظنوا أنها من الأصدقاء، وهي -والله- من ألد الأعداء، ولا حيلة لدينا لنحتال بها لإيقاف هذه السياسة الخرقاء.
لقد فكرنا كقطريين أن نقول شيئاً، أن تصل أصواتنا إلى شيوخ قطر، إلى كل من هو نافذ منهم في تصريف أمور الدولة، غير أنه حيل بيننا وبين الوصول لهم، بل وحتى الاقتراب منهم، فلم يكن أمامنا إلا أن نتجه سراً إلى من يكتب نيابة عنا، ينقل وجهات نظرنا، يتحدث عن معاناتنا، فهذا وحده ينقذنا من غضب شيوخنا، وفي الوقت نفسه يكون صوتنا قد وصل، فلعل هذا التوجه يفعل فعله في إيجاد حل لمشكلتنا في الداخل، وعلى مستوى علاقاتنا مع جيراننا وأشقائنا، لعله يحسّن صورتنا في مجلس التعاون، وفي أي تحالفات أخرى لقطر مع غيرها، فقد بلغ تمرد بلادنا، واستهتارها، حداً لم يعد لدى الأشقاء فرص أكثر للتسامح، آخذاً بمبدأ: (عفا الله عمَّا سلف)، فقد استنفدت تسامحاتهم مرة إثر أخرى، بما لم يعد مطلوبا الاتكاء عليها.
هذه هي حالنا في قطر، حركتنا التجارية بطيئة، والغذاء جد محدود، والتواصل مع العالم أصبح في حده المحدود، ونحتاج في تنقلاتنا من الدوحة إلى دول العالم إلى مسافات أطول، وساعات أكثر، وتكاليف باهظة، ونعرف أن المسؤول عن كل هذا هو النظام القطري لا غيره، وأن أي معالجة لوضعنا لن تتم ما لم تتوقف دولتنا عن إيواء الإرهابيين، وتمتنع عن دعم وتمويل الإرهاب، وسنظل على هذا الوضع إن لم تقدم سلطة النظام على خطوات بعدم التدخل في شؤون الدول، وعدم تسليح الجماعات المتطرفة، وأيضاً إن لم تضع حداً لقناة الجزيرة التي ولد معها الإرهاب القطري، ومن برامجها تأتي المظاهرات والعنف والثورات التي كانت وبالاً على الدول العربية.
نريد أحداً يساعدنا على هزيمة كل الممارسات القطرية الخطيرة، دولاً أو قادة، إذا كان بمقدور أي منهم أن يتدخل مع النظام في قطرنا الحبيب، فقد وصلت أمور البلاد إلى الحد المفزع، وأصبحنا قضية من ليس له قضية، يتدخل في شؤوننا، ويستغلنا، ويظهر لنا غير ما يبطنه من مواقف ونوايا وتخطيط نعرف كمواطنين قطريين أن مثل هؤلاء ليسوا صادقين معنا، ولا مخلصين لقضية قطرية مع أشقائنا وجيراننا، لكنها الفتنة، والشر المستطير، والمؤامرة الكبرى، لخلق نزاعات بين دولنا، تكون انطلاقتها، وصناعتها، وتحويلها، من بلادنا، فيما ليس لنا ولا لأشقائنا مصلحة من كل هذا التحرك الدولي للدخول في أزمتنا باسم معالجتها حتى لا تتطور.
الحل يا إخواننا وأشقاءنا لن يأتي من البعيد، ولن يتحقق بتدخل من إسرائيل أو إيران أو تركيا، وحماية قطر لا تتم بعدد القواعد العسكرية، والعناصر الأجنبية، وإنما يأتي -ونشارككم الرأي- من خلال التزام بلادنا بما كان قد تم الاتفاق عليه عام 2013 ثم عام 2014 وأخيراً البنود الثلاثة عشر في عام 2017 ثم البنود الستة التي صدرت عن الرباعية، وهي تدين نظام بلادنا، وتؤكد بأن السلطة القطرية ليست على استعداد لحل مشكلتها مع جيرانها وأشقائها، وأن تأثير الإخوان المسلمين له دوره في تعقيد الأزمة، وأن الدول الأجنبية لها مصلحة في استمرار قطر في حالة نزاع وخلاف مستمر مع الدول الشقيقة.
نحن كمواطنين قطريين لا نتهرب من مسؤولياتنا ولكننا -كما تعرفون- ليس بيدنا القرار، وليس مسموح لنا بالمشاركة في وضع حلول لأزمتنا مع أشقائنا، ومن الطبيعي وقد تعذر حتى التعبير عن وجهات نظرنا، أن نمنع من أن يكون لنا صوت يساعد على إيجاد معبر سليم لها، غير أننا متفائلون بالحل، إذ لا يمكن أن نبقى في حالة صمت، ودون تحرك ينهي هذا الوضع المستمر في دولتنا، أو أن نقبل بهذه المؤامرات على حساب مستقبل دولتنا وأبنائنا، فنحن مع الأشقاء نشاركهم في همومهم، ونواجه إلى جانبهم ومعهم التحديات الحالية والمستقبلية، وننتظر الغد الأفضل، فهو قادم وإن تأخر، أو تمت مقاومته بما يتعارض مع مصلحة وطننا ومواطنينا.
ليعذرنا أهلنا في الخليج العربي، فما حدث ويحدث ليس منا، ولم يكن بموافقتنا، ولا نرضاه لكم، وهذه بلوى بُلينا بها، ومحاولة من العدو لعزلنا عنكم، لكن ثقوا بأننا على العهد ماضون ضد ما يريده نظامنا في عدم التمسك بكم أشقاء لنا، فأمننا لا يستقيم بدونكم، وأن ما يجري الآن مؤامرة علينا وعليكم، لكنها بعون الله ستكون كسحابة صيف ما تلبث أن تزول، فالنظام ليس هو قطر، والنظام ليس هو شعب قطر، فنحن أحرار وأقوياء بكم ومعكم، ونحن ماضون في التمسك بالمبادئ والثوابت التي تشرّبناها وتعلمناها أباً عن جد.
عاشت قطر حرة أبية مستقلة، يسندها الأشقاء لا الأعداء، ويقف إلى جانبها، ويعضدها إخواننا في دول الخليج، وخاب من وضعنا في الحال الذي نحن فيه، فليس هناك شبه بين الماضي والحاضر، فقد كانت قطر مصدر اعتزازنا بسياساتها، واليوم نحن نغطي وجوهنا خجلاً من سياساتنا، فقد همشنا كل سياسة مفيدة لنا، وتمسكنا بكل ما هو مضر لنا، وأصبحت أولوياتنا أن نغدر بالشقيق، ونخون الجار، ونتهرب من الاتهامات بالكذب، فيما نحن غارقون بالخيانة، لا نحفظ وداً ولا حباً لأحد من الأشقاء، فالكراهية والحقد من سياسات المسؤولين عنَّا، وليست من طبعنا.
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة