مايا الجزائرية و"متلازمة ريت".. معاناة صامتة من مرض نادر

"أملنا بالله كبير.. الحمد لله على كل شيء".. بهذه العبارات صبرت عائلة "بغداد" الجزائرية على مرض الابنة الوحيدة طوال نحو 20 سنة كاملة.
"مايا بغداد" صاحبة الـ18 عاماً التي زارتها "العين الإخبارية" في منزلها بمنطقة "الرغاية" في العاصمة الجزائرية، استقبلتنا عائلتها بترحاب كبير، و"مايا" بخجل وملامح صامتة.
لا تظهر في بنيتها الجسدية بأنها عمرها 18 عاماً، فقد شوهت مرض "متلازمة ريت" حياة "مايا"، لكنه لم يتمكن من اختراق البراءة المشعة من وجهها.
اصطحبها والدها إلى غرفة الاستقبال، وهي تقطع الخطوات بصعوبة، لم يوح جسدها بأنها وصلت مرحلة المراهقة، بدت في سن الـ10، كانت هادئة وخجولة أمام ضيف جديد في منزلها.
ورغم صعوبة المرض بل خطورته وتعدد أعراضه، فإن والدي "مايا" تحدثا بكثير من الصبر والأمل عن الحالة الصحية لابنته الوحيدة.
جرعات أمل وصبر على الابتلاء، هدأت من روع الأب والأم وابنتهما المريضة بـ"متلازمة ريت" في ظل عجز الأبحاث الطبية العالمية عن إيجاد دواء لهذا المرض النادر الذي يصيب 2 % من البنات، و1 من كل 1000 من الذكور.
مرض نادر أدخل عائلة "بغداد" الجزائرية وابنتهما "مايا" منذ 18 عاماً في صراع ومعاناة صامتين بحثاً عن دواء ثم اهتمام رسمي أو مجتمعي.
وأثر المرض على قدرات نمو "مايا" الجسدية واللغوية، وسبب لها أيضا هشاشة في العظام ونوبات صرع من حين لآخر، وأجبر والدتها المعلمة على التقاعد والمكوث في البيت لرعاية ابنتها.
وما زاد من معاناة عائلة "بغداد"، هو عدم تصنيف الجزائر "متلازمة ريت" ضمن الأمراض النادرة التي تحتاج إلى رعاية خاصة، وكذا غياب إحصائيات رسمية عن الحالات المرضية المتواجدة في البلاد، وغياب تام للجمعيات التي قد تخفف من معاناة أهالي المرضى، على غرار أمراض أخرى.
ما هو مرض "متلازمة ريت"؟
تقول والدة "مايا" لـ"العين الإخبارية" إن أطباء في أحد مستشفيات باريس أكدوا لها أن "هذا المرض ليس وراثيا، وأنه مجهول المصدر" بعد أن نقلتها إلى هناك على نفقتها بحثاً عن علاج أو رعاية خاصة.
لكن أبحاث غربية أخرى، أشارت إلى أن "متلازمة ريت" اضطراب وراثي عصبي وتكويني نادر يؤثر على طريقة تطور الدماغ، ويؤدي إلى تضخمه، فيؤدي ذلك إلى فقدان تدريجي للمهارات الحركية والكلام وهو الاضطراب الذي يؤثر في المقام الأول على الفتيات، تماماً مثل حالة البنت الجزائرية "مايا".
والدة "مايا" كشفت لـ"العين الإخبارية" أيضا أن أعراض المرض ظهرت للمرة الأولى على ابنتها في الشهر السادس من عمرها، وهو ما تؤكده الأبحاث الطبية، والتي تذكر بأن هذا المرض النادر يتطور في جسم الأطفال في سن مبكرة، وتبدأ بتأثيرات في القدرة على الزحف والمشي والتواصل واستخدام اليدين.
ثم تتطور الأعراض بشكل متزايد، خصوصاً في استخدام العضلات المتحكمة في الحركة والتوازن والتواصل، وتؤدي أيضا إلى تشنجات عضلية وإعاقات ذهنية، وحركات يد غير طبيعية بينها تكرار حركة التصفيق.
أبحاث أخرى، رجحت أن يكون المرض ناجماً عن مرحلة "ما بعد الإصابة بعدوى فيروسية"، مثل "الإنفلونزا الموسمية"، وتبدأ أعراض "متلازمة ريت" بعد 5 أيام من شفائهم من الفيروس وفق دراسات طبية أخرى.
فيما تتفق كل الأبحاث على وجود حالات كثيرة ومختلفة لـ"متلازمة ريت"، وهو ما صعب على الأطباء والباحثين مهمة إيجاد علاج نهائي لهذا المرض النادر.
أعراض كثيرة
ولمرض "متلازمة ريت" أعراض كثيرة، تختلف من مصاب لآخر، منها نوبات الصرع، وهشاشة العظام، والتوحد، والشلل الدماغي، واضطرابات مختلفة بينها التي تتسبب في تلف المخ أو الجسد أو الاضطرابات الأيضية، وتلف في الدماغ قبل الولادة، ومشاكل في السمع والبصر.
بالإضافة إلى ضياع كامل أو جزئي لقدرات اليد على أداء وظائفها، وضياع كامل أو جزئي للقدرة على الكلام، وصعوبات في المشي مثل عدم القدرة على المشي أو مواجهة مشاكل أثناء ذلك.
مع تكرار حركات اليد اللاإرادية مثل العَصر والقبض والتصفيق أو النقر، ووضع اليد في الفم، أو فرك اليدين.
وتلجأ مختلف المستشفيات لاعتماد اختبارات محددة على الأطفال للتأكد من حقيقة المرض، أبرزها اختبار وراثي من خلال تحليل الحمض النووي، واختبارات البول والتصوير بالرنين المغناطيسي أو التصوير المقطعي، واختبارات أخرى على السمع والعينين ونشاط المخ.
قصة مايا
وهي تتوسط والديها، شرعت والدة "مايا" في سرد قصة ابنتها الوحيدة لـ"العين الإخبارية" مع مرض "متلازمة ريت" النادر، قالت إنها كانت طبيعية عندما كانت رضيعة إلى غاية شهرها السادس، بدأت علامات المرض تظهر عليها، وتبدأ معها رحلة معاناة العائلة برمتها، وتغير نمط حياتها وأولوياتها.
أول الأعراض التي ظهرت على "مايا" كما ذكرت والدتها "نوبات الصرع ناجمة عن أسباب متعلقة بالجينات، لم نكن نعرف هذا المرض، تنقلنا بها من مستشفى لآخر في العاصمة، أبلغنا الأطباء حينها باحتمالية زوال نوبات الصرع مع مرور الوقت، لأن طبيعة المرض لم تحدد بعد في ذلك الوقت".
وتابعت: "لكن مع مرور الأيام زادت أعراض المرض على مايا خصوصاً نوبات الصرع التي وصلت في بعض الأحيان إلى 6 نوبات يومياً، قبل أن يؤكد لنا طبيب أخصائي بأن هذه العلامات مؤشر على مرض متلازمة ريت".
والدة "مايا" باتت ملمة بطبيعة مرض ابنتها مع مرور السنوات، حيث أثر المرض على كلام "مايا" ومشيتها وحركاتها وتأخر عقلي في النمو الجسدي، وتأثيرات جانبية أخرى مثل هشاشة العظام، واعوجاج في العمود الفقري، وتأثير على المضغ، ونوبات من الضحك، وأحياناً بكاء صامت دون دموع".
الوالدة كانت معلمة والوالد مهندس معماري، ما يعني أن وقت مكوثهما مع ابنتهما التي تحتاج لرعاية واهتمام خاصين كان محدودا.
ذكر والد "مايا" بأنه في السنوات الأولى من مرضها كانت عمته هي الملجأ لهما وقت عملها، حيث اعتنت بها، مضيفاً: "أصبحنا نضعها بعد ذلك عند مربيات الأطفال".
هنا، قاطعت والدة "مايا" زوجها لتكشف عن صعوبة أخرى واجهتهما مع مربيات الأطفال، إذ تحدثت عن رفض بعضهن التكفل بها "لعدم تحمل مسؤوليتها في ظل مرضها النادر".
لم تجد بعدها عائلة "بغداد" أمام هذه الصعوبات سوى التضحية من حين لآخر بساعات عملهما خصوصاً الوالد الذي ساعد زوجته المعلمة في الاعتناء بها فترة عملها، إلى أن أجبرها مرض ابنتها في الحصول على التقاعد النسبي بعد 24 عاماً من التدريس.
رحلة العلاج
وتطرقت والدة "مايا" في حديثها مع "العين الإخبارية" إلى تنقل نجلتها إلى فرنسا بعد أن اكتشف طبيب مختص بمستشفى "بارني" في الجزائر العاصمة طبيعة مرض ابنتها والجين المسؤول عن طبيعة "متلازمة ريت" وهو "الكروموسوم X Y".
ولعدم وجود أبحاث في الجزائر عن طبيعة هذا المرض النادر، تنقلت عام 2013 برفقة ابنتها على نفقتها الخاصة إلى أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس بعد أن تواصلت مع جمعية فرنسية مهتمة بحالات "متلازمة ريت" في العالم وتجمع تبرعات لإيجاد علاج لهذه المتلازمة النادرة والخطرة، وهي الجمعية التي ساعدتها كثيرا في التعرف أكثر على طبيعة المرض وطرق التعامل معه.
أشرفت طبيبة فرنسية برفقة 4 ممرضين بعدها على إعادة متابعة حالة "مايا" بإجراء كل الاختبارات والتحاليل اللازمة للتأكد من طبيعة مرضها، قبل أن تعود إلى الجزائر لمواصلة رحلة علاج "مايا" مع عدد من الأطباء في مستشفيات العاصمة.
تهميش رسمي
والدة "مايا" كشفت أيضا لـ"العين الإخبارية" عن "عدم وجود اهتمام في الجزائر بهذا النوع من ذوي الاحتياجات الخاصة، خصوصاً الذين يعانون من تخلف عقلي، ويقتصر الاهتمام على الطفل الذي يكون مستقلا بنفسه حوالي 50 %، بمعنى يمارس بعض احتياجاته الخاصة كأن يأكل بشكل عادي أو يجلس أو يقضي حوائجه ويتكلم".
ووصل الأمر ببعض العائلات الجزائرية في ظل التهميش وانعدام فرص العلاج لـ"التستر على مرض ابنته" وفق ما أكدته والدة "مايا"، حتى إن البعض منهم يجهل طبيعة المرض.