واقع الحال يثبتُ أنَّ المؤتمر الدولي الذي عقدته دمشق لمناقشة عودة اللاجئين السوريين لم يكن إلا خطاباً سياسيًّا لا يمكن تحويله إلى واقع.
تعدُّ قضية اللجوء من أهم القضايا والنتائج التي تفرضها ظروف الحرب, لما لها من منعكساتٍ سلبيّةٍ على كلٍّ من بلد الهجرة الذي يخسر الموارد البشرية المهمة من شبابٍ وأدمغةٍ ورؤوس أموالٍ, وعلى البلد المضيف الذي يعاني الكثير في سبيل تأمين تلك الأعداد الضخمة من مسكن وعمل وتعليم, بالإضافة إلى المعاناة من الاندماج الذي يتطلب جهوداً وخططاً كبيرة, لا سيّما في قضية مثل قضية اللاجئين السوريين ذوي الثقافة الاجتماعية والحياتية العربية المسلمة في مجتمعٍ كالمجتمع الأوروبي, فالدول الأوروبية هي المستضيف الأكبر للاجئين السوريين, كلّ ذلكَ يجعل من إيجاد حلٍّ للجوء وإعادة اللاجئين مطلباً ملحِّاً سواء لبلد الهجرة أو البلد المستضيف, وعلى هذا المبدأ دعت الحكومة السورية لانعقادِ ذلك المؤتمر منذ أيامٍ قليلةٍ, ولكن واقع الحال يثبتُ أنَّ هذا المؤتمر لم يكن إلا خطاباً سياسيًّا لا يمكن تحويله إلى واقع وذلك لعدة أسبابٍ:
أولاً: العزلة التي تعيشها سوريا: فعلى الرغم من أنّ المؤتمر حظي برعاية روسيّة وبعضٍ من الرعاية العربية, إلا أنَّ ذلكَ لم يكن ليعطيه الزخم اللازم لنجاحه في ظل العزلة التي تعاني منها الحكومة السورية, لا سيّما بغيابِ ورفض كلٍّ من الاتحاد الأوروبي المستضيف الأكبر للاجئين السوريين, وكذلك الرفض الأمريكي الذي يرى أنّ المؤتمر مجرد محاولة كسر للعزلة فيما لو دخلت الوفود المشاركة الأوروبية والعربية من بوابة المؤتمر إلى دمشق, وهو الأمر الذي لا يمكن حدوثه دون تسوية سياسية وفق مرجعيات الأمم المتحدة وخاصة القرار الأممي رقم 2254, بالإضافة إلى أنّ الرعاية الروسية للمؤتمر لا تشكل دفعةً قويّةً وهي المتهمة من قبل الدول المستضيفة بأنّ أعمالها العسكرية ودعمها للحكومة عسكريًّا، هما ما دفع السوريين للجوء والهجرة, فكلُّ ذلكَ أفرغ المؤتمر من مضمونه على المستوى الدولي فتحول به إلى مجرد بيانٍ وخطابٍ لا رؤية واقعية لحل القضية.
ثانياً: الأوضاع الداخلية السورية: من المعلوم لأي مراقبٍ للملف السوري بأنّ ما دفع السورييّن للجوء هو تضافر عدّة عوامل لا يمكن معها للسوري أنْ ينعم بحياةٍ هادئةٍ ومستقرّةٍ, وأهمّ تلك العوامل تتمثل بالأعمال العسكرية والنزاع المسلح، بالإضافة إلى دمار البنى التحتية من خدماتٍ وكهرباء ومدارس, فضلاً عن تردي الأوضاع الاقتصادية وشح الموارد, وهي العوامل التي لم يحلَّ أيٌّ منها على الساحة السورية, بل على العكس فإنها تفاقمت أكثر وأكثر على الرغم من أنّ وتيرة الأعمال العسكرية قد تراجعت بشكل ملحوظ وكبير, ولكنّ الأسباب الأخرى ما زالت قائمة بل إنها في تزايدٍ وكل يوم تتفاقم أكثر, فالساحة السورية منقسمة إلى مناطق نفوذ دولية لا تعرف الاستقرار, كما أنّ الدولة السورية عاجزةٌ عن إعادة البنى التحتية حتى في مناطق سيطرتها, والأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً في ظل عقوبات أمريكية وغربية وبخاصة بعد قانون "قيصر" فحولت المواطنين السوريين إلى طوابير الخبز والمحروقات التي ينتظمون بها لساعات طويلة من أجل رغيف خبز ولترات معدودة من الوقود التي يعجز أغلب السوريين عن دفع أثمانها أصلاً, عدا عن أزمة الدواء الخانقة, وهي في واقع الأمر أوضاع تدفع بسوريِّي الداخل إلى السعي ودفع كل ما يملكون من أجل مغادرة البلاد, ولا تحمل أي لاجئٍ ومهما كانت ظروف اللجوء من الصعوبة على العودة .
خلاصة القول تكمن في أنه لا عودة للاجئٍ ما لم يجد ظروفاً على الأقل مستقرّةً تبشّرُ بخيرٍ وبأنّ القادمَ أحسن, وهو الأمر الذي لا يمكن بحالٍ حصوله دون تسوية سياسية على المستوى الدولي عموماً, بما يضمن الاستقرار وإعادة الإعمار وانفتاح البلاد على حقبةٍ جديدةٍ تنتشلها من مآلات الحرب والنزاع التي قاربت العقد من الزمن, وعليه فإنّ قضية اللاجئين وإنْ كانت أول مفرزات الحرب فإنها لن تكون إلا آخر قضية في الحلّ, لما تتطلبه من إزالة كل الأسباب التي دفعت اللاجئ إلى أنْ يطلب اللجوء, وهو ما يبدو بأنه سابقٌ لأوانه في ظل التجاذبات السياسية داخل سوريا وخارجها سواء بين السوريين المتنازعين أو بين اللاعبين الدوليين على ساحتها, فكل ذلك يجعل مؤتمر عودة اللاجئين بعيداً عن الواقعية ولا خانة له إلا خانة الخطاب السياسي المحض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة