الذهب يلمع والسيانيد يزدهر.. طفرة كيميائية تغذي سباق التعدين العالمي
عزز الارتفاع الأخير في أسعار الذهب آفاقَ منتجي السيانيد، الذين زادوا وتيرة إنتاجهم لتلبية الطلب المتنامي على المواد الكيميائية المستخدمة في معالجة المعدن النفيس.
وأعلنت شركتان من أكبر مورِّدي سيانيد الصوديوم، المستخدم في استخلاص شظايا الذهب من الصخور المكسَّرة، عن توسعٍ سريع في إنتاجهما نتيجة ارتفاع الأسعار وزيادة أنشطة التعدين، وفق ما أفادت به صحيفة فايننشال تايمز.
وقال أندرو ستيوارت، رئيس قسم المواد الكيميائية المتخصصة في شركة أوريكا، إن الشركة — التي استحوذت على منافستها الأمريكية سيانكو مقابل 640 مليون دولار العام الماضي — تخطط لتسريع وتيرة الإنتاج في ظل سعي مشغّلي أمريكا الشمالية لإعادة تشغيل مناجم الذهب المتوقفة عن العمل.
وأضاف: «نستمتع بالتقلبات التي تأتي من البيت الأبيض»، في إشارة إلى حالة عدم اليقين التجاري الناجمة عن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي دفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية.
وقدمت شركة أستراليان جولد ريجنتس هذا العام طلبًا إلى حكومة الولاية لزيادة الطاقة الإنتاجية في منشأتها بغرب أستراليا إلى 210 آلاف طن سنويًا مستقبلًا.
وبدأت الشركة — التي تُورِّد منتجاتها إلى شركات التعدين في أفريقيا وأستراليا وأمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا — بالفعل في رفع طاقتها الإنتاجية بنسبة 30% لتصل إلى 130 ألف طن خلال العام الجاري.
وأكد آرون هود، المدير الإداري لقسم الكيماويات والطاقة والأسمدة في شركة ويسفارمرز المالكة لشركة AGR، أن «مصنع سيانيد الصوديوم يُعدّ أحد أقوى استثماراتنا من حيث العائد على رأس المال في قطاع الكيماويات، وسيظل كذلك».
وارتفع سعر الذهب بنسبة 15% خلال الشهرين الماضيين، مسجّلًا أعلى مستوى له على الإطلاق عند 4381.52 دولار للأونصة الأسبوع الماضي، قبل أن يستقر عند نحو 4,000 دولار هذا الأسبوع.
ويُعزى هذا الارتفاع الحاد جزئيًا إلى التوجه نحو الأصول الآمنة وسط حالة من عدم اليقين الجيوسياسي، في وقت يشهد فيه قطاع التعدين موجة من الاندماجات، ما حفّز مزيدًا من الأنشطة في مجال استخراج الذهب.
وقد استحوذت مجموعات مثل نيوكريست ونورذرن ستار وغولد فيلدز على منافسين أصغر خلال العامين الماضيين، بينما بدأت شركات التعدين الصغيرة البحث عن رواسب ذهب كانت تُعدّ سابقًا غير مجدية اقتصاديًا.
وقال رامون لازار، المحلل في شركة جيفريز، إن «هذا الارتفاع يحفّز استكشاف الذهب، ويزيد بدوره الطلب على سيانيد الصوديوم، نظرًا لأن خاماته أصبحت أعمق وأصعب استخراجًا».
ويعود تاريخ شركة أوريكا إلى حقبة حمّى الذهب الفيكتورية في سبعينيات القرن التاسع عشر، حين كانت تزوّد عمال المناجم بالمتفجرات. وانضمت لاحقًا إلى مجموعة آي سي آي البريطانية للكيماويات قبل أن تنفصل عنها في تسعينيات القرن الماضي. وقال ستيوارت: «بدأنا في مجال الذهب، ثم عدنا إليه مجددًا».
أما شركة ويسفارمرز، التي تأسست كتعاونية للمزارعين وتملك اليوم العديد من سلاسل البيع بالتجزئة الأسترالية، فقد استثمرت في طيفٍ واسع من المعادن والكيماويات، بما في ذلك الليثيوم.
لكن أعمال سيانيد الصوديوم التي تمتلكها الشركة بالاشتراك مع كوجي للكيماويات منذ عام 1988، حققت نجاحًا باهرًا، بحسب هود، الذي أضاف: «إنها من أكبر أعمال التصدير لدينا».
وتتنافس الشركات الأسترالية مع مجموعة دراسلُفكا الكيميائية التشيكية ومنافسيها الصينيين، الذين يُنتجون السيانيد كمنتجٍ ثانوي لتصنيع النايلون.
وقال بول بروير، الباحث في معهد البحوث الحكومي CSIRO، والذي قاد فريقًا لتطوير بديلٍ لاستخراج الذهب يُعرف باسم ثيوكبريتات، إن التهديد طويل الأمد لمنتجي السيانيد قد يتمثل في حلولٍ أقل سمّية.
وأضاف بروير أن اللوائح الحكومية المتعلقة باستخدام السيانيد أصبحت أكثر صرامة، لا سيما في ما يتعلق بخطر تسربه إلى مصادر المياه، غير أن إقناع صناعة الذهب — المعروفة بتحفّظها — بالتخلي عن مادةٍ فعالة ومتينة كهذه لا يزال أمرًا صعبًا.
أما هود من شركة ويسفارمرز، فقد أعرب عن عدم قناعته بأن البدائل ستُحدث تغييرًا كبيرًا في ظل ضغوط التكلفة التي تواجهها صناعة التعدين، قائلًا: «إذا كنتَ عالم معادن، فلماذا تُخاطر؟».