اختيار "لندن" لعقد جلسات منتدى الشباب صناع السلام برعاية الأزهر الشريف رسالة لمد جسور السلام بين شباب الشرق وشباب الغرب.
يمضي الأزهر الشريف نحو دوره الأسمى تجاه البشرية مواصلا نشر لغة التسامح التي تميز الدين الإسلامي، رغم رعاية التطرف وتسخير المال الكثير الذي يصرف من دول وأنظمة لزعزعة استقرار العالم، فبينما يجوب شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين الدكتور أحمد الطيب أرجاء العالم ليخبره بأن البشر أخوة إن لم يجمعهم الدين تجمعهم الإنسانية، يرقد من يسمون أنفسهم مراجع دينية هنا وهناك ليبثوا سمومهم بعقول الشباب، مجندين إيّاهم لتحقيق مآربهم الضيقة بإقامة خلافة أو دولة يحكمها إخواني يسلم عقله ليس دولته فحسب بل لمرشده، ويجهد لأن تكون دول أخرى تحت عباءة هذا الفكر الذي ما جنت الأمة منه سوى الخراب.
بات لزاما والعالم يتعرض للكم الهائل من التحريض أن يرسم الشباب معاً في الغرب والشرق صياغة جديدة للقاءات دائمة ومستمرة وفتح حوارات لصناعة السلام، فالإرهاب لا يفرق بين مسلم ولا مسيحي ولا غير ذلك
"منتدى الشباب صناع السلام" تحت إشراف الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين بالتعاون مع كنيسة كانتربري، لذي أقيم مؤخرا في لندن، عماده إعطاء فكرة مميزة عن التسامح بين الأديان عبر محاضرات تخصصية ركزت على محاور تناول معظمها العفو والتسامح وغيرهما من القيم الأخلاقية، وهي من القيم العربية والإسلامية التي هي مدعاة للفخر في مقابل الفكر المتطرف بوسائل إعلامه ووسائل التواصل الاجتماعي، الذي ما ترك وسيلة إلا واستخدمها هذا الفكر ليروج لسلوكياته، وهذا ما قادته مشيخة الأزهر للتحرك سريعا إدراكا منها ضرورة ردم الهوة بين الشرق والغرب بين المسلم وغيره.
المادة الأولية التي ركز عليها التحرك الأخير للأزهر هي الشباب، ولعل الحديث عن صناعة السلام عبر هذه الشريحة هو كمن يقطع نصف الطريق لإحلال السلام الشامل في العالم أو في منطقتنا العربية، خاصة إذا علمنا أن قطاع الشباب من سن 17 إلى 30 يشكلون 50% من مجموع السكان في الدول التي تعاني من التطرف الديني والإرهاب، حسب أحدث مؤشرات الإرهاب في دول عربية إسلامية.
صحيح أن الشباب لا يقررون خوض الحرب أو صياغة السلام في منطقتنا، لأن إحلال ذلك أو ذاك يعود لأصحاب القرار لكنهم يستخدمون الشباب كأعواد ثقاب، وبيادق معركة تُرمى وقتما تشاء المصالح السياسية وتنتهي صلاحيتهم مع انتهائها، وما سوريا وعدد من دول المنطقة العربية اشتعلت فيها ما اصطلح على تسميته "الثورات" والمظاهرات والاحتجاجات وحتى الحروب إلا نموذجا، وكان لهذه الفئة العمرية الشابة الدور الرئيسي بتحريك الشارع نحو المطالبة بالحرية والعدالة والمساواة وهذا ليس عيبا ولا حراما، ولكن ينبغي أن يكون ضمن حدود عدم التفريط بالأمن والسلام الذي كانت تنعم به كثير من الدول التي تعرض شبابها للاستغلال من جهات خارجية، وتحولت مطالب هؤلاء الشباب إلى مطرقة تهدد بها دول بعينها بإثارة الفتن والحقد والكراهية.
وكان في اختيار "لندن" لعقد جلسات منتدى الشباب صناع السلام رسالة لمد جسور السلام بين شباب الشرق وشباب الغرب، ذلك الغرب الذي استيقظ بعد انفجار الواقع العربي على ضربات إرهابية في عقر بيته الغربي ومن شبان حملوا جنسيات أجنبية أو من أصول أوروبية هاجروا للشرق وانضموا لمعارك داعش، وليُفاجأ المجتمع البريطاني والأوروبي بشكل عام كل صباح بانضمام مجموعات شابة لتنظيمات إرهابية تكفيرية استطاع الفكر المتطرف أن يصل إليهم.
لم يتناس "داعش" وكل المجموعات التكفيرية أنه لتحقيق حلم "الخلافة الإسلامية "المزعومة دور الشباب، وما كان منهم إلا التركيز على مواقع التواصل الاجتماعي حيث بلغت عدد حساباتهم 46 ألفاً، وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي من أهم الأساليب التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية لاستقطاب وجذب الشباب العربي والغربي، وامتلاكه وسائل الاتصال الحديثة مستغلين سرعة وصولها، وعدم خضوها للرقابة، حيث تصل لأجيال شابة وفتية وجمهور مستهدف بعينه تحرضهم على الإرهاب، وحسب صحيفة نيويورك تايمز يصل عدد التغريدات المحررة من تنظيم داعش المتطرف إلى 200 ألف أسبوعياً, إضافة إلى ذلك فإن إدارة موقع تويتر تزيل أسبوعيا 2000 حساب يشتبه أن له صلة بالتنظيم.
بناء على ذلك بات لزاما والعالم يتعرض للكم الهائل من التحريض أن يرسم الشباب معاً في الغرب والشرق صياغة جديدة للقاءات دائمة ومستمرة وفتح حوارات لصناعة السلام، فالإرهاب لا يفرق بين مسلم ولا مسيحي ولا غير ذلك، صحيح أن المسميات تختلف من (جهاد، نصرة المسلمين، معارك وغيرها) إلا أن التنظيم الإرهابي بأعماله الإجرامية واضحة للعيان ويحصد كل يوم أعدادا كبيرة من الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل، فقط.. لأنهم وقعوا تحت سيطرة عناصر هذه التنظيمات المتطرفة، ولعل آخرها أبرياء محافظة السويداء جنوب سوريا الذين ذهبوا ضحية إجرام هذه الفئة الضالة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة