موسكو الآن، وليس واشنطن، وبوتين وليس ترامب، هما الآن - خلال 2020 - بوابة التأثير الرئيسية
في رأيي المتواضع أن روسيا في عام 2020 هي اللاعب الرئيسي والأهم في حسم توترات منطقة الشرق الأوسط من لبنان إلى سوريا، ومن إيران إلى ليبيا، ومن تركيا إلى قطر، وصراع الغاز والحدود البحرية في شرق البحر المتوسط.
لماذا نعطي روسيا -الآن- هذه الأهمية الاستثنائية؟
الإجابة: سببان جوهريان ويتفرع منهما كثير من العناصر والعوامل.
السبب الأول يرجع إلى ارتباك واضطراب النظام الدولي وانكفاء القوى الكبرى على مشاغلها ومشاكلها.
موسكو الآن، وليس واشنطن، وبوتين وليس ترامب، هما الآن - خلال 2020 - بوابة التأثير الرئيسية ونحن نواجه تهديداً إيرانياً في الخليج أو تهديداً تركياً في شرق المتوسط
الولايات المتحدة الأمريكية منشغلة في انتخابات الرئاسة، والتجديد الكلي لمجلس النواب وأكثر من ثلث مجلس الشيوخ وتجديد انتخاب 13 حاكماً للولايات.
والرئيس الأمريكي يعيش حالة دفاع عن النفس ما يجعله منشغلاً تماماً في الحفاظ على البقاء أولاً، ثم الفوز في معركة الرئاسة ثانياً.
الأسواق المالية، التي تعتبر مركز قوة ترامب وعمود الخيمة في حزبه الجمهوري تدخل مرحلة ارتباك واضطراب مع ازدياد مخاوف ظهور تقلص في حركة هذه الأسواق وانخفاض في معدلات الاستهلاك الداخلي للمواطن الأمريكي، وهي الركيزة الأساسية لانتعاش أو ركود الاقتصاد الأمريكي.
أما أوروبا فهي منشغلة بالخروج المؤكد لبريطانيا منها، واستفحال الأزمات الاقتصادية في فرنسا وإيطاليا، وصعود مقلق لأحزاب اليمين المتطرف، والعد التنازلي لخروج مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل من الحكم.
والصين منشغلة بإعادة تنشيط معدلات النمو الكلي، ومواجهة آثار العقوبات التجارية الأمريكية، وضعف الإنتاج، وقلة التصدير للخارج عن السنوات السابقة.
هذه أسباب قوة تأتي من ضعف الغير، أما أسباب القوة الذاتية لروسيا الاتحادية فيمكن تحديدها على النحو التالي:
إن عناصر القوة الأساسية في روسيا -بصرف النظر عن حاكمها- هي أمور جوهرية مثل كونها أكبر دولة من ناحية المساحة، فهي تشكل 8/1 مساحة العالم، أي 17 مليون كم مربع، ويبلغ عدد سكانها 143 مليون نسمة.
وروسيا هي أكبر دولة في العالم في مصادر الطاقة، فهي الأولى في إنتاج الغاز قبل إيران وقطر.
وروسيا تمتلك على أراضيها أكبر غابات طبيعية وثروات معدنية أساسية، وصاحبة أكبر مصدر للمياه العذبة في العالم، ما يشكل مساحة ربع المياه العذبة المتوافرة في العالم.
ويؤكد الميزان العسكري للأعوام الأخيرة أن موسكو هي أمهر بائع سلاح في السنوات العشر الأخيرة، بدءاً من منظومات الدفاع الجوي "إس 300" و"إس 400" المطورة، وطائرات السوخوي "35" والدبابات الثقيلة وخفيفة الحركة، ولدى شركة مبيعات صناعة السلاح الروسية طلبات لسنوات مقبلة في إنتاج المروحيات والصواريخ الذكية وأطنان من الذخائر الخفيفة والثقيلة.
وتقدر مبيعات السلاح الروسية في العام الماضي بـ55 مليار دولار أمريكي وأهم زبائنها: الهند وإندونيسيا وتركيا واليونان، كما أنها أضافت إلى زبائنها مزيدا من العملاء الجدد، مثل: السعودية والأردن والإمارات والكويت، كما أنها ما زالت تتميز بعلاقات تسليحية خاصة بكل من مصر والجزائر والعراق.
تنشط شركات التنقيب عن النفط الروسية مثل "روسنفت" و"نوفانيك" و"بروم غاز" في سوريا ولبنان، وتستعد لدخول أسواق جديدة، مثل إسرائيل واليونان ومصر، وتحاول جاهدة الحصول على عقود مع الإمارات والسعودية.
مصالح روسيا في المنطقة قديمة، فقد سعت روسيا منذ مئتي عام للوصول إلى المياه الدافئة في المتوسط، لذلك شنت عدة حروب ضد الدولتين؛ الفارسية (1806 - 1813 - 1826)، والعثمانية (1828 - 1829 - 1853).
وهناك قاعدة استراتيجية داخل مراكز صناعة القرار الروسي، بصرف النظر عن طبيعة النظام الحاكم أو الرئيسي الموجود في الكريملين؛ هي أن كون روسيا تشكل الحيز الأكبر من منطقة أوراسيا، فإن الشرق الأوسط يشكل البوابة الجنوبية لها والفاصل الجغرافي مع المياه الدافئة.
الوجود الروسي في سوريا الآن حيوي وأساسي واستراتيجي، ولا تنازل عنه في عهد فلاديمير بوتين، لأنه يعطي موسكو منفذاً على المياه الدافئة في المتوسط وقدرة تأثير استراتيجية في المنطقة وبوابة للدخول إلى غاز لبنان ونفط سوريا.
رهان أنقرة على موسكو، يبرر المعركة المستميتة التي خاضها رجب طيب أردوغان لشراء صواريخ "إس 400" بدلاً من منظومة الباتريوت الأمريكية، لأنه يعلم أن روسيا هي الدولة الوحيدة المضمونة ضمن الخمس الكبار دائمة العضوية التي لن تصوت -بسبب مصالحها- ضد فرض عقوبات على تركيا.
من هنا يعتمد أردوغان على مصالحه في موسكو، حينما يدخل إلى شمال شرقي الفرات في سوريا رغماً عن إرادة واشنطن والاتحاد الأوروبي ويقوم بـ"غزوة طرابلس"، ويوقع اتفاقاً غير مشروع دولياً يهدد فيه غاز شرق المتوسط.
من هنا، وبناء على ما سبق، يجد المراقب المتابع أن موسكو في الوقت الحالي وفي المستقبل القريب هي عنصر حاكم في ترسيم قواعد الحرب أو السلام في الشرق الأوسط.
بوتين شخصياً مفتاح رئيسي في رسم صورة شكل المنطقة ذات الملفات المضطربة.
روسيا كدولة مهمة في ملفات خلافات وصراعات دول الاعتدال مع قطر وتركيا.
لا يوجد مستقبل قريب لرسم قواعد الحكم في سوريا إلا عبر البوابة الروسية.
لا إمكانية لإحكام الضغط على تركيا إلا من خلال فك الحلف الروسي - التركي - الإيراني.
لا إمكانية لردع جنون أردوغان في شرق المتوسط إلا بإظهار موسكو لمخالبها وغضبها ورفضها لغزوة طرابلس.
بوتين لا يحب ولا يكره، ولا يوافق أو يرفض، ولا يبيع ولا يشتري إلا مقابل المصلحة أو بالأصح السعر المناسب.
كل شيء في الكرملين قابل للأخذ والرد والتفاوض إذا توافرت المصالح الاستراتيجية لموسكو في المنطقة.
من هنا، نجد أن هذا الأمر يستدعي مقاومة النفوذ التركي - الروسي النشط في موسكو، ومصالح الشراكة القطرية مع روسيا في مثلث إنتاج الغاز العالمي (روسيا - إيران - قطر) إلا بتنشيط حركة مصالح دول الاعتدال العربي وشرق المتوسط مع روسيا وتعظيم المنافع معها.
موسكو الآن، وليس واشنطن، وبوتين وليس ترامب، هما الآن - خلال 2020 - بوابة التأثير الرئيسية ونحن نواجه تهديداً إيرانياً في الخليج أو تهديداً تركياً في شرق المتوسط.
نقلاً عن "الوطن" المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة