روسيا تخسر "نفوذ السلاح".. الحرب الأوكرانية تحول الرياح إلى عاصفة
حرب صعبة جيشت العالم إلى معسكرين، وهددت غذاء الدول الفقيرة، بل وفاقمت أزمة اقتصادية أشعلها "كوفيد"، وتضرب سلاح الروس هذه المرة.
إذ أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إلى الانخفاض الحاد في صادرات الأسلحة الروسية منذ بداية الحرب في أوكرانيا، موضحة أنها تعد من "ضحايا الحرب".
لكن بحسب تحليل منشور بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، لا يعني توقيت التراجع شيئا، موضحا أن بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أظهرت بدء تراجع صادرات الأسلحة الروسية بشكل كبير في 2019، حين انخفضت بالفعل بنسبة كبيرة بلغت حوالي 20% مقارنة بعام 2011 الذي مثل أعلى نقطة لصناعة الأسلحة الروسية.
وفي 2011، كادت صادرات الأسلحة الروسية تضاهي الأمريكية، ووصلت إلى 35 دولة مختلفة. وبعد هذا التاريخ بـ11 عاما، تراجعت صادرات الأسلحة الروسية بحوالي 70%، مع تصديرها إلى 12 دولة فقط خلال العام الجاري.
وبالتالي يمكن القول إن الحرب الأوكرانية وجهت الضربة القاضية لصادرات الأسلحة الروسية التي كانت على حافة الهاوية بالفعل قبل انطلاق المعارك.
وطرح التحليل تساؤلا حول ما ينذر به انخفاض مبيعات الأسلحة الروسية بالنسبة لمكانة الدولة بالشؤون العالمية، لافتا إلى أنه يشير إلى تآكل النفوذ الدولي لروسيا -والرئيس فلاديمير بوتين- وزيادة اعتماد البلاد على صادرات النفط والغاز، كمصادر للدخل.
وأشار التحليل إلى أن التراجع في مبيعات الأسلحة يشير إلى اعتماد موسكو المتزايد على مصالح الهند والصين؛ إذ إنها أكثر اعتمادا على مبيعات الأسلحة إلى هذين البلدين من أي وقت منذ عام 2003، ولكن بأحجام تصدير أقل.
وأعزى التحليل الطفرة المبكرة للأسلحة الروسية في أوائل القرن الحادي والعشرين إلى المشتريات المتزايدة من الصين والهند والجزائر -أكبر ثلاث أسواق تصدير لروسيا- بالإضافة إلى التوسع نحو أسواق "جديدة" في الاتحاد السوفياتي السابق.
وبدأت الجمهوريتان السوفيتيان أذربيجان وتركمانستان، مع تدفق عائدات الغاز والنفط، تخزين الأسلحة الروسية ومنظومات الأسلحة، من بينها الدبابات القتالية، والمروحيات الهجومية، والصواريخ أرض-جو والمضادة للدبابات.
وبعد عقد من مبيعات الأسلحة الروسية القوية، ظهرت الرياح المعاكسة، واستبدلت أسعار النفط المتزايدة التي شهدها العقد السابق بأسعار أقل وأكثر تقلبا، الأمر الذي قلص الطلب من الدول المجاورة الغنية بالنفط.
وبعد ضم روسيا للقرم، بدأت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى الضغط على دول ثالثة لعدم الشراء من روسيا.
وفي الوقت نفسه، بدأت أكبر أسواق الصادرات الروسية في الهند والصين تتغير. وفي عهد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، استفادت صناعة الأسلحة الهندية من التركيز الهندي العام على المشتريات المحلية التي شهدت زيادة في الإنتاج المحلي وتراجع الواردات.
وسهلت الطفرة الاقتصادية التي شهدتها الصين في الألفية الجديدة تطوير وتحديث مجمعها الصناعي العسكري، الأمر الذي قلص الواردات الصينية وجعلتها تنافس روسيا كمصدر للأسلحة، لا سيما إلى الدول النامية ومتوسطة الدخل.
وبالرغم من أن الصين لا تزال وجهة تصدير روسية رئيسية، بدأت الواردات الصينية من روسيا في الانحسار في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وأشار تحليل "فورين بوليسي" إلى أن تراجع مبيعات الأسلحة يمثل عرضا وسببا لتآكل النفوذ الروسي في الشؤون العالمية؛ إذ تعتبر مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية العينية بين أقوى أدوات التأثير للقوى العالمية على الحكومات الأجنبية، حيث تكون مفيدة في تطوير شراكات استراتيجية، وكمحور لسياسة "العصا والجزرة" في الدبلوماسية القائمة على المقايضة الصريحة.
وفي عام 2010، صدرت روسيا أسلحة إلى 37 دولة، من بينها قبرص وسلوفينيا العضوتان في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الدولتين بنصف الكرة الأرضية الغربية، البرازيل والمكسيك.
وعكست هذه الصادرات من الأسلحة في ذلك الوقت، عودة ظهور موسكو تحت قيادة بوتين كقوة عالمية بعد أكثر من عقد من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.
وبحلول عام 2022، تعكس صادرات الأسلحة الروسية عزلتها المتزايدة؛ إذ تدفق 91% من الصادرات إلى أربع دول فقط، هي: الهند، والصين، وبيلاروسيا، وميانمار. وأصبحت الرياح المعاكسة، عاصفة كاملة.
وأشار التحليل إلى أن ضعف وضع روسيا كمصدر للأسلحة يزيد اعتمادها أيضًا على تصدير النفط والغاز الطبيعي والسلع الأخرى، فضلا عن الصادرات ذات القيمة المضافة المنخفضة نسبيا، مثل: الأسمدة والصلب.
وكانت الهند والصين بمثابة شريان الحياة الاقتصادي لروسيا خلال الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية الناجمة عنها.
واعتبارا من منتصف أبريل/نيسان، ذهب أكثر من 90% من صادرات النفط الخام الروسي المنقول بحرا إلى بلدين، وضاعفت الصين وحدها مشترياتها من البترول المسال الروسي في 2022.
ومع تدفق أسلحة أقل إلى شركاء التجارة التقليديين ووجهات تصدير أقل لمنتجاتها، تخسر روسيا أحد أفضل مصادر نفوذها الدبلوماسي على الدول الأخرى، لا سيما تلك الدول التي قد تتنافس فيها على النفوذ مع الغرب.
واختتم التحليل بالقول إن الحرب في أوكرانيا والعقوبات اللاحقة دفعت بصادرات الأسلحة الروسية المتراجعة تحت دائرة الضوء، لكن كانت المشاكل تتفاقم منذ حوالي العقد، ولا يوجد مسار واضح لعكس هذا الاتجاه.
aXA6IDMuMTQzLjIxOC4xMTUg جزيرة ام اند امز