جاءت تصريحات وزير الطاقة الروسي داعية إلى التمهل والانتظار حتى تتضح آثار انتشار فيروس كورونا على الطلب العالمي على النفط
خالفت روسيا التوقعات كافة التي كانت ترى أنها في نهاية المطاف ستتفق مع أوبك على خفض جديد في إنتاج النفط، بدءا من الربع الثاني من هذا العام، وكانت هذه التوقعات تستند إلى التصرف الروسي النموذجي خلال خطط الخفض خلال العامين الماضيين؛ إذ بينما كانت تبدي روسيا معارضتها لخفض الإنتاج بسبب الخوف من فقدان حصتها السوقية لصالح منتجين آخرين مثل الولايات المتحدة، إلا أنها تغليبا لروح التعاون التي ضمتها مع مجموعة بلدان اتفاق أوبك+ كانت تستجيب في النهاية للضغوط، حتى وإن كانت لا تلتزم بدقة بما وافقت عليه من خفض.
وجاءت تصريحات وزير الطاقة الروسي داعية إلى التمهل والانتظار حتى تتضح آثار انتشار فيروس كورونا على الطلب العالمي على النفط، إلا أنه أكد أيضا أهمية التعاون مع بقية أطراف الاتفاق، خاصة مع المملكة العربية السعودية
وقد شهدنا هذه المرة قبل اجتماع أوبك+ الأخير، يوم الجمعة الماضي، عدة تصريحات لمسؤولين روس حول موقفهم خلال الاجتماع، ربما كان أهمها تصريحات للرئيس الروسي بوتين، أعلن فيها أن موسكو راضية عن مستوى الأسعار السائدة في الأسواق حين كانت الأسعار تقل عن 55 دولارا للبرميل من نوع خام برنت، والإشارة إلى أن الموازنة الروسية تحقق التوازن عند سعر لبرميل النفط يبلغ نحو 42.2 دولار. إلا أن بوتين أكد أيضا أهمية التعاون بين أوبك والمنتجين خارجها، الذين يضمهم تحالف أوبك+. وجاءت تصريحات وزير الطاقة الروسي داعية إلى التمهل والانتظار حتى تتضح آثار انتشار فيروس كورونا على الطلب العالمي على النفط، إلا أنه أكد أيضا أهمية التعاون مع بقية أطراف الاتفاق وخاصة مع المملكة العربية السعودية، بل كانت هناك بعض التصريحات التي دعمت من الاستنتاج باتجاه روسيا للموافقة على خطة خفض الإنتاج التي وافق عليها وزراء نفط أوبك والقاضية بخفض الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل إضافية يوميا، بدءا من الربع الثاني من العام، ونعني بذلك تصريح مسؤول إحدى الشركات الروسية بأنه من الأفضل بيع كمية أقل من النفط بسعر أعلى.
وجاء الإصرار الروسي على عدم الموافقة على أي خطط لتخفيض إضافي في الإنتاج والموافقة فقط على تمديد العمل بالتخفيض الحالي البالغ 1.7 مليون برميل يوميا، وهو ما كان غير كاف للدول الأخرى، فكان أن رفضت العمل بالتمديد فقط؛ لأنه لن ينجم عنه استقرار في الأسواق العالمية خاصة مع التوسع السريع لانتشار فيروس كورونا بآثاره الضخمة على الطلب على النفط.
فمن المتوقع وغقا لوكالة الطاقة الدولية أن ينخفض الطلب العالمي على النفط في عام 2020، بتأثير انتشار فيروس كورونا المستجد حول العالم. وفي السيناريو المركزي الذي تتبناه الوكالة سينخفض الطلب هذا العام للمرة الأولى منذ عام 2009، بسبب الانخفاض الشديد في استهلاك الصين والاضطرابات التي أصابت السفر والتجارة العالميين. وترى الوكالة أن الطلب العالمي سيبلغ هذا العام 99.9 مليون برميل يوميا، وهو ما يقل بنحو 90 ألف برميل يوميا عن الطلب في عام 2019. ويعد هذا التوقع الجديد منخفضا بشدة عن التوقع الذي قدمته وكالة الطاقة ذاتها في شهر فبراير الماضي، والذي كان يقدر أن هناك زيادة في الطلب العالمي تبلغ 825 ألف برميل يوميا في هذا العام.
ومن جانبها، خفضت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية يوم الأربعاء توقعها لنمو الطلب العالمي على النفط خلال العام الجاري، بمقدار 660 ألف برميل يوميا ليبلغ 370 ألف برميل يوميا فقط.
وتتوقع منظمة الأوبك في تقريرها الشهري الأخير ألا يرتفع الطلب العالمي على النفط سوى بنحو 60 ألف برميل يوميا فقط خلال هذا العام، انخفاضا من تقدير بارتفاعه 920 ألف برميل في توقع سابق. وقالت أوبك إنه في ضوء أحدث التطورات فإن كفة المخاطر أرجح من المؤشرات الإيجابية وتنبئ بمزيد من التعديلات بالخفض لنمو الطلب إذا استمر الوضع الحالي.
إلى جانب الانخفاض في الطلب، من المتوقع أن يرتفع العرض مع زيادة إنتاج البلدان خارج أوبك+ بنحو 2.1 مليون برميل يوميا.
وكانت نتيجة رفض روسيا لتعميق خفض الإنتاج هو ما شهدنا من انهيار الأسعار، حيث انخفضت الأسعار بمقدار 25% يوم الإثنين الماضي، وهو ما يعد أكبر انخفاض نسبي في يوم واحد منذ تفجر حرب الخليج في يناير عام 1991.
ومع هذا الانهيار في الأسعار بدت موسكو حائرة في تبرير موقفها. فمن قول لنائب وزير الطاقة الروسي إن أي خطط لخفض الإنتاج لن تجدي نفعا، إلى أن يتضح تأثير كورونا على الطلب. وهو قول مردود عليه لأن انخفاض الطلب كان واضحا بالفعل، بدليل انخفاض الأسعار بنحو 30% قبل اجتماع أوبك+، مقارنة بسعر الذروة الذي بلغته في شهر يناير. كما كان من اليسير أن تضغط روسيا في سبيل أن يكون الخفض لمدة محدودة، وليكن لربع عام فقط حتى تتضح تأثيرات كورونا تماما، مثلما كان عليه الحال في اتفاق خفض الإنتاج المعمول به حاليا، والذي يقضي بخفض الإنتاج للربع الأول من هذا العام فقط، ثم ينظر في أمر تمديده أو وقف العمل به.
كما تم الإشارة أيضا من قبل البعض إلى أن موقف روسيا الرافض لتخفيضات جديدة في الإنتاج يعود لمخاوف من خسارتها حصتها السوقية في ظل نمو إنتاج النفط الأمريكي، ووفقا لميخائيل ليونتيف المتحدث الرسمي باسم شركة روسنفت، فإن صفقة "أوبك+ كانت بلا معنى لروسيا؛ حيث إن الصفقة كانت تسهم في تراجع حصة روسيا في أسواق النفط لصالح النفط الصخري الأمريكي.
والواقع أن موضوع الدفاع عن الحصة السوقية ثبت فشله تاريخيا، فقد سبق وانهارت أسعار النفط في مناسبتين سابقتين، أولهما في عام 1986 والثانية خلال الفترة 2014-2016. وفي كل من الانهيارين غيرت الدول المصدرة سياستها من استهداف الأسعار إلى الدفاع عن الحصة في السوق، ففي عام 1986 استخدم تعبير "حرب الأسعار"، أما في الانهيار الأخير فقد كان الشعار المرفوع صريحا "ضرورة الدفاع عن الحصة في السوق مهما كانت التكلفة". والواقع أن الاستناد إلى الدفاع عن الحصة السوقية يستهدف إقصاء المنتجين مرتفعي الكلفة؛ إذ تؤذي الأسعار المنتجين الذين يريدون أسعارا تزيد عن حد معين حتى يحافظوا على مستوى أرباحهم. ويعني هذا أن أكبر الخاسرين في السوق سيكون المنتجين ذوي التكلفة المرتفعة، وبشكل أخص منتجي النفط الصخري الأمريكي. وهو ما ثبت فشله مع التطور التكنولوجي الواسع الذي مكن من أن تحقق معظم آبار النفط الصخري أرباحا عند مستوى يقل عن 30 دولارا للبرميل. كما أن الآبار التي ترتفع تكلفة إنتاجها يمكن بسهولة إغلاقها والعودة للإنتاج منها عند ارتفاع الأسعار مرة أخرى، فالميزة الكبرى للنفط الصخري هي المرونة الشديدة في إنتاجه. ولذا تفشل وستفشل خطط الدفاع عن الحصص السوقية، ولن ينجم عنها سوى بيع كميات أكبر بكثير من النفط للحصول على الدخل الذي كان يمكن الحصول عليه ببيع كميات أقل كثيرا، في ظل تنسيق خطط الإنتاج بين المصدرين.
الملاحظة الأخرى التي تتعلق بموقف موسكو بعد انهيار الأسعار هي إصرارها على القول إن التعاون مستمر مع بلدان أوبك والبلدان المنتجة الأخرى، وإن روسيا سترسل بمبعوث لها لاجتماع اللجنة الفنية المقرر في 18 مارس الجاري. كما أعلن وزير الطاقة الروسي أنه لا يستبعد اتخاذ إجراءات مشتركة مع أوبك لتحقيق الاستقرار في السوق، مضيفا أن اجتماع أوبك+ القادم من المخطط انعقاده في الفترة مايو إلى يونيو. وهو ما استتبع ردا منطقيا من وزير الطاقة السعودي أنه لا يرى حاجة لعقد اجتماع لأوبك+ في الفترة مايو إلى يونيو في غياب اتفاق على الإجراءات التي يجب اتخاذها للتعامل مع أثر فيروس كورونا على الطلب والأسعار. وقال الوزير السعودي إنه لا يرى مبررا لعقد اجتماعات من شأنها فقط إظهار فشلنا في القيام باللازم في أزمة كهذه بتبني الإجراءات الضرورية.
والواقع أن هناك تاريخا مشجعا من النتائج الإيجابية للتعاون بين أوبك من ناحية وروسيا وغيرها من المنتجين الآخرين من ناحية أخرى في حالات التدهور الشديد في الأسعار. وقد حدث هذا بشكل خاص في نهاية التسعينيات من القرن الماضي؛ إذ بعد أن بلغت أسعار النفط مستوى بالغ التدني بوصولها لنحو 10 دولارات للبرميل في عام 1998 نسقت كل من منظمة الأوبك وجبهة من الدول المنتجة والمصدرة للنفط خارج الأوبك قادتها روسيا والمكسيك جهودهما بخفض مستوى الإنتاج، للعمل على رفع سعر برميل النفط. ومرة أخرى عاد التعاون في هذا الشأن خلال عام 2016، فبعد أن سجلت أسعار النفط مستويات منخفضة لمدة تزيد على العامين توصلت روسيا والمملكة العربية السعودية في 5 سبتمبر 2016 إلى اتفاق من أجل التعاون في سوق النفط. وقد أعقب ذلك في نهاية شهر نوفمبر اتفاق دول منظمة الأوبك والدول المنتجة خارجها على اتفاق لخفض مستوى الإنتاج مع بداية عام 2017. فهل تعود موسكو إلى ترجيح كفة التعاون أم تصر على نهج يلحق الضرر بمصالحها ومصالح الآخرين؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة