تحويل كييف لـ«كتلة لهب».. إلى أين وصلت التكنولوجيا العسكرية الروسية؟
منذ أكثر من عامين ونصف عام، لم يخف ضغط الروس على الزناد في أوكرانيا، وسط تطوير مستمر لـ"قدرات متقدمة"، تهدد بـ"تحويل كييف لكتلة لهب".
لهجة التهديد الروسية تنقلت بين عدة مراحل في أوكرانيا، بدءا من طرح "رفع الاستعداد النووي"، إلى "تغيير العقيدة النووية"، وصولا إلى "توافر الأسس الرسمية لاستخدام" هذه الأسلحة النووية.
لكن في الوقت الحالي، لم تعد نبرة التهديد بالسلاح النووي هي الأعلى، أو الخيار الرئيسي أمام روسيا، إذ صاحبها تهديد بديل غامض بـ"أسلحة تكنولوجية متطورة" يمكنها تحويل كييف إلى "كتلة لهب".
وجاء التهديد الأحدث على لسان ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، الذي قال إن بلاده "لديها بالفعل أسباب رسمية لاستخدام الأسلحة النووية، لكنها اختارت حتى الآن عدم القيام بذلك".
وهدد باستخدام أسلحة غير نووية قادرة على تحويل كييف إلى "كتلة عملاقة منصهرة"، مشيرا إلى أن روسيا بوسعها "تدمير" العاصمة الأوكرانية "بأسلحة تكنولوجية متطورة جديدة" ردا على استخدام أوكرانيا لصواريخ غربية بعيدة المدى.
تكنولوجيا التشويش
ورغم إضفاء الدول سحابة من السرية على أسلحتها الأحدث، إلا أن ساحة المعركة في الفترة الأخيرة، أظهرت استخدام أسلحة تكنولوجية روسية متطورة، على فترات، وتميزت بقدرة تدميرية كبيرة، وقد تحدث فرقا إذا استخدمت بكثافة، وفق مراقبين.
وبحسب مؤسسة "شاتام هاوس" البريطانية، تشير أنظمة الأسلحة الجديدة، التي أطلق عليها بوتين اسم (الأسلحة الخارقة) وكشف عنها لأول مرة في عام 2018، إلى نية روسيا الابتكار في مجال الصناعات الدفاعية لمواجهة التفوق العسكري التقليدي المتصور لمنافسيها من القوى العظمى مثل الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي.
على سبيل المثال، أشار تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إلى فشل العديد من الذخائر الموجهة عبر الأقمار الصناعية المصنوعة في الولايات المتحدة، في مقاومة تكنولوجيا التشويش الروسية، في سياق الحرب بأوكرانيا.
وعليه، قال التقرير الذي اعتمد على إفادات من مسؤولين عسكريين أوكرانيين رفيعي المستوى وتقييمات أوكرانية داخلية سرية حصلت عليها الصحيفة الأمريكية، إن كييف "اضطرت إلى التوقف عن استخدام أنواع معينة من الأسلحة التي يوفرها الغرب بعد انخفاض معدلات فعاليتها، إثر تكنولوجيا التشويش الروسية".
التقرير لفت إلى أن تكنولوجيا التشويش الروسية كانت فعالة ضد أنظمة التوجيه للأسلحة الغربية الحديثة، بما في ذلك قذائف المدفعية Excalibur الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) ونظام الصواريخ المدفعية عالية الحركة (HIMARS)، الذي يمكنه إطلاق بعض الصواريخ الأمريكية الصنع بمدى يصل إلى 50 ميلاً.
وأدى ذلك إلى تآكل قدرة أوكرانيا على الدفاع عن أراضيها وترك المسؤولين في كييف يسعون بشكل عاجل للحصول على مساعدة من وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" للحصول على ترقيات من مصنعي الأسلحة، وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في "واشنطن بوست".
وبالتركيز على قذائف Excalibur الأمريكية، أظهرت التقييمات الأوكرانية السرية انخفاض معدل نجاحها بشكل حاد على مدى أشهر إلى أقل من 10% في إصابة أهدافها، قبل أن يتخلى عنها الجيش الأوكراني في العام الماضي.
أورلان وأسلحة أخرى
ومن جانب آخر، وثّق فريق تحقيق ميداني تابع لمركز أبحاث التسلح في النزاعات (CAR)، في الفترة ما بين 17 و22 مايو/أيار 2022، أنظمة أسلحة ومعدات اتصالات متطورة صنعتها روسيا واستخدمتها في حربها ضد أوكرانيا.
وشملت هذه العناصر طائرات أورلان-10 بدون طيار، وأجهزة راديو عسكرية، وأنظمة إلكترونية مضادة، وأنظمة دفاع جوي، وصواريخ أخرى قالت السلطات الأوكرانية إنها من طراز كروز Kh-101 وKh-59 و3M14، وكلها صُنعت في روسيا.
الأمر تخطى مرحلة تصنيع أسلحة جديدة بالكامل، إلى تطوير أسلحة قديمة للغاية تعود للعصر السوفياتي، بحيث تصبح أكثر قدرة تدميرية وأصعب فيما يتعلق بالتتبع والإسقاط.
إذ طورت روسيا أسلوب إطلاق قنابل الطائرات التي تعود إلى الحقبة السوفياتية باستخدام أنظمة أسلحة حديثة.
وقال أوليكسي ميلنيك، الخبير العسكري من مركز رازومكوف الأوكراني للأبحاث، في وقت سابق، إن القنابل الروسية تشكل تحديًا كبيرًا لأوكرانيا بسبب صعوبة اعتراضها.
فالقنابل التي يتراوح وزنها ما بين 500 إلى 1500 كيلوغرام، أو حوالي 1100 رطل إلى 3300 رطل، لا تُحلق في الجو إلا لفترة قصيرة من الزمن وتفتقر إلى أنظمة الدفع التي تمتلكها الصواريخ الحديثة، مما يجعل إسقاطها شبه مستحيل، وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في وقت سابق. كما أن قدرتها التدميرية هائلة للغاية.
سامارات
لم يكن إدراج الصاروخ الباليستي العابر للقارات من طراز سارمات في خطاب بوتين في عام 2018، مفاجئًا للمحللين. إذ كان هذا الصاروخ فائق الثقل الذي يعمل بالوقود السائل قيد التطوير، موجودا منذ عام 2009.
وانطلاقا من 2022، حل صاروخ سارمات الذي يتمتع بقوة تدميرية هائلة، محل صاروخ "RS-36M Voevoda" (الشيطان) الذي يعود للحقبة السوفياتية، بعد أن أُجريت اختبارات إطلاق ناجحة في عام 2020، ثم في 2021.
"أفانغارد"
يجمع نظام أفانغارد الصاروخي بين القديم والجديد: القديم في شكل صاروخ RS18A (SS-19 'Stiletto') من الحقبة السوفياتية، والجديد يتمثل في تطوير صاروخ بمواصفات قياسية، وذات قدرة تدميرية عالية.
وجرى وضع أول منظومتين من "أفانغارد "في الخدمة الفعلية في نهاية عام 2019، كما أعرب المسؤولون الروس عن أملهم في إنتاج ما يكفي من هذا النظام لتجهيز فوجين من الصواريخ بالكامل (حوالي 18-20 صاروخًا في المجموع) بحلول نهاية برنامج التسليح الحكومي 2027.
كنزال
هو نسخة معدّلة من الصاروخ الباليستي الذي يُطلق من الأرض من طراز Iskander، ولكن يتم إطلاقه بواسطة حاملة الصواريخ MiG-31K.
وتُستخدم طائرة ميج-31 كيه لإطلاق الصاروخ بسرعة عالية (أي أسرع من الصوت)، وبالتالي زيادة سرعة كنزال.
ولذلك، فإن كنزال، مثل صاروخ إسكندر، يتبع نمط الطيران الهوائي الباليستي، وتصل سرعته في نهاية المطاف إلى سرعة 10 ماخ وقادر على المناورة في جميع مراحل مسار الطيران.
"على قدم وساق"
في سياق متصل، يبدو أن التكنولوجيا العسكرية الروسية لم تقف عند حد التطور الصارخ في حسب، بل يتم تصنيعها بكميات كبيرة وربما "بشكل مستمر".
إذ ذكر تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في 9 أغسطس/آب الماضي، أن الصاروخ الروسي الذي ضرب كييف في يوليو/تموز، ترك وراءه أدلة على وتيرة صناعة الدفاع الروسية.
الصحيفة استعانت بتقرير أصدرته منظمة (CAR) غير الحكومية، في أغسطس، إذ فحصت بقايا الصاروخ، ووجدته أنه طراز كيه-101 المحشو بنحو ألف رطل من المتفجرات، وتم تصنيعه في الربيع قبل الهجوم.
وقالت المنظمة إن هذا يشير إلى أن القوات الروسية تستخدم أسلحة "بمجرد خروجها من خط الإنتاج".
الجدير بالذكر أن صاروخ Kh-101 يعد أكثر صواريخ "كروز"، ويُطلق من قاذفات في المجال الجوي، ويملك قوة تدميرية ضخمة للغاية، فضلا عن أنه يعكس القدرة الروسية على تصنيع أسلحة متطورة في وقت قصير.