وفقا للظروف المتوفرة حاليا يمكن القول إن قرار تمديد تخفيضات الإنتاج هو القرار الراجح.
يمكن القول إنه منذ تم الاتفاق على تخفيض إنتاج النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا بين دول اتفاق أوبك+ في ديسمبر/كانون الأول الماضي لم يكن الجانب الروسي بادي الحماس له. فبينما تم طلب خفض الإنتاج الروسي بمقدار 228 ألف برميل يوميا بدءا من شهر يناير/كانون الثاني، تحدث المسئولون الروس عن أن هذا سيتم على مدار ثلاثة أشهر وليس فورا. وخرجت بعدها العديد من التصريحات من جانب العديد من المسئولين في صناعة النفط التي تتحدث عن ضرورة عدم الموافقة على تمديد الاتفاق حينما يحين أجل انتهائه في نهاية شهر يونيو/حزيران الحالي.
لكن مؤخرا بدا أن هناك بعض التبدل في هذا الموقف الروسي، فبينما استمر بعض كبار المسؤولين في صناعة النفط يتحدثون عن رفع مستوى الإنتاج وذلك بحجة أن انخفاض الإنتاج الروسي سيسمح للولايات المتحدة التي يتزايد إنتاجها بالحصول على جانب من الحصة السوقية الروسية. فمن جانب آخر بدأت لغة مختلفة في البروز لدى المسئولين السياسيين الروس، فقد ذكر وزير المالية أنه في حالة استمرار زيادة مستوى الإنتاج فقد ينخفض سعر برميل النفط إلى 40 دولارا، بينما أعرب وزير النفط الروسي عن اعتقاده بأنه لا يمكن استبعاد تصور هبوط أسعار النفط إلى 30 دولار للبرميل في حال عدم تمديد اتفاق خفض الإنتاج العالمي. وأضاف أن هناك مخاطر كبيرة بحدوث فائض في الإمدادات في السوق، وأن موسكو بحاجة لمراقبة السوق بصورة أكبر حتى يمكن التوصل لقرار متوازن مع الاجتماع القادم لأطراف اتفاق أوبك+. وبدا من ثم أن هناك انقساما واضحا بين كبار المسئولين في الصناعة النفطية، وبين المسئولين السياسيين الروس. وقد أدى هذا إلى عدم تبلور واضح لموقف روسي، وهو ما دفع وزير الطاقة السعودي خالد الفالح للتصريح بأن روسيا هي الدولة الوحيدة التي لم تتخذ قرارا بشأن الحاجة لتمديد اتفاق خفض الإنتاج بين أوبك وحلفائها حتى نهاية العام.
وفقا للظروف المتوفرة حاليا يمكن القول إن قرار تمديد تخفيضات الإنتاج هو القرار الراجح. وقد تكون روسيا الوحيدة من بين بلدان اتفاق أوبك+ التي لم تعرب عن موقفها بعد، لكن التحولات الأخيرة في السوق وفي مواقف وتصريحات المسئولين الروس تقول إنها على الأغلب ستنضم للركب حينما ينعقد الاجتماع المقبل
وربما تمضي الأمور حسب الشواهد الحالية نحو انضمام روسيا لركب بقية الدول والموافقة على تمديد الاتفاق. فقد صرح نائب وزير الطاقة الروسي بأن أعضاء الاتفاق الحالي الذي يضم أوبك وعددا من المنتجين المستقلين وعلى رأسهم روسيا، سوف يستمر في جميع الأحوال. وذكر أن القرار بشأن مستقبل الاتفاق سيتخذ بناء على ما إذا كانت سوق النفط العالمية متوازنة، وأضاف أن الوضع في سوق النفط العالمية سيكون أكثر وضوحا بحلول موعد اجتماع مجموعة العشرين في اليابان المقرر في نهاية يونيو/حزيران. وأشار إلى أن أحد العوامل السوقية التي يجب أخذها في الاعتبار وضع العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة.
ومن الطبيعي أن تشكل الخلافات التجارية بين الصين والولايات المتحدة وتفاقمها خلال الفترة الأخيرة علامة استفهام كبرى أمام مستقبل الطلب العالمي على النفط. فقد أثرت هذه الخلافات الآن بالفعل في شكل توقعات متزايدة بانخفاض مستوى النشاط الاقتصادي العالمي، ووضع صندوق النقد الدولي تقديرات مؤخرا تشير إلى أن النمو الاقتصادي العالمي يمكن أن ينخفض بمقدار نصف في المئة إذا ما استمرت الخلافات التجارية على وضعها الراهن. ناهيك عن أن الولايات المتحدة والصين هما أكبر اقتصادين في العالم، والأكبر استهلاكا للنفط العالمي. وربما نتيجة لذلك كان معرفة ما الذي يمكن أن تسفر عنه اجتماعات قمة العشرين على جبهة التجارة أمرا بالغ الأهمية لكي تتخذ أطراف أوبك+ قرارها بشأن تمديد الاتفاق. ومن هنا أيضا جاء المطلب الداعي إلى تأجيل اجتماع أوبك+ لكي يكون في الأسبوع الأول من يوليو/تموز بدلا من أن يكون ملحقا باجتماع دول أعضاء منظمة الأوبك يومي 25 و26 من الشهر الحالي. إذ عند انتهاء اجتماع قمة العشرين يوم 28 يونيو/حزيران سيكون قد اتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود فيما يتعلق بالخلافات التجارية، وبالتالي بمستقبل نمو الاقتصاد العالمي ومستقبل الطلب على النفط.
الأمر الثاني المهم فيما يتعلق بتحديد التوجه نحو تمديد اتفاق خفض الإنتاج هو مستوى المخزون في الدول المستهلكة، فمن المعروف أن اتفاق أوبك+ يتبنى معيار خفض المخزون لدى الدول المستهلكة إلى ما لا يزيد على متوسط هذا المخزون خلال السنوات الخمس الأخيرة. والواقع أنه خلال الأسابيع الأخيرة ظل مستوى هذا المخزون التجاري من النفط الخام يرتفع في الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستهلك للنفط في العالم. وفي تأكيد على هذا الاتجاه ارتفع المخزون التجاري من النفط الخام بمقدار 2.2 مليون برميل في الأسبوع المنتهي يوم 7 يونيو/حزيران الماضي مقارنة بالأسبوع السابق عليه. وقد بلغ هذا المخزون نحو 485.5 مليون برميل، وهو ما يزيد بمقدار 53 مليون برميل عن مستوى هذا المخزون خلال نفس الوقت من العام الماضي، وهو أعلى مستوى لهذا المخزون في عامين. والأكثر أهمية أن مستوى هذا المخزون مرتفع بنسبة تبلغ 8% مقارنة بمستوى متوسط هذا المخزون خلال السنوات الخمس الأخيرة. أي أن المخزون التجاري يتجاوز بشكل ملحوظ ما يهدف إليه اتفاق أوبك+، وهو ما يعني أن احتمالات تمديد الاتفاق لها الغلبة. وقد عبر عن ذلك وزير الطاقة الإماراتي سهيل بن محمد المزروعي بقوله "إن أعضاء أوبك قريبون من الاتفاق على تمديد تخفيضات الإنتاج"، وأضاف أنه يجب نظرا لمخزونات النفط الحالية أن تظل قيود الإنتاج قائمة أو تمديدها على الأقل لنهاية العام، وقال إن "القرار الصحيح هو التمديد".
وفقا للظروف المتوفرة حاليا يمكن القول إن قرار تمديد تخفيضات الإنتاج هو القرار الراجح. وقد تكون روسيا الوحيدة من بين بلدان اتفاق أوبك+ التي لم تعرب عن موقفها بعد، لكن التحولات الأخيرة في السوق وفي مواقف وتصريحات المسئولين الروس تقول إنها على الأغلب ستنضم للركب حينما ينعقد الاجتماع المقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة