روسيا ترفع حرارة «العملية الخاصة» لـ«حرب».. تحول استراتيجي بأوكرانيا؟
بشكل مفاجئ، ودعت موسكو مصطلحها القديم لما يجري في أوكرانيا "العملية الخاصة"، لترفع لواء الحرب بشكل رسمي، محركة كثيرا من "التساؤلات".
مشهد جديد يعيشه الصراع في أوكرانيا، يرى خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية" في أحاديث منفصلة من روسيا، أنه بداية لمرحلة جديدة بحرب تقف فيها أطراف عدة على الأصابع خوفا من شد العالم لصراع موسع.
- من «عملية عسكرية» إلى «حرب».. «منعطف روسي» في أوكرانيا
- بأموال روسيا.. أوروبا تضع خطة «محفوفة بالمخاطر» لإنقاذ أوكرانيا
"رسالة للغرب"
والجمعة، أقر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن روسيا "في حالة حرب" في أوكرانيا، بعدما واظبت السلطات على استخدام عبارة "عملية عسكرية خاصة" منذ بدء الحرب قبل أكثر من عامين.
وقال بيسكوف، في حديث لصحيفة روسية مقرّبة من الكرملين: "نحن في حالة حرب، نعم لقد بدأ الأمر كعملية عسكرية خاصة، لكن منذ أن تشكّلت هذه المجموعة، وشارك الغرب مجتمعاً في كل هذا إلى جانب أوكرانيا، أصبحت حربا بالنسبة لنا، أنا مقتنع بذلك، وعلى الجميع أن يفهمه".
عباس حبيش نائب رئيس المركز الروسي العربي بسان بطرسبرغ، قال لـ"العين الإخبارية"، في محاولة لتفسير تصريحات بيسكوف، إن استخدام مصطلح الحرب لأول مرة، يعد رسالة للخارج، خاصة الغرب وحلف شمال الأطلسي.
وحول تبعات استخدام مصطلح الحرب على الميدان، قال "حتما ستتوسع مناطق وحدود خطوط المواجهة"، قبل أن يضيف "أما كييف، هذا سيعود إلى تطورات أرض الحرب".
تصريحات متبادلة
تصريحات بيسكوف عن الحرب في أوكرانيا، جاءت بعد تحذير أطلقه الكرملين قبل أيام، "من أن إرسال عسكريين أجانب إلى أوكرانيا ستكون له عواقب سلبية وخيمة قد لا يمكن إصلاحها".
تحذير أعقب تصريحات "ذات نهاية مفتوحة" أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفٌهمت على أنه لا يستبعد إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا، لكن هذه التلميحات لاقت رفضا فوريا من دول أوروبية، تتصدرها ألمانيا.
هذا السياق لا يتجاوز أيضا، استعدادات الغرب لأي صدام محتمل مع موسكو، إذ أعلن رئيس اللجنة العسكرية في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، روب باور، لصحيفة وزارة الدفاع الأوكرانية، أن الحلف مستعد لصراع محتمل مع روسيا.
وأضاف "لكن إذا قررت دولة ما نشر قواتها هنا، فعليها أن تفهم أن هذا سيكون مرتبطا ببقية أعضاء الحلف". وكرر أيضا أن أحد شروط عضوية أوكرانيا في حلف "الناتو" هو عدم وجود عمليات عسكرية على أراضيها.
بدوره، اعترف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بأن نشر جنود من دول الناتو في أوكرانيا، قد يصبح حقيقة واقعة في الشهرين أو الثلاثة أشهر المقبلة.
وتابع أوربان في تصريحات صحفية إن "أجواء الحرب تسود" في بروكسل، و"في غضون بضعة أشهر فقط، من المحتمل أن يتحقق ما بدا غير وارد".
تحركات متباينة
وتعليقا على ذلك، قال المدير العلمي لمعهد المشاكل الإقليمية، ديمتري جورافليف، إن "الغرب قام بالفعل بتحويل الاقتصاد إلى صيغة عسكرية، والآن حان دور روسيا".
وتابع: "يمكن التذكير من خلال فصول التاريخ، أنه في الحرب العالمية الأولى، جرى إنشاء لجان صناعية عسكرية خاصة، وخلال الحرب الوطنية العظمى (مصطلح روسي عن فترة الحرب العالمية الثانية) عملت لجنة الدفاع، والآن، على الأرجح، ستتولى الدولة السيطرة الكاملة على الاقتصاد".
في المقابل، يقول المحلل السياسي بسام البني، إن "هدف العملية العسكرية الخاصة، كان معاقبة النازيين الجدد، ولكن بعد فشل المفاوضات، واجهت روسيا حقيقة أن حلف الناتو بدأ يحشد كل قواته المالية والعسكرية والاقتصادية ضدها، وهذا نطاق مختلف من العمل العسكري".
وتابع: "الآن، على ما يبدو، تجري الاستعدادات المعلوماتية والدبلوماسية لحقيقة، أن روسيا قد تقوم بضرب أيضًا أهداف الناتو، وعلى سبيل المثال، ماذا يجب أن تفعل موسكو إذا بدأت طائرات F-16 الأمريكية في التحليق باتجاه روسيا، من مطارات الناتو في بولندا ورومانيا؟".
وأوضح: "الحديث هنا عن إمكانية تدمير منشآت الناتو التي تستهدف المواقع الروسية، وهذا يعني في الأساس بداية الحرب العالمية الثالثة".
البني قال إن "أوكرانيا لديها بالفعل أفراد عسكريون من دول أخرى يقومون بصيانة المعدات الغربية، وتركيب الصواريخ، والقيام بالاستطلاع، وتوجيه القوات المسلحة الأوكرانية، وما إلى ذلك، ومن المرجح أن تعمل خطة ماكرون على إضفاء الشرعية على المقاتلين الفرنسيين في أوديسا والمناطق الأوكرانية الأخرى، كجزء من اتفاقية أمنية ثنائية موقعة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي".
محاكاة للواقع
بدوره، يؤكد أستاذ العلوم السياسية نزار بوش، أن تصريحات بيسكوف، "جاءت محاكاة لأمر واقع بدأ بالظهور في الوقت الحالي، على الجبهات الأوكرانية.. صحيح أن الصراع بدأ كعملية عسكرية، لكنها بدأت تتجه نحو حرب للأسف قد تكون ضروسا بين روسيا والغرب، ولكن في الواجهة والمقدمة هي أوكرانيا، وباستخدام الجيش والشعب الأوكرانيين".
ومضى قائلا: "لذلك نعتقد أن تصريحات المتحدث باسم الكرملين هي رسالة تحذير، خاصة عندما قال: لا يمكن لنا نسكت عن دولة على حدودنا، لديها خطة لاسترجاع القرم".
ويتابع أن "المتخصصين الأجانب في أوكرانيا، سيكونون بالتأكيد هدفا مشروعا للقوات المسلحة الروسية، فماذا سيكون رد فعل باريس والغرب ككل عندما تسقط قذائف وصواريخ روسية على المواقع الفرنسية؟، قبل أن يضيف و"عليهم أن يفهموا المخاطر".
وحول دلالات استخدام مصطلح «حرب»، قال عمرو الديب أستاذ مساعد في الأكاديمية الرئاسية الروسية، إن "استخدام موسكو مصطلح الحرب على المستوى القانوني يعني قطع العلاقات بشكل قاطع مع الدول التي يمكن أن تكون طرف في هذه الحرب مع روسيا؛ أوكرانيا، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا. كذلك تعطي الحق لموسكو بأن تقوم بإجراءات تساعدها في سير هذه الحرب إذا ما تم إعلانها، منها اقتصاد الحرب، والتعبئة العامة وغيرها من الإجراءات غير الاعتيادية".
وتابع "على المستوى العسكري، يمكن أن يؤدي هذا الإعلان بالقوات الروسية إلى بدء استخدام القوة الغاشمة من أجل القضاء على العاصمة كييف".
لكنه استدرك: "ولكن من المهم هنا، ألا يعني مجرد تصريح سياسي من بيسكوف، فإعلان الحرب يسبقه العديد من الإجراءات السياسية والقانونية".
ومضى قائلا "إذا ما كانت هناك حالة حرب فيتعين على السلطات السيطرة على كل المقدرات التي ستساعدها على الاستمرار في الحرب - إن وقعت"، في إشارة إلى امكانية إتباع السلطات الروسية «اقتصاد الحرب».
توقعات المستقبل
الدكتور أديب السيد الخبير في الشؤون الروسية قال لـ"العين الإخبارية"، "لا يوجد شك في أنه بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، ستُجرى تعديلات كبيرة على الموقف الروسي حيال التطورات المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، وخاصة فيما يتعلق بتعرض الأقاليم الروسية في جنوب البلاد مثل بيلغورود إلى هجمات متوالية من قبل القوات الأوكرانية".
وتابع: "هذا الأمر الذي بالضرورة سيدفع القوات العسكرية لتوسيع جبهات القتال والتفكير بصورة جدية في إقامة مناطق عازلة تحول دون تكرار مثل هذه الهجمات على الأقاليم الروسية".
وأوضح: "هذا وفقا لما يقوله الخبراء العسكريون سيقتضي بالضرورة الاستيلاء على أقاليم إضافية مثل خاركيف أو تحويل هذه الأقاليم التي تقع حاليا تحت سيطرة القوات الأوكرانية إلى مناطق عازلة بحيث لا تتمكن القوات الأوكرانية من استخدام السبل والوسائل العسكرية لتوجيه ضربات إلى الأقاليم الروسية".
وعلى ضوء "التهديدات" الفرنسية بشكل خاص والغربية بشكل عام باحتمال إرسال قوات تابعة لحلف الناتو إلى أوكرانيا من أجل القتال إلى جانب القوات الأوكرانية، قال أديب السيد إن "هذا سيؤدي بلا شك إلى زيادة احتمال الصدام العسكري بين القوات الروسية وقوات حلف الناتو في الأراضي الأوكرانية ومن شأن هذا التصعيد حقيقة أن يضع العالم على حافة اندلاع حرب عالمية ثالثة مما قد يترتب عليها من مخاطر مهلكة للبشرية بشكل عام".
ومضى قائلا: "وفي مثل هذه الحالة، فإن الدولة الروسية سوف تتخذ سلسلة من الإجراءات غير المسبوقة لمواجهة مثل هذه التطورات لا سيما وأن الغرب لم يقدم أي إشارات تؤكد جنوحه نحو البحث عن تسوية سياسية تلبي المطالب الروسية".
واستطرد: "ستجد روسيا نفسها حتما أمام اتخاذ سلسلة من الإجراءات وأعتقد أن بعضها سيكون متعلقا بإعلان حالة الطوارئ في البلاد إضافة إلى إعلان تعبئة عامة جديدة وربما اتخاذ إجراءات على الصعيد الاقتصادي من شأنها أن تعزز القدرات المتعلقة بتزويد جبهات القتال والقوات الروسية بكل ما تحتاجه من عتاد ودعم مالي ولوجستي في كل المجالات".
أديب السيد ذكر أيضا "كل هذه الأمور مجتمعة تدفعني للاعتقاد بأن المرحلة القادمة ستشهد مزيدا من التوتر في العلاقات ما بين روسيا والدول الغربية وربما تصل إلى حد المجابهة إلا في حالة إدراك المسؤولين في الدول الغربية لضرورة فتح نافذة للحوار مع روسيا".
إجراءات الداخل
وحول الإجراءات الداخلية، حال تطور النزاع، أكد الأكاديمي والعالم السياسي أليكسي أرباتوف، لـ"العين الإخبارية"، أنه "إذا تصاعدت الأعمال العسكرية إلى قتال واسع النطاق، فسيتعين على الروس جميعاً أن يشدوا أحزمتهم لأن الاقتصاد أصبح على حافة الحرب".وأضاف أنه "بما أن الطائرات دون طيار لا تطير إلى المناطق الحدودية فحسب، بل إلى كلا العاصمتين أيضًا، "فإنني لا أستبعد فرض الأحكام العرفية وحظر التجول والتصاريح الخاصة، بادئ ذي بدء، في المناطق المتاخمة للنزاع في المناطق الحدودية - في كورسك وبيلغورود".
وأشار إلى أنه "إذا لم يكن هناك اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن كل شيء سيؤدي إلى حرب واسعة النطاق".
aXA6IDMuMTQ0LjguNjgg جزيرة ام اند امز