السياسة العربية لم تترك دمشق وحيدة بل عندما رأت أن هناك خلافات في وجهات النظر حاولت تقريب وجهات النظر وتوضيحها
على الرغم من الضبابية التي تكتنف المشهد السوري ولا سيما على الصعيد السياسي؛ إلا أنه مهما تعددت الرؤى وتشعبت الطرق لا محيص عن أن سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي.
وعلى الرغم من تباين المواقف إلا أن شقيقات دمشق من العواصم العربية لم تتردد يوماً بمد الجسور وتجاوز الأزمات من أجل سوريا بصفتها الشقيقة العربية، ولعل كل هذا بدأت ملامحه تتكشف على ضوء المستجدات السياسية والميدانية على الساحة السورية؛ وبخاصة بعد التفاهمات الدولية على تجنيب سوريا أن تكون حديقة خلفية لطهران من جهة، وكون السياسة العربية الروسية التي شهدت في السنوات الماضية تقاربات هامة على صعيد الملف السوري بدأت تؤتي أُكلها من جهة ثانية.
هذا بالإضافة إلى التحركات التركية ومحاولات رجب طيب أردوغان، زرع كيان له شمال سوريا بمزاعم المنطقة الآمنة ضمن مساعيه لتصدير مشروعه السلطوي وتثبيته بأسافين العمالة؛ الأمر الذي لا يمكن ردعه إلا بمشروع عربي حاسم وحازم بأن ليس لدمشق إلا أشقاؤها العرب وأن لا مشروع لها إلا المشروع العربي ضمن المصالح الوطنية السورية والاستراتيجيات القومية العربية .
ولكن لا بد لنا بداية الأمر ونحن نتحدث عن توجه دمشق باتجاه السياسة العربية وشقيقاتها العربيات، ومد الأشقاء العرب يد التكاتف لها من أن ندرك بأن حقيقة هذا الأمر ليست لعبة تقليب أوراق أو الانتقال من ضفة إلى أخرى، مع أننا حتى لو فرضنا جدلاً بأن الأمر كذلك فلا ضير فيه كون الهدف المنشود هو القضية العربية الجامعة على المبدأ العربي الموحد.
أما حقيقة الأمر فتكمن في أن المنطقة العربية بشموليتها وفي ظل ما واجهته من ظروف صعبة خلال السنوات العشر الماضية وما اتسمت به من انفجارات متسارعة للأوضاع في الكثير من البلدان العربية وما تلاه من تدخلات دولية من غير تنسيق أدى إلى اضطراب سياسي اصطدم مباشرة بملفات ليست معقدة فحسب بل ومتسارعة باتجاه واحد ألا وهو اتجاه التعقيد أكثر فأكثر؛ الأمر الذي جعل من الدول العربية - بما يقتضيه واقع الحال - أمام ضرورة محاصرة النار وتغليبه على محاولة إخمادها ضمن سياسة الخروج بأقل الخسائر الممكنة.
السياسة الروسية بدأت بجذب دمشق نحو شقيقاتها العربيات على مبدأ لا ضامن لوحدة سوريا ونجاتها مما هي فيه إلا أن تكون ضمن سياقها العربي.
ولعل ما استجد اليوم على الساحة العربية عموماً هو بالفعل تحقيق ذلك الحصار للنار نتيجة الجهود السياسية العربية التي بذلت على هذا الصعيد، فالسياسة العربية لم تترك "دمشق" وحيدة بل عندما رأت أن هناك خلافات في وجهات النظر ولا وقت لإنفاقه في تقريبها والعمل على توضيحها والنار تزداد اضطراما؛ نظرت السياسة العربية بعين بصيرة، فعملت على توطيد العلاقات العربية الروسية.
فروسيا هي الفاعل الأقوى على الميدان السوري ويليه الفاعل الإيراني الذي يتناقض بل ويتصارع مع المشروع العربي، فتمحورت السياسة العربية على العمل – ضمن السياسة الدولية – من أجل التفاهمات العربية الروسية لتكون جسرها إلى "دمشق".
ولعل الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى، خير مثال على ذلك وما تلاه من اتفاقيات للتبادل العلمي والثقافي والرؤى الاستراتيجية للاستثمار.
كل ذلك أدى إلى تقوية الورقة العربية لتأخذ وزنها الحقيقي الفاعل في الملف السوري، كما أن السياسة الروسية بدأت بجذب دمشق نحو شقيقاتها العربيات على مبدأ لا ضامن لوحدة سوريا ونجاتها مما هي فيه إلا أن تكون ضمن سياقها العربي؛ والذي اتضح جلياً بانضمام روسيا للسياسة الدولية بل والتحالف لإخراج "إيران" من سوريا.
كما ظهرت بوادر هذا الاتجاه العربي السوري والسوري العربي بتغريدة الشيخ "محمد بن زايد" في آذار/مارس المنصرم على "تويتر" بأنه بحث هاتفياً مع الرئيس الأسد تداعيات انتشار فايروس "كورونا" وبأن سوريا لن تبقى وحدها؛ وذلك في سياق مساعدة الإمارات لدمشق لمواجهة جائحة "كورونا".
فصل الكلام هو أنه لا غنى لدمشق عن أشقائها العرب كما أن أشقاءها لن يتركوها وحيدة، وبأن السوريا بالفعل بدأت تعود بوصلتها إلى الاتجاه الصحيح؛ باتجاه شقيقاتها العربيات وإن لم يكن ذلك بتصريحات مباشرة أو لقاءات واضحة إلا أن التفاهمات الدولية والتوافقات الروسية والتي هي الحليف الأقوى للحكومة السورية.
بالإضافة إلى ذلك فالتعاطي الروسي مع الملف السوري وما يكتنفه من تَمَثُّلٍ للرؤية العربية إنما هو دليل ساطع على القناعة بأن لا مرسى للسفينة السورية إلا على الشاطئ العربي، فليس من الوهم إذا قلنا بأننا سنشهد في قابل الأيام اتصالاً عربياً سورياً مباشراً لإخماد النار بعد حصارها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة