القذائف تغزو ملاعب الرياضة.. من الخاسر بخلط الكرة والسياسة؟
"إن الرياضة ليس لها علاقة بالسياسة".. صرخة أطلقها الألماني توماس باخ، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية قبل نحو عام ونصف، يبدو أنها فشلت في صد غزو المعارك السياسية والعسكرية لميادين التنافس الرياضي، بعد تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية.
ومع دخول معارك الحرب الروسية الأوكرانية يومها السابع، ترافقت العقوبات التي أطلقتها القوى الداعمة لكييف بحزمة عقوبات رياضية استهدفت موسكو، فتحت النار في الساحة الرياضية العالمية بين قوى تنتقد سقوط الحياد الرياضي للفيفا واليويفا واللجنة الأولمبية الدولية، وأخرى ترى أنه لا مفر من تلك القرارات للضغط على روسيا.
عقوبات بالجملة
العقوبات الرياضية بدأت بسحب تنظيم نهائي دوري أبطال أوروبا من سانت بطرسبرج، ثم استبعاد روسيا من المشاركة في تصفيات كأس العالم 2022، وحظر كل منتخباتها وأنديتها من المشاركة في بطولات الفيفا، وامتدت لنادي سبارتاك موسكو الذي تعرض للإقصاء أيضا من بطولة الدوري الأوروبي.
وانضمت لاحقا رياضات فورمولا 1 التي ألغت سباقها السنوي هناك، والتزلج على الجليد والسباحة، والكرة الطائرة التي سحبت تنظيم المونديال من روسيا، بينما استبعدت الألعاب الأخرى الرياضيين الروس بشكل عام.
وقررت رابطة الأندية الأوروبية (إيكا) تعليق عضوية الأندية الروسية الـ7 بشكل فوري، وهي: سيسكا موسكو ووكراسنودار ولوكوموتيف موسكو وروستوف وروبين كازان وسبارتاك موسكو، وزينيت سان بطرسبرج.
وقامت عدة أندية واتحادات بإنهاء عقود رعاية مع شركات روسية، وعلى النقيض أنهت شركة أديداس رعايتها لاتحاد الكرة الروسي، فيما تنازل الملياردير رومان أبراموفيتش المقرب من الرئيس بوتين عن رئاسة نادي تشيلسي.
وفي الملاعب، سمحت بعض الاتحادات بتمرير رسائل سياسية لدعم الجانب الأوكراني في الحرب، فيما عطلت رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز بعض القوانين، بحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، حيث أصدرت تعليمات للحكام بعدم معاقبة اللاعبين الذين يخلعون قمصانهم لإظهار قمصان داخلية تحمل رسائل دعم لأوكرانيا، على الرغم من أن القانون صارم في هذا الشأن.
خلط السياسة بالرياضة
خلال عقود ماضية، حرصت اللجنة الأولمبية الدولية، بخلاف الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحادات الرياضية لمختلف الألعاب حول العالم، على تأكيد عدم خلط السياسة بالرياضة، لكن الحرب الأخيرة أظهرت تغيرات واضحة في هذا الصدد.
اللجنة الأولمبية الدولية أصدرت توصية بحرمان روسيا والحلفاء من بيلاروسيا، من المشاركة في أي نشاط رياضي خلال الفترة المقبلة أو استضافة أي أحداث رياضية.
وجاء نص البيان: "من أجل حماية نزاهة المسابقات الرياضية العالمية ولضمان سلامة جميع المشاركين، توصي اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) بعدم قيام الاتحادات الرياضية الدولية ومنظمي الأحداث الرياضية بدعوة أو السماح بمشاركة الرياضيين والمسؤولين من روسيا وبيلاروسيا في المسابقات الدولية".
ورغم القرارات السابقة، إلا أنها تلقت سيلا من الانتقادات من الجميع، حيث اتهم البعض اللجنة الأولمبية الدولية والفيفا بخلط السياسة بالرياضة، فيما اعتبر البعض أن "القرارات جاءت متأخرة خوفا من روسيا بسبب المصالح المشتركة وعقود الرعاية".
وشنت الصحافة الإنجليزية هجوماً عنيفاً على الاتحادات القارية والدولية التي رفضت استبعاد روسيا من بطولاتها، حيث نشر الكاتب الإنجليزي بارني روناي، في صحيفة "جارديان" البريطانية مقالاً بعنوان: "اليويفا والفيفا متأخران للغاية: غسيل الرياضة الروسي أدى غرضه"، في إشارة لاستخدام الرياضة لتنظيف صورة الحكومة الروسية من خلال تعاقدات رعاية لشركات روسية مثل "جاز بروم" للاتحاد الأوروبي للعبة وبعض أندية القارة العجوز.
وأنهى "يويفا" علاقته بـ"جازم بروم" بعد 10 سنوات كاملة من التعاقد، في سنة كان يفترض أن يقام فيها أهم نهائي كروي للأندية على ملعب "جازم بروم أرينا".
من جانبها، انتقدت قناة "abc" الأمريكية، عبر موقعها الإلكتروني توصيات اللجنة الأولمبية الدولية، وقالت "بين عشية وضحاها وتحت توصية اللجنة الأولمبية الدولية، تم حرمان كافة الرياضيين والمسؤولين من روسيا وبيلاروسيا، من المشاركة في المحافل الدولية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية".
وتقول كاثرين أوردواي، وهي قائدة أبحاث النزاهة الرياضية في جامعة كانبيرا، في أستراليا، إن "العقوبات المفروضة على الرياضيين تم تنفيذها لأن الرياضة تحمل وزنا كبيرا للناس (خاصة الروس)، وبالتالي يمكن استخدامها لممارسة الضغط من أجل تغيير السلوكيات".
ورفض اللاعب التركي أيكات ديمبر ارتداء قميص يطلب وقف الحرب الروسية على أوكرانيا، خلال لقاء فريقه إريزرمسبور ضد أنكاراجوسو، في دوري القسم الثاني المحلي، مبررا ذلك بضرورة عدم خلط السياسة بالرياضة، ومدللا على حوادث كثيرة في الشرق الأوسط رفضت فيها الرياضة أن تكون طرفا، بناء على قرارات من الفيفا نفسه.
تغير المواقف
القرارات التي أصدرتها اللجنة الأولمبية الدولية بجانب عدد من الاتحادات الرياضية أظهرت تعارضا مع لوائح وقيم تاريخية، تتعلق بضرورة عدم خلط السياسة بالرياضة، فعلى مدار التاريخ كان أي لاعب أو منتخب يستخدم مباراة أو حدثا رياضيا للتعبير عن رأي سياسي يتعرض للعقوبة.
تلك النقطة أثارت حالة من الجدل الكبير وسخطا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في الشرق الأوسط، واستشهدوا بعقوبات كبيرة بحق لاعبين وأندية في المنطقة خلال وقت سابق، بحجة الخلط بين الرياضة والسياسة، وهو ما يتعارض تماما مع الوضع الراهن.
وينص قانون الفيفا في أكثر من بند على ضرورة عدم الخلط بين السياسة والرياضة، خاصة المادة 6 من قوانين اللعبة والخاصة بالملابس الرياضية، التي تؤكد أنه "يجب ألا تحتوي المعدات الأساسية الإجبارية (ملابس اللاعبين من قميص وسراويل وجوارب وأحذية)، على أي شعارات أو بيانات أو صورا سياسية أو دينية أو شخصية، فريق اللاعب الذي تحتوي معداته الأساسية على ذلك سيتم معاقبته من قبل منظم المسابقة أو من قبل الفيفا".
ويحتوي قانون الانضباط الخاص بالفيفا على غرامات وعقوبات تصل لحد الإيقاف ضد أي لاعب يقوم بفعل سياسي مثل التحريض على العنف أو الكراهية لفئة أو بلد معينة أو إثارة الجمهور أو تنفيذ سلوك عدواني أو تمييزي.
وثمة قرارات عديدة صدرت ضد منتخبات ولاعبين، لعل من بينها معاقبة كرواتيا بخوض مباراتين خارج الديار في تصفيات كأس العالم 2018 بسبب الهتافات العنصرية ضد أيسلندا، فيما تم إيقاف اللاعب الجزائري فتحي نورين الذي رفض مواجهة منافس إسرائيلي في لعبة الجودو، خلال دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة، ليتم إيقافه ومدربه أيضا لمدة 10 سنوات.
الألماني توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية بنفسه كان له موقف صريح في هذا الشأن كما سلف الذكر، حيث نشر مقالا عبر الموقع الرسمي لمنظمته في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2020، قال فيه: "تعد المشاركة في الألعاب الأولمبية تجربة رائعة لكل رياضي، فأنت جزء من حدث يوحد العالم. في الألعاب الأولمبية، كلنا متساوون يحترم الجميع نفس القواعد، بغض النظر عن الخلفية الاجتماعية أو الجنس أو العرق أو التوجه الجنسي أو المعتقد السياسي".
وقال رئيس اللجنة الأولمبية في مقاله "عارضت خلال عام 1980، بصفتي رئيساً للجنة الرياضيين في ألمانيا الغربية، فكرة مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية في موسكو، بسبب غزو أفغانستان من قبل الجيش السوفيتي. كان عليّ وقتها أن أدرك أن تأثير الرياضيين ضعيف للغاية. لم تسمع أصواتنا من قبل الساسة ولا قادة الرياضة، وكانت تجربة مذلة للغاية، وقد أدت مقاطعة دورة موسكو 1980 إلى مقاطعة انتقامية من الروس في نسخة لوس أنجلوس 1984، وبقي الجيش السوفيتي 9 سنوات كاملة في أفغانستان".
وأسهب: "إن الألعاب الأولمبية ليس لها علاقة بالسياسة. اللجنة الأولمبية الدولية هي مؤسسة مدنية غير حكومية، وهي محايدة سياسيا في كل الأوقات، ولا يمكن للأولمبياد منع الحروب والصراعات لكن يمكن لها أن تكون قدوة للعالم في احترام القواعد، وبناء الجسور التي تؤدي لتفاهم أفضل بين الشعوب، ومن ثم يتم فتح باب للسلام".
لكن ما عبر عنه رئيس الأولمبية الدولية في مقاله المنشور قبل عام ونصف تقريبا، جاء مخالفا لقرارات المنظمة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، ليفتح الباب أمام الانتقادات.
aXA6IDE4LjIxNi40Mi4yMjUg
جزيرة ام اند امز