مفاوضات روسيا وأوكرانيا بأنقرة.. زيلينسكي حاضرا وبوتين يرسل وفدا

في لحظة حاسمة من عمر الحرب الروسية الأوكرانية، تتجه الأنظار مجددًا نحو إسطنبول، حيث تُستأنف محادثات مباشرة بين كييف وموسكو للمرة الأولى منذ أكثر من عامين، في ظل وساطة تركية متجددة ودعم أمريكي غير مباشر.
المحادثات المقررة، اليوم الخميس، والتي جاءت بناءً على دعوة مباشرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تلقى ترحيبًا مشروطًا من الغرب، بينما تسعى تركيا إلى ترسيخ موقعها كوسيط إقليمي قادر على جمع الفرقاء في لحظة سياسية معقدة.
- ترامب يحرك المياه الراكدة؟.. إسطنبول تستعد لمباحثات روسية أوكرانية
- «ملكة الدبابير».. نقلة في عالم المسيرات بسبب حرب أوكرانيا
ومع توافد الوفدين إلى تركيا، يتصاعد الزخم الدبلوماسي حول مبادرة سلام لا تزال محفوفة بالتعقيدات السياسية والتوازنات الجيوستراتيجية.
زيلينسكي بأنقرة.. تنسيق قبيل المفاوضات
وأفاد مسؤول أوكراني كبير أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي غادر إلى تركيا عشية المحادثات، في خطوة بدت وكأنها إشارة إلى استعداد كييف الجاد للانخراط في العملية السياسية.
وأوضح المسؤول الذي تحدّث لوكالة «رويترز» طالبًا عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية التوقيت، أن الرئيس «في الطريق»، دون تقديم تفاصيل إضافية.
في السياق ذاته، التقى وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها نظيره الأمريكي ماركو روبيو في تركيا في الساعات الأولى من يوم الخميس، حيث ناقشا، بحسب تصريحات سيبيها، رؤية زيلينسكي للسلام، ونسّقا المواقف تجاه المرحلة المقبلة من المحادثات، التي وصفها الوزير الأوكراني بأنها «حاسمة لمستقبل المنطقة».
مصادر دبلوماسية في أنقرة أفادت بأن اللقاء الثلاثي غير المعلن ضم أيضًا مسؤولين أمنيين من الطرفين، ما يشير إلى وجود ترتيبات تتجاوز الجانب السياسي، وربما تشمل ترتيبات ميدانية تتعلق بخطوط التماس ووقف إطلاق النار المحتمل.
روسيا.. حضور أمني واستخباراتي وغياب بوتين
في المقابل، كشف الكرملين رسميًا عن تركيبة الوفد الروسي إلى المفاوضات، وأصدر الرئيس فلاديمير بوتين مرسومًا يحدّد أسماء المشاركين في الوفد، الذي طغى عليه الطابع العسكري والاستخباراتي، في إشارة واضحة إلى أن موسكو تنظر إلى المحادثات من زاوية أمنية في المقام الأول.
الوفد الروسي يترأسه مستشار الكرملين فلاديمير ميدينسكي، المعروف بصلاته الوثيقة ببوتين وبدوره في مفاوضات 2022 التي لم تفضِ إلى نتائج ملموسة.
ويضم الوفد أيضًا نائب وزير الدفاع ألكسندر فومين، ومدير جهاز المخابرات العسكرية الروسية الجنرال إيغور كوستيوكوف، إضافة إلى نائب وزير الخارجية ميخائيل غالوزين، وخبراء من هيئة الأركان العامة ووزارة الخارجية.
مصادر روسية اعتبرت أن هذه التشكيلة تعكس نية موسكو وضع كافة الملفات على الطاولة، من الترتيبات العسكرية في الجنوب الأوكراني، إلى الوضع في دونباس، مرورًا بملف شبه جزيرة القرم، وانتهاءً بالمطالب الروسية الخاصة بـ«الضمانات الأمنية».
بوتين: السلام يتحقق بالإرادة السياسية
وفي تصريحات لافتة أدلى بها مساء الأربعاء، فبيل المفاوضات، شدد الرئيس الروسي على أن بلاده لا تسعى إلى التصعيد، بل إلى «تسوية طويلة الأمد تضمن الأمن والاستقرار».
وأضاف بوتين: «السلام لا يتحقق عبر الحفر المتهور للخنادق، وإنما من خلال الإرادة السياسية المتبادلة».
وأشار إلى أن روسيا لم تفرض شروطًا مسبقة لبدء المحادثات، ووجه انتقادات مبطنة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قائلاً إن قرار استئناف الحوار المباشر مرهون بـ«مدى استعداد كييف والقوى التي تدعمها للجلوس إلى طاولة المفاوضات بجدية».
كما أشاد بوتين بدور الدول الوسيطة، خاصة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وصفه بأنه «شريك يمكن الوثوق به»، ووجه شكره أيضًا لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي لعبت دورًا داعمًا خلف الكواليس رغم عدم مشاركتها المباشرة في المحادثات.
ترامب لن يشارك... لكن «أخبارًا سارّة» قد تكون قريبة
ورغم تقدير موسكو لدور واشنطن، أكد مسؤول أمريكي رفيع أن الرئيس دونالد ترامب لن يسافر إلى تركيا للمشاركة في المحادثات، موضحًا أن ترامب «يدعم الجهود من بعيد لكنه لن يكون طرفًا مباشرًا».
ورغم ذلك، تحدث ترامب خلال لقاء جمعه بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الدوحة، عن «أخبار سارّة قد تخرج من الملف الأوكراني في الأيام القليلة المقبلة».
وأضاف: «ربما اليوم، أو غدًا، أو حتى يوم الجمعة... هناك تطورات جيدة قيد التبلور».
وشكر قطر على دورها في تسهيل بعض الاتصالات غير المباشرة بين موسكو وكييف، معتبرًا أن «الحل ممكن إن توفرت الإرادة».
دعوة برازيلية لبوتين للقاء زيلينسكي
من جهته، دخل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا على خط الوساطة، حيث أجرى اتصالًا هاتفيًا مع بوتين الأربعاء، دعاه خلاله إلى التوجه شخصيًا إلى إسطنبول ولقاء زيلينسكي وجهًا لوجه، معتبرًا أن مثل هذا اللقاء من شأنه «تسريع التسوية وإنهاء الحرب بطريقة تحفظ كرامة الطرفين».
وتأتي هذه المبادرة بعد زيارة دا سيلفا إلى موسكو الأسبوع الماضي، حيث عبّر عن رغبة بلاده في أداء دور متوازن في النزاع، لا ينحاز لأي طرف، لكنه يسعى لتقريب وجهات النظر.
إسطنبول في الواجهة مجددًا
وبينما تتجه الأنظار إلى إسطنبول، تتصاعد التساؤلات حول مدى جدية الطرفين في دفع العملية السياسية قدمًا.
فالتجارب السابقة، وعلى رأسها مفاوضات 2022، انتهت بانهيار سريع للمسار التفاوضي بسبب تباين الأجندات، ورفض الطرفين تقديم تنازلات جوهرية.
لكن السياق الدولي اليوم يختلف نسبيًا؛ إذ تواجه روسيا تحديات اقتصادية وعسكرية متراكمة، فيما تسعى أوكرانيا إلى استعادة دعم غربي بدأ يتآكل تدريجيًا بفعل متغيرات داخلية في أمريكا وأوروبا.
ووفق مراقبين فإن الرهان يبقى مفتوحًا على مدى قدرة الوسطاء على كسر الجمود، ودفع المتحاربين نحو اتفاق، وفي ظل هذه المعطيات، قد لا تكون محادثات إسطنبول كافية لإنهاء الحرب، لكنها قد تمهّد لتفاهمات ميدانية أو خطوات لبناء الثقة، كوقف إطلاق نار مؤقت، أو فتح ممرات إنسانية، أو تبادل للأسرى، ما لم يتم وأده منذ البداية بتمسك كل طرف بمطالبه القصوى.
aXA6IDE4LjIyMi4xODQuNDAg جزيرة ام اند امز